قوة ناعمة!

نشر في 13-09-2017
آخر تحديث 13-09-2017 | 00:00
 طالب الرفاعي أي قوة ناعمة تلك التي تلغي حدوداً؟

أي قوة ناعمة تلك التي تلمُّ بشراً لا سبيل للمّهم؟

أي قوة ناعمة تلك التي تكون أملاً وحيداً يضيء ظلمة واقعٍ دامسة؟

وحدها قوة الكلمة، قوة الفكر، قوة الإبداع حرفاً وريشةً، ما بقي للمفكرين والكتّاب والفنانين العرب.

ببساطة متناهية؛ لا يستطيع شخص عربي زيارة بلد عربي شقيق لو طلب فيزا وانتظر عمراً. وببساطة متناهية أيضاً؛ يستطيع أي شخص أجنبي أن يزور أي بلد عربي متى ما عنّ له ذلك!

أي بؤس نحيا، وأي ألم نعيش؟

السياسات البائسة، والشعارات الكاذبة، والحكام الدكتاتوريون الطغاة، هم منْ قطع أوصال حلم وطننا العربي الكبير. هم وحدهم من جعلوا الحروب وصلاً بيننا، ومهدوا طرق القتل المجاني، والدم، والعداوة. وكذا فعلت شعارات دفع البعض أيام عمره ودمه ثمناً لها. شعارات القومية والبعثية واليسارية، وأخيراً الإسلام السياسي.

كلهم تآمروا علينا، تآمروا على شعوب طيبة وبائسة لا تمتلك قوت يومها!

كلهم سنّوا خناجرهم لقطع أوردتنا وعيشنا!

كلهم وقفوا يصرخون وراء المنابر بصدقهم وإخلاصهم وعزمهم القوي، ولم يكن ذلك الإخلاص وذلك العزم إلا لقتلنا!

كلهم ساهم بشكل أو بآخر بقتل، ومن ثم تشريد، ملايين العرب، ومن بينهم المفكرون والكتّاب والفنانون، إلى شتى بقاع الأرض!

عرب ما زالوا يحلمون بلقمة تحمل المذاق العربي، وعزف يرن بنغم عربي، ومكان يتداول الكلمة العربية، ووجه عربي، ومودة ووصل.

قطعوا أوصالنا، ولم يبق لنا غيرهما، الثقافة والفنون، وحدهما عجزوا جميعهم عن كسرهما وقطع وريدهما! استخدموا عجائب بطشهم لكنهم فشلوا، وظلا هما نواً يضيء ظلمة الأمل!

وحدها؛ المؤتمر، ومعرض الكتاب، ومهرجان القراءة، والمعرض التشكيلي، والمسرحية، والفيلم، وحدها هذه ما زالت قادرة على لمِّ العربي على العربي.

تفرح روحي حين أكون في أي معرض كتاب عربي أو مهرجان أو مؤتمر، وألتقي أصدقائي، وسرعان ما تترطب عروق روحي، وتدور الأحاديث والود والبوح والألم بيننا. وسرعان ما يعود لأنفاسنا نَفَسُها! وسرعان ما يخفق القلب بود بين عربي وعربي!

وحدها الرواية والقصة والقصيدة واللوحة والفيلم أقوى من كل أسلحتهم! وحدها هامة الفكر والإبداع أعلى وأبعد من أن يطالوها!

سلمت وتسلم القوى الناعمة! سلمت وتسلم الثقافة والفنون. فبعد أن قطّعت السياسة والسياسيون والحرب والمتحاربون، بعد أن قطّعت شرايين الوصل بيننا، برزت تلك الشامخة، تلك المتغطرسة، تلك المغرية، برزت تتهادى بخطوات واثقة، صعب ويصعب عليهم عرقلتها.

نعم، يحق لنا أن نلتم من حولها، ويحق لنا أن نفخر بها، ويحق لنا أن نرفع هاماتنا منتمين إليها. الفكر والإبداع والثقافة هم قبلة من يعشق الحياة، ومن ينادي بالسلام والحب والحرية والديمقراطية والخير والإنسان.

نعم، أقطار الوطن العربي تعيش حروباً طاحنة، حروباً وحشية بين الأخ وأخيه، وأوجاعاً لا قِبل لبشر باحتمالها، وأكثر ألماً من ذلك؛ تعيش مستقبلاً يلوح كالحاً بوجه عجوز منخور. لكنه مستقبلنا، وليس لنا غيره، ولذا سنستعين بالفكر والثقافة والفنون وسائل لاستقباله ومعالجته ومداواته وتجميله.

الثقافة منقذ أمتنا العربية الباقي!

الثقافة والفنون صارا يجمعان من حولهما ما عجز الجميع عن جمعه.

لنا أمل بشيء من الغد، ولنا الكلمة المبدعة غصن سلام أخضر نلوّح بها لذلك الغد.

back to top