الدكتور «شرقان»

نشر في 05-08-2017
آخر تحديث 05-08-2017 | 00:05
 فواز يعقوب الكندري كان هناك في إحدى القارات مملكة، يحكمها ملك عادل يحب شعبه ويحبونه... يتحسس آهات من يحكمهم فيعمل جاهدا على تعقيم جروحهم وعلاج آلامهم، أصيب هذا الملك بمرض خطير في أنفه، فاجتمع الأطباء من حوله وقرروا أن يقطعوا أرنبة أنفه حتى لا ينتشر هذا المرض المعدي في بقية أعضائه، فعملوا ذلك، وبقي هذا الملك بفتحتين فقط يتنفس من خلالهما... وفي اجتماعه مع وزرائه، لاحظ أن وزير المالية يتبادل الضحكات التي يحاول إخفاءها مع وزير الإعلام بعد أن همز الأول همساً للثاني، غضب الملك وتحولت طيبته إلى قسوة، وأصدر أمراً ملكياً بقطع أنوف جميع الوزراء، وفعل ذلك... وبعد مرور شيء من الوقت، طلب رئيس الوزراء اجتماعاً عاجلاً بالملك، ونقل إليه استهزاء الشعب بالوزراء وتبادلهم "النكت"، فقرر الملك أن يصدر أمراً عاجل التنفيذ ببتر أنوف كل من يعيش في مملكته، وما إن يولد طفلاً حتى يطبق عليه هذا القرار، فعاشت الأجيال في المملكة دون أنوف.. ومرت السنون، حتى جاء وفد من مملكة مجاورة لزيارة المملكة التي لا يوجد بها أنف، وما إن وصلوا حتى بدأ الشعب يستهزئ بهذا الوفد، وينغز كل منهم الآخر فينظرون إلى وجوه أعضاء الوفد مستغربين وجود لحمة زائدة تنتصف وجوههم، اعتادوا في مملكتهم ألا يشاهدوها، فأصبح منظر الأنف في عيونهم شيئاً مضحكاً، فانقلبت الصورة في المملكة، وأصبح الصحيح عيباً، والخطأ أمراً طبيعياً يعيشه الشعب برضا تام.

تسللت هذه القصة إلي وأنا أرى نواب الأمة تركوا قاعة البرلمان وفضلوا أن يهاجموا بعضهم تحت قبة "تويتر" في مسرحية هزلية تشاهدها الأجيال منذ الستينيات... حيث اختار أحدهم أن يتقمص شخصية الدكتور "شرقان" وينثر تشخيصات الأمراض النفسية على كل من يخالفه... جميعنا يدرك أن غلاف كتاب "رياض" الصالحين برتقالي اللون، لكننا أيضا نعلم أن صفحاته ليست كغلافه، فمن ولد مبتور الأنف يا دكتور شرقان ليس كمن عاش مرحلة وجود الأنف، وأقسم هو بالله على أن حقيقة وجه الإنسان بوجود تلك الأرنبة التي تغطي الفتحات، وأكمل قسمه بأنه لن يرضى بالفتات.

حين أدركت محظوظة ومبروكة أن الدكتور شرقان بلا رأي ثابت، ومتقلب المزاج، هربتا من المستشفى بحثا عن مكان آخر يليق بهما، فالمصيبة عظيمة إن ظل المجتمع اليوم يحصن هؤلاء، ويخشى انتقادهم، ويسير خلفهم مرددين أن المرحلة بحاجة إلى أن نعترف بأن الله خلقنا دون أنف، فإن ارتضينا ذلك، فسنكون كقوم نوح حين مجّدوا وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً وصنعوا لهم تماثيل وعبدوها من دون الله.. هنا يحق لنا أن نقول: على الدنيا السلام.

back to top