صناعة القنبلة البشرية!

نشر في 11-09-2017
آخر تحديث 11-09-2017 | 00:09
 د. عبدالحميد الأنصاري إذا كان الغرب قد صنع "القنبلة الذرية" 1942 و"القنبلة الهيدروجينية" 1952 فنحن صنعنا "القنبلة البشرية" 2001. والتساؤل المحير: كيف يتحول شاب متدين في عمر الزهور لا يشكو مظلمة ولا مخمصة إلى "قنبلة بشرية"؟! شكل هذا التساؤل تحديا للباحثين، وحاروا في تعليل هذه الظاهرة غير المسبوقة، إذ لم يسبق تاريخياً أن ارتدى أحد حزاماً ناسفاً، وفجر نفسه في أبرياء في مجمع سكني أو فندق أو مطعم أو مسجد أو قطار! أو اختطف طائرة تجارية وفجرها في برج، كما حصل قبل 16سنة، في مثل هذا اليوم! أو فجر نفسه في مركبة! نحن نعلم أن الحياة نعمة عظيمة من الخالق عز وجل، وكونك تحيا في هذه الأرض، وتنعم بالوجود فيها، وتملك الحرية والإرادة، فهذه أعظم النعم، فكيف أمكن للفكر المتطرف أن يستحوذ على هذا الشاب، وأن يزين له التضحية بنفسه، والفرار من هذه الحياة؟ ما هذه القوة الغلابة التي باستطاعتها تحويل شاب متدين، يقول له دينه: إن قتل النفس جريمة عظمى، وإن قتل إنسان بريء كمن قتل الناس جميعا، وهي جرائم تخلد صاحبها في النار؟! ما القوة الدافعة لهذا الشاب للإقدام على هذه الجرائم المغلظة؟!

محللون غربيون وباحثون عرب يشخصون الظاهرة الإرهابية بعوامل وأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية، ويرون أن "العمل الإرهابي" هو "ردة فعل" على مظالم الأنظمة العربية وقمعها للحريات واستبدادها، وأيضاً بسبب البطالة بين الشباب والضائقة الاقتصادية والفساد، وغياب العدالة الاجتماعية، وانسداد أفق التغيير والإصلاح، هذه العوامل السياسية والاقتصادية، هي المولدة للإرهاب بحسب رأي هؤلاء.

لكن هذا التشخيص يصور الانتحاريين طلاب إصلاح سياسي، لهم أهدافهم المشروعة ومبرراتهم السياسية المقبولة، فقط أخطأوا الأسلوب باختيارهم العنف، طريقاً للإصلاح!

في تصوري أن هذا التشخيص مضلل وخادع، ويمد في عمر الظاهرة الإرهابية بدلا من أن يعالجها ويحجمها، وذلك للأسباب الآتية:

1- لم يكن أصحاب الفكر العنيف، في يوم من الأيام، لا قديماً ولا حديثاً، طلاب إصلاح ولا حريات، بل هم "حرب" على كل فكر حر، و"أعداء" لكل إصلاح سياسي واجتماعي، وخصوصا الحريات وحقوق الإنسان، وبالأخص حقوق المرأة والأقليات والمذاهب والفرق الأخرى، ولو كان هؤلاء الانتحاريون طلاب حرية وديمقراطية لما فجروا أنفسهم في مجتمعات غربية، ينعمون فيها بكامل حرياتهم وحقوقهم من غير مظلمة أو مخمصة؟!

2- الفكر العنيف ليس ردة فعل على مظالم الأنظمة العربية وتضييقها للحريات العامة، بل هو سابق عليها تاريخياً، وإلا ما تفسير عنف "الخوارج" وسلهم السيوف على المجتمع الصحابي؟! كما أن عنف الجماعات "الجهادية" و"التكفيرية" في مصر وغيرها من الدول العربية سابق عنف السلطات ضدها.

3- الفكر المتطرف ليس وليد الظروف الاقتصادية الخانقة، ولا الفساد السياسي والمالي، فشعوب كثيرة في آسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية تعيش أوضاعاً اقتصادية أكثر سوءاً وفساداً، من أوضاع الشعوب العربية، بل بعضها يعيش تحت خط الفقر، ومع ذلك لم تنتج قنابل بشرية أو إرهاباً.

4- العنف الممارس باسم الدين من الجماعات الجهادية والتكفيرية "عنف أصيل" وله مشروعه المعلن، ودعاته ومنظروه، وأهدافه "إقامة دولة الخلافة وتطبيق الشريعة"، وليس ردة فعل لعوامل سياسية أو اقتصادية.

5- التطرف العنيف مرتبط بعوامل ذاتية ترجع إلى ضعف "المناعة الثقافية والدينية" للمجتمعات العربية، فهو "عرض" لوجود "مرض" مزمن في الجسم المجتمعي، غير ""المحصن" من الفكر المتطرف.

6- المظالم السياسية، والقهر والاستبداد، والبطالة والفساد، والظروف الاقتصادية الصعبة، لا تنتج إرهاباً، ولكنها قد تولد تمرداً شعبياً أو عصياناً مدنياً أو احتجاجات عامة واضطرابات أو صراعات دموية، أو قتلة ومجرمين ولصوصاً مخربين، لكنها لا تنتج قنابل بشرية، الاحتجاج أو التمرد على النظام الظالم، غير العمل الإرهابي والانتحاري.

7- المحرك الديني، هو الدافع الأقوى والأقدر، في إقدام الشاب الملتزم، لتفجير نفسه لنيل الشهادة والانتقال إلى الحياة الأخرى، واعتناق عقيدة "الجهاد" المحرفة، وحدها، القادرة على دفع الشباب إلى الانتحار، فالإنسان لا يقتل نفسه، احتجاجاً على غياب الحريات، ولا يضحي بنفسه بسبب تفشي الفساد والبطالة والفقر.

* كاتب قطري

back to top