على اليونان أن تحذر «هدايا صندوق النقد الدولي»

نشر في 22-09-2017
آخر تحديث 22-09-2017 | 19:50
صندوق النقد الدولي.. صديق أم صديق عدو؟
صندوق النقد الدولي.. صديق أم صديق عدو؟
كتب الشاعر الروماني القديم فيرغيل يقول: "احذروا الهدايا اليونانية". وفي القرن الحادي والعشرين يتعين على اليونانيين أن يكونوا أكثر حذرا، إزاء قبول العروض، وبشكل محدد من صندوق النقد الدولي، الذي يضايق ذلك البلد بغية استعادة أمواله.

وقد عمل المسؤولون اليونانيون بجد من أجل دعم اقتصادهم وتمويلهم. وفي الفترة ما بين 2010 و2016 أنجزت حكومة أثينا الهدف المستحيل المتمثل في تقليص عجز الميزانية، بنحو 18 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، وهي أخيراً تحقق فائضا. وبعد انكماش صعب بنحو 30 في المئة يظهر اقتصاد اليونان مؤشرات ايجابية في كل ميدان تقريباً: الانتاج الصناعي واقتناء سيارات جديدة وتراخيص بناء وزيادة في عدد السياح.

وحقق القطاع المصرفي أيضاً خطوات كبيرة، وبعد عمليتي تفتيش كاملتين لسجلات قروض البنوك (الأولى من بلاك روك في سنة 2013 ثم من جانب آلية الاشراف من البنك المركزي الأوروبي) تمت اعادة رسملة البنوك بصورة تامة مرتين. وقد عززت البنوك احتياطاتها ضد القروض المعدومة ونسب رسملتها الآن أعلى بشكل كبير من المعدل الأوروبي، مما يوفر درجة أمان ضد أي خسائر في المستقبل.

وعلى أي حال فإن اليونان سوف تحمل أعباء ثقيلة: ما يقارب 250 مليار يورو، التي أقرضها صندوق النقد الدولي والشركاء الأوروبيون الى أثينا من أجل انقاذ اقتصادها، وكل منطقة اليورو، ويظل هذا العبء الرسمي للانقاذ مستحقاً، حتى مع خفض الدائنين الخاصين لمطالبهم، مع اعادة هيكلة وشطب. وفي سنة 2012 (على سبيل المثال) اضطر حملة السندات من القطاع الخاص الى قبول خسارة بنحو 80 في المئة، فيما شهد حملة الأسهم المصرفية اليونانية شطب استثماراتهم في اعادة الرسملة مرتين.

وفي وسع صندوق النقد الدولي شطب ديونه وتخفيف أعباء اليونان، وسيشكل هذا فائدة بالنسبة الى صحة اقتصاد ذلك البلد في الأجل الطويل، وينسحب ذلك على أوروبا أيضاً. وبدلاً من ذلك يطالب الصندوق بمزيد من اجراءات التقشف، كما يصر على اصلاحات "هيكلية" ذات قيمة مريبة.

وكان صندوق النقد الدولي تقدم على شكل منقذ اليونان، خلال الأزمة المالية الأوروبية، ولكنه يبدو اليوم أشبه بالصديق العدو. ولننظر الى تاريخ الديون. عندما تنضم دولة الى صندوق النقد الدولي يتم تخصيص "حصة" أولية لها تعتمد بشكل مبدئي على الناتج المحلي الاجمالي فيها. وفي وسع تلك الدولة اقتراض ما يصل الى 145 في المئة من حصتها سنوياً، والى 435 في المئة بصورة تراكمية، أو ربما أكثر في صورة "ظروف استثنائية". وهذه بشكل أساسي حدود الائتمان المصممة لعدم إثقال كاهل المقترض بالديون.

وعلى الرغم من ذلك، وإبان الأزمة وافق صندوق النقد الدولي على اقراض اليونان 3212 في المئة من حصتها. ومع القروض من الشركاء الأوروبيين في الصندوق يبلغ دين القطاع الرسمي في اليونان أكثر من 135 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.

كان صندوق النقد الدولي يعلم تماماً أن قروضه قد لا تسترد. وقد سمعت هذا بصورة مباشرة من مسؤولين مشاركين في العملية. وكل المشاركين في ذلك الوقت، بمن فيهم وزير الخزانة الأميركي تيم غيثنر ورئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشت والعضو المنتدب في صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس، كانوا اتخذوا قراراً واعياً وسياسياً جداً، وليس مالياً، بغية منع الأزمة من الانتشار وإبقاء منطقة اليورو موحدة. ومن دون مثل هذا القرض الضخم كانت اليونان ستضطر بشكل مؤكد الى مغادرة اتحاد العملة.

والسؤال هو: ما العمل؟ إن اليونان في حاجة ماسة الى استعادة ثقة المستثمر والمستهلك اليوم. ومن أجل تحقيق ذلك يتعين على مقرضي القطاع الرسمي اليوناني شطب الديون أو تحويلها الى أسهم وعزوها الى تكلفة ابقاء منطقة اليورو موحدة.

يتسم موقف صندوق النقد الدولي بالاستحالة. وهو مدفوع بالمصلحة الذاتية، لا بعمل ما هو أفضل لليونان. وقد حاول الصندوق في آن معاً منع عودة اليونان الى أسواق رأس المال، كما حاول تقويض الاتحاد المصرفي الأوروبي الجديد، عبر المطالبة بإعادة رسملة اخرى. ونظراً لأن اليونان –مثل كل الدول الأعضاء في منطقة اليورو– لا تستطيع تحقيق تعديل الاقتصاد الواسع من خلال خفض قيمة عملتها؛ فيتعين توخي أقصى درجات الحذر. وثقة المستهلك والمستثمر –وليس الصادرات– سوف تدفع النمو في نهاية المطاف.

ويسهم نقص الثقة في تقويض الاقتصاد اليوناني. وقد ظلت مؤشرات المشاعر في النطاق السلبي، على الرغم من أن الانتاج االصناعي استمر في النمو منذ عام 2015، وحالت الصورة القاتمة دون تحقيق النمو المتجدد النشاط لدورة جديدة من الاستثمار، كما كان يفترض في العادة. ومن دون ذلك المردود الايجابي لا يمكن للنمو أن يتسارع.

النظام المصرفي ليس في حاجة الى اعادة رسملة اخرى. ويمكن التوصل الى حل أفضل للقروض من خلال مؤسسات تتمتع بعلاقات مع المقترضين، وتستطيع ايجاد حلول من دون أن تخلق اضطرابات غير ضرورية. وهذا على وجه التحديد ما عمدت اليه الولايات المتحدة في إعادة هيكلة الرهونات العقارية المتعثرة، عبر برنامج اعادة التمويل المحتمل للمنازل الذي أرسى أساس التعافي الاقتصادي والسكني. ويمكن أن يشكل هذا نموذجاً بالنسبة الى اليونان.

لقد قامت اليونان بالجزء المطلوب منها، من خلال السعي وراء اصلاحات قانونية تزود البنوك بأدوات جديدة لحل القروض المتعثرة. ولكن صندوق النقد الدولي بدأ بتقويض التشريع الجديد، حتى قبل دخوله حيز التنفيذ، مجادلاً في أنه لا يمكن أن ينجح. وهذا مسار سلبي لأنه يثني المقترضين والمقرضين عن التعاون لإيجاد حلول يمكن أن تجعل أعباء الديون ممكنة الحل، وتسمح في نهاية المطاف للشركات بالعودة الى النمو. وطعن اليونان في الخلف، وهي تحاول تحقيق تقدم، ليس سلوكاً مسؤولاً.

وفي غضون ذلك، تسهل رؤية التأثيرات السلبية لـ"خطة" صندوق النقد الدولي، وهي مزيد من التآكل في ثقة المستثمر في اليونان وتقويض الاستقلال السياسي لجهات التنظيم المصرفية الأوروبية.

● جي كايل باس

back to top