التقلبات الجديدة المثيرة للقلق في أسواق المال

نشر في 05-08-2017
آخر تحديث 05-08-2017 | 00:00
في عالم اليوم تلتقي البنوك المركزية وشريحة المستثمرين في الشعور بالقلق جراء أن الفترة الراهنة للتقلبات المتدنية بصورة حادة لا هي مستدامة ولا هي مرغوبة، غير أن العالم شهد من قبل ثلاث مرات هذا المزيج المتدني من الدخل المحدود وأسعار الصرف الأجنبية وتقلبات الأسهم، وذلك قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية، وفي فترة ما قبل نوبة غضب التخفيف، وفي صيف 2014.
 بروجيكت سنديكيت يقولون في بعض الأوساط المالية العالمية إن مستثمري السندات هم من كوكب المريخ وإن مصرفيي البنوك المركزية من الزهرة، أو هذا ما تشير اليه ردة الفعل السلبية في سوق السندات إزاء التسوية الاستثنائية في السياسة النقدية التي شهدها العقد الماضي، وعلى أي حال فإن أسواق الأصول الخطيرة تتجاهل الأعلام الحمراء المتعلقة بتذبذب أسواق السندات، والسؤال هو: هل هم على حق؟

يظل معدل التضخم اليوم متدنياً في معظم العالم المتقدم ولكن البنوك المركزية الوديعة في دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تتجه نحو العودة عن السياسة النقدية التصالحية التي اتبعتها منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في سنة 2008.

وتفترض البنوك المركزية التي تستهدف التضخم أنه عندما تستقر توقعات التضخم فإن التغيرات في معدلات التضخم تنبع من تغيرات في حجم التباطؤ في الاقتصاد، وعندما يختفي هذا التباطؤ – كما يحدث الآن – ومع بلوغ معدلات البطالة درجة أدنى من المستويات المتوسطة خلال دورة الأعمال فإن معدل التضخم سوف يرتفع في نهاية المطاف.

وكانت هذه البنوك المركزية حافظت على سياسة نقدية فضفاضة لفترة أطول كثيراً مما كان في الماضي بغية مواجهة الرياح المعاكسة للنمو والتضخم الذي أنتجته الأزمة المالية، وعلى الرغم من ذلك فإن تلك البنوك المركزية تعلمت من خلال فقاعات الأصول الماضية أن ترك السياسة النقدية فضفاضة بشكل كبير لفترة طويلة جداً ينطوي على خطر الولوج بقدر أعمق في الأزمة.

وهكذا فإن السؤال هو: هل أن شريحة المستثمرين في أسواق الأصول الخطيرة على حق في الشعور بقدر كبير من الرضا؟ وبالنسبة الى الوقت الراهن لا يوجد جواب محدد وقاطع، ولكن سجلات الفترات الماضية من الهدوء تشير الى أن من الحكمة اجتناب المخاطرة عندما تكون تقلبات السوق متدنية.

ومما لاشك فيه أنه سوف يكون لدى المستثمرين سبب أكبر للقلق اذا كانت هناك مؤشرات أكثر وضوحاً على وجود درجة مفرطة من المخاطرة في الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي لأن فترات طفرة أسعار الأصول التي أبرزتها فقاعات العقار ودوت كوم بين 2000 و 2008 تظهر بشكل نموذجي سياسة نقدية فضفاضة بصورة استثنائية، وتحاول البنوك المركزية الآن توسيع دورة الأعمال عن طريق استبعاد التسويات النقدية بطريقة تدريجية ويمكن التنبؤ بها.

ولكن فقاعات أسعار الأصول تميل أيضاً الى تمثيل ابتكارات جديدة تسهم في جذب الأسواق والبنوك المركزية نحو الاعتقاد بأن هذا الوقت مختلف حقاً. وفي سياق فترة ما بعد الأزمة المالية كان التبرير الأكثر احتمالاً من أجل التقييمات الأعلى لأسعار الأصول هو الهبوط العالمي في سعر "التوفير" أو (المعدل الطبيعي للفائدة) وما يعرف باسم "آر ستار". وإذا نمت أرباح الشركات على شكل أداء من نمو الاتجاه مع بقاء تكلفة التمويل ضمن درجة أدنى من "آر ستار" فإن مضاعف السهم يجب أن يكون أعلى مما كان عليه في الماضي على أساس هيكلي.

ولكن فيما تبدو هذه المجادلة صحيحة اليوم يوجد لدى المستثمرين ما لا يقل عن سببين يدفعان الى القلق، الأول بشأن المدى الذي تدفع فيه الفجوة بين النمو والمعدلات الطبيعية تقييمات الأصول الى الارتفاع، وعليه فإن التغيرات الهامشية في تلك الفجوة يجب أن تفضي الى تغيرات في تلك التقييمات، وإذا كانت البنوك المركزية تغير ببساطة معدلات الفائدة في الأجل القصير، وهي الأداة التقليدية في السياسة النقدية، كما كانت قد فعلت في الماضي فإن هذا سوف يكون سبباً أقل للشعور بالقلق.

أما في الدورة الحالية فقد أصبحت البنوك المركزية أكثر اعتماداً على الأدوات غير المباشرة، أي معدلات الفائدة في الأجل الطويل، وتتكون تأثيرات هذه الأدوات من خلال توقعات المستثمرين وبالتالي فإنها تصبح عرضة لتحولات مفاجئة وحادة. وفي سنة 2013 – على سبيل المثال – كان اقتراح مجلس الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة حول البدء بتخفيف برامجه المتعلقة بالتيسير الكمي قد أثار "نوبة غضب" أفضت إلى تدفق الأموال إلى خارج أسواق السندات.

ويتمثل السبب الرئيسي الثاني للقلق في أن التقييمات الأعلى لا تعني بالضرورة عوائد أعلى، وحتى اذا كانت الفجوة الايجابية بين النمو المحتمل ومعدلات الفائدة الطبيعية تبرر التقييمات الأعلى للأصول فإن النمو المحتمل الأدنى يشير الى عوائد أقل في شتى فئات الأصول. ومع ارتفاع معدلات الفائدة نحو المعدلات الطبيعية فإن الظروف المالية يجب أن تضيق كما يجب أن تهبط تقييمات الأصول التي تنطوي على مخاطر. وتريد البنوك المركزية أن يحدث ذلك بطريقة تدريجية ولكن التاريخ القصير للسياسة النقدية غير التقليدية يشير الى ان اعادة تسعير الأصول يميل الى الحدوث بصورة مفاجئة.

والسؤال هو لماذا اذن يستغل المستثمرون التقلبات الحادة من أجل شراء التأمين الرخيص؟ معروف أن الأسواق لا تتفجر في كل مرة تكون فيها التقلبات متدنية ولكن التقلب كان دائماً متدنياً بشدة عندما تنفجر الأسواق، وتدعو الحاجة بقدر أكبر الى التأمين عندما يصبح التباين حاداً ثم إن تقييمات الأسهم والائتمان ليست رخيصة ولكنها ليست مكلفة أيضاً.

وفي عالم اليوم تلتقي البنوك المركزية وشريحة المستثمرين في ظاهرة مشتركة: كلاهما يشعران بقلق من أن الفترة الراهنة للتقلبات المتدنية بصورة حادة ليست مستدامة ولا مرغوبة، وبعد كل شيء، فإن المزيج المتدني من الدخل المحدود وأسعار الصرف الأجنبية وتقلبات الأسهم قد شهده العالم من قبل ثلاث مرات –قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية، وفي الفترة التي سبقت نوبة غضب التخفيف وفي صيف عام2014.

وباختصار، ليس ثمة شك في أن التقلبات سوف ترتفع في نهاية المطاف إلى مستويات طبيعية، وبالنسبة الى المستثمرين اليوم فإن الدرس واضح: خفض مستوى المجازفة هو المسار الصحيح للتقدم الى الأمام.

أسواق الأصول الخطيرة تتجاهل المؤشرات الحمراء المتعلقة بتذبذب أسواق السندات

البنوك المركزية تعلمت من فقاعات الأصول الماضية أن ترك السياسة النقدية فضفاضة بشكل كبير فترة طويلة ينطوي على خطر الولوج بقدر أعمق في الأزمة

اختفاء تباطؤ الاقتصاد وبلوغ معدلات البطالة درجة أدنى من المستويات المتوسطة يؤديان في نهاية المطاف إلى ارتفاع معدل التضخم
back to top