درس خصوصي

نشر في 16-08-2017
آخر تحديث 16-08-2017 | 00:09
لم يتعرض «بوعدنان» في حياته لما يفرقنا شيعة وسنة، بدوا وحضرا، ولم ينتحل شخصية ولاة الله في الأرض يكفّر من يشاء ويزكي من يشاء للجنان، ولم يتعدَّ على أموال الناس، وأبدع في عمله وأفنى حياته في تقديم فنه إلى آخر أيام حياته.
 علي محمود خاجه غريب هذا الإنسان وما حركه فينا رحيله من مشاعر حزن لا تنطفئ ولا تخبو جذوتها، فمن لم يعرف سوى أن يضحكنا طوال حياتنا تمكن أخيراً من غرس الحزن في نفوسنا جميعا دون استثناء، وهي حالة، مع تقديرنا لجميع المبدعين، أعتقد أنها خاصة بعبدالحسين عبدالرضا وحده دون غيره.

عموما حديثي لن يتطرق لسرد حياتنا مع "بوعدنان" كيف شكّلها وأضفى لها الفرحة، ولن يكون أيضا رثاء لأنفسنا برحيله، بل عن حالة الحزن التي عمت واستوقفتني لأستخلص منها درساً أشارككم فيه، لعلنا نتفكر ولو قليلا ونستوعب هذا الدرس الخصوصي الذي قدمه لها "بوعدنان" في رحيله عنا.

إن الحزن الجماعي الذي نعيشه في الكويت بل على مستوى المنطقة بأسرها قد يشبهه بتفاوت رحيل سمير سعيد قبل سنوات، ورحيل عبدالرحمن السميط، ومن قبلهم أحمد الربعي، جميع هؤلاء المواطنين العظماء في تاريخنا تسببوا بحالة حزن عمت البلاد كلها بمختلف مناطقها وانتماءاتها ومعتقداتها، بل إن الأمر لم يقف عند الحزن فحسب بل صاحبه في حالة وفاة عبدالحسين التصدي الحازم لأي محاولة حمقاء للانتقاص من هؤلاء، فنجد الجميع دون استثناء يهب للدفاع عن اسم عبدالحسين ولا يقبل أن يتم تغيير اسمه، والجميع أيضا يتصدى للأحمق ممن أراد أن يتسلق على وفاة العملاق عبدالحسين بشكل يجعل السلطات السعودية تتفاعل مع هذا الزخم الرافض لوقاحات الأحمق، فيتراجع خوفا لا قناعة طبعا.

اتحد الكويتيون جميعا بالحزن وبالتصدي لأي إساءة وهو أمر لا يتكرر كثيرا، بل نادر الحدوث في الآونة الأخيرة، والسبب ببساطة هو رجل جمع ولم يفرق، نشر الفرح وغرس الضحك، تعامل مع الناس كل الناس بأنهم بشر دون تمييز أو تفضيل.

إذا نحن أمام نموذج واقعي وصادق نجح في توحيد الناس صفا واحدا بمشاعر صادقة لا تزلف فيها ولا نفاق، وما أفهمه بأن الناجح يجب أن نسعى إلى تعميمه ونشره لتحقيق الهدف المأمول وهو الصف الواحد المتحد.

لم يتعرض "بوعدنان" في حياته لما يفرقنا شيعة وسنة بدوا وحضرا، ولم ينتحل شخصية ولاة الله في الأرض يكفّر من يشاء ويزكي من يشاء للجنان، ولم يتعدَّ على أموال الناس، وأبدع في عمله وأفنى حياته في تقديم فنه إلى آخر أيام حياته، فكانت تلك الخلطة الناجحة التي جعلتنا بهذه الصورة البهية التي نحن عليها منذ مساء الجمعة الماضي إلى اليوم.

إذاً فهو يقدم لنا برحيله أعظم درس مستفاد وإن كان ثمنه غالياً جدا على نفوسنا إلا أنه الدرس الناجح كما نراه على أرض الواقع، فلا متاجرة بالدين ولا تفرقة، بل إخلاص في العمل وهو ما نحتاجه لكي نكون صفا واحدا، وما علينا سوى التمسك بهذا الدرس بل محاربة من لا يسير وفقه كما عملنا في الأيام القليلة الماضية، وأن يكون هذا منهج حياتنا لا مجرد رد فعل مؤقت يتزامن مع مصيبة تحل علينا.

back to top