مسيرة طارق وجيهان رجب (1)

نشر في 11-09-2017
آخر تحديث 11-09-2017 | 00:00
 فوزية شويش السالم قبل خمس سنوات اصطحبت صديقتي اليابانية إلى متحف "طارق رجب"، عندما كانت في زيارتي، ومن شدة انبهارها وإعجابها به باتت تذهب لزيارته منذ الصباح المبكر، حال افتتاح أبوابه تكون هناك، لمدة ثلاثة أيام على التوالي، هذا المتحف الجميل المتفرد بطابعه وبمقتنياته واختياراته المتميزة، هو نتاج لمجهود فردي قام بجمع تحفه السيد طارق رجب وزوجته الإنكليزية جيهان، ويُعد من أجمل متاحف الكويت.

سعدت وفرحت لقيام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بإصدار كتاب جميل اشترك في إعداده الشاعر والأديب محمد الأسعد، والمشرف على الأعمال التشكيلية يحيى سويلم، وزياد ابن طارق رجب، وعنون الكتاب باسم "مسيرة طارق وجيهان رجب".

الكتاب مقسم إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول يقدم ويُعرف بصاحب المتحف، وهو الفنان التشكيلي طارق رجب، وأيضا التعريف بمحتويات المتحف وقيمتها الفنية، وهذا القسم من كتابة محمد الأسعد.

القسم الثاني يقدم ويشرح ويبين أعمال طارق رجب الفنية ودراساته واهتماماته التشكيلية، وهو من كتابة يحيى سويلم، أما القسم الأخير فكتبه بالإنكليزية زياد طارق رجب، وقام بترجمته محمد الأسعد، وهو أكثر أجزاء الكتاب تشويقا وإثارة، خاصة بالنسبة لكاتبة رواية مثلي تحرك عقلها الشخصيات المبهرة غير العادية، مثل تركيبة شخصية جيهان رجب التي أيقظت كل حواس الفضول والشغف لدي، وسأخصص لها مقالا بعد الكتابة عن سيرة زوجها والمتحف.

فتح متحف طارق رجب أبوابه للجمهور عام 1980 كمتحف خاص تم تجميع قطعه بمجهود فردي عبر سنوات طويلة من التجوال في رحلات وأسفار عبر عواصم ومدن شرق أوسطية عربية، وغير عربية وصرف أموال طائلة لأجل الحصول على تحف ومنسوجات وخزفيات ومخطوطات وحلي إسلامية كانت هي حصيلة وأساس تكوين هذا المتحف.

أما كيف تشكلت هذه الشخصية المحبة والمتفتحة لقيمة نتاج الحضارات الإسلامية العظيمة في زمن لم يكن الناس يعرفونها أو يلتفتون إليها؟!

ما العوامل التي عملت على تكوين وتشكيل شخصية مختلفة في طابعها واهتماماتها عن وسطها ومحيطها، وهذا هو الأمر المميز والمثير لخلق أفراد يُعتبرون طفرة مختلفة بتكوينها عما حولها؟

وأعود دائما إلى الجينات الوراثية واختلاط هويات تفجر هذه الطفرات المتميزة والمختلفة، جاءت من امتزاج الدماء التركية بالعربية، فجده هو العالم الجليل سيد عمر الذي نمت وتفتحت روحه الفنية على مخطوطاته للآيات القرآنية المزخرفة الجميلة، مما نمى حبه للفنون وللعلوم، ومن هنا نبتت البذرة لتصبح بعد بعثة التعليم في إنكلترا لدراسة الفن وتاريخه شخصية متميزة.

بعدما عاد إلى الكويت عمل أستاذا في إحدى المدارس الحكومية، ثم عين مشرفا، وبعد ذلك تولى منصب مدير دائرة الآثار والمتاحف الجديدة، وعمل منقبا عن الآثار بجزيرة فيلكا مع البعثة الدنماركية في المواقع اليونانية التي ترجع إلى العصر البرونزي، وبجهود جماعية تم افتتاح متحف صغير في البيت الصيفي للشيخ أحمد الجابر فوق قمة "تل سعد" ربما من هنا تولدت فكرة إنشاء متحفه الخاص.

اهتم خلال السنوات العشر التي أمضاها بالعمل الحكومي بالمحافظة على الآثار للبيوت القديمة في الكويت، وعمل على صيانتها، ومن أهمها بابان قديمان من أبواب سور الكويت، وكان من الذين طالبوا بالإبقاء والمحافظة على البيوت القديمة بترميمها كي تصبح تاريخا لها، خاصة أن فترة بنائها ترجع إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر، لكن للأسف تم هدمها وقيام مدينة أسمنتية محت كل ماضيها البحري والتجاري، وكانت هذه نهاية لمدينة كأنها حلم عاشه فقط الأجداد.

أما كيف تولدت فكرة إنشاء متحفه الخاص، جاءت من تراكم مشترياته الفنية التي كان يجمعها خلال سفراته مع زوجته جيهان وتجولهما بسيارة بيت متنقل في أرجاء بلدان الشرق الأوسط، وبات لديهما مقتنيات مهمة وذات قيمة جمالية تدل على تطور فنون الحضارة الإسلامية.

المتحف يوفر كتيبات تعرف بالمعروضات المتنوعة في أقسامه، مع شرح توثيقي تاريخي لكل مجموعة فيه، من المنسوجات والخزفيات والأشغال الزجاجية والفضية والحلي والأثاث والأعمال الفنية.

وعندما كنت أكتب روايتي "مزون" زرت وقتها المتحف حتى أطلع على التاريخ العماني، وبالمصادفة وجدت قلادة الأميرة "سالمة بنت سعيد بن سلطان عمان وزنجبار" 1844- 1922، وقفت أتأملها ولم أستطع تحديد مشاعري وقتها، هل هي حالة من التأمل والشجن، وهذه قصة أخرى.

back to top