المخرج اللبناني سمير حبشي: أنتمي إلى السينما الجديّة غير التجارية

نشر في 21-07-2017
آخر تحديث 21-07-2017 | 00:02
سمير حبشي
سمير حبشي
خاض المخرج السينمائي اللبناني سمير حبشي المنافسة الرمضانية هذا العام بمسلسلين دراميين، الجزء الثاني من «وين كنتي» (تأليف كلوديا مرشليان، وإنتاج مروى غروب) الذي حقّق نسبة مشاهدة مرتفعة نظراً إلى طابعه التشويقي، و«ورد جوري» (تأليف كلوديا مرشليان، وإنتاج إيغل فيلمز) الذي ينتمي إلى الأعمال الجديّة.
عن أعماله والدراما المحلية تحدث إلى «الجريدة» في الحوار التالي:

إلام تعزو الجماهيرية التي حققها الجزء الثاني من «وين كنتي»؟

صحيح أن الجزء الثاني استكمال لأحداث الجزء الأول، إلا أنه أكثر تشويقاً، ما جذب المشاهدين الذين تعلّقوا بالأبطال.

انتقد بعضهم قصة «وين كنتي» وعلاقة الحبّ التي تجمع شاباً بزوجة أبيه الشابة، ما رأيك؟

صحيح أن هذه القصة غير نموذجية ونمطية إنما يمكن أن تحدث في المجتمع وإن بنسبة نادرة. تكون القصص غير المتوقعة أحياناً أهم من الواقع بشرط أن تأتي في سياق منطقي. شخصياً، لا أتقبل فكرة أن يُغرم شاب بزوجة أبيه، فهذا أمر غير مقبول أخلاقياً.

استطاع الوالد المتسلّط ذو السلوك السيئ في الماضي أن يكسب تعاطف الجمهور الرافض لعلاقة الحبّ بين الزوجة والابن.

طبعاً، لأن الجمهور رأى فيه الضحية فيما تعاطف بعض الناس مع الزوجة والابن.

كانت لافتة الثنائية التي أداها الممثلان نقولا دانيال وريتا حايك في مشاهد الخطف والتعذيب والانتحار.

تحتاج المشاهد المكتوبة بدقّة وحرفية إلى ممثلين متمرسين بمستوى نقولا دانيال وريتا حايك، فالممثل هو العنصر الأساس في أي نجاح كونه أداة تعبير المخرج. ما من شك في أن ريتا تعبت كثيراً في تصوير هذه المشاهد وكانت منهكة نفسياً وجسدياً بسببها.

هل تشعر برضا كمخرج عندما يتوافر لديك ممثلون قادرون على ترجمة رؤيتك الإخراجية بدقة وحرفية؟

طبعاً. ريتا ونقولا مثلاً من الممثلين المحببين كثيراً لديّ، وهما جديّان في عملهما وملتزمان ومحترفان.

بعض الممثلين يقول إنه لا يرفض عملاً أنت مخرجه، كما أنك حريص على التعاون مع مستوى معيّن من الممثلين. كيف بنيت هذه الثقة المتبادلة؟

أبحث عن الشخص المناسب للدور المناسب بغض النظر عن هوية الممثل، فلا آخذ بعين الاعتبار الصداقة أو المصلحة الشخصية، ذلك أن ثمة شخصيات مكتوبة تحتاج إلى من يؤديها بالشكل الصحيح، وهذه هي قناعتي في العمل. فإذا رأى بعض الممثلين لديّ هذا الأمر فهذا يسرّني جداً. وينطبق مبدئي في العمل أيضاً على الطلاب المتخصصين، فأقوم بالكاستينغ اللازم لكل مسلسل لأمنح الفرصة للشخص المناسب من دون أي اعتبار آخر.

لكنك بذلك تساهم في إطلاق هؤلاء الشباب؟

عندما يشارك شباب موهوبون في عملي سواء في التمثيل أو في التصوير، فإنهم بذلك يدعمون المسلسل ويساهمون في نجاحه، وبالتالي لا يدينون لي بنجاحهم بل على العكس.

«ورد جوري»

لم يخلُ «ورد جوري» من مقومات النجاح سواء لناحية القصة أو مستوى الإخراج وهوية الأبطال، فلماذا لم يحقق الجماهيرية نفسها التي حققها «وين كنتي»؟

فرعي

لا شكّ في أهمية هذا المسلسل في واقعيته وإنتمائه إلى مجتمعنا ومعالجته قصصاً حقيقية، وهو ما يُفترض أن تكون عليه الدراما اللبنانية تقريباً. هو ينتمي إلى المسلسلات الجدية، وهذا النوع الدرامي غير مفضّل كثيراً لدى الجمهور الواسع الذي يميل إلى النوع الأسهل الأكثر تشويقاً.

ألا يؤثر توقيت العرض أيضاً في مدى جماهيرية المسلسل؟

طبعاً. رغم أن المسلسلين عُرضا في التوقيت الأساس، فإن «ورد جوري» تزامن مع وصول الناس إلى منازلهم ومع فترة العشاء، بينما «وين كنتي» عُرض في توقيت لاحق يكونون فيه مرتاحين أكثر.

أدّى مشهد الاغتصاب في المسلسل ممثلون شباب مبتدئون ورغم ذلك كان أداء محترفاً؟

يجب أن تكون العناصر متكاملة بدءاً من الأداء والإخراج وصولاً إلى الإضاءة والتصوير ليكون المشهد منفذّاً كما يجب. صُوّر هذا المشهد بأداء دقيق من الممثلين لإيصال الرسالة المناسبة فلم يكن الهدف استفزاز المشاهد.

وفرة محلية

ثمة وفرة في المسلسلات اللبنانية المحلية هذا العام، هل تطوّر الإنتاج أم لا تزال النوعية متراجعة؟

بعدما كنا نرى مسلسلين محليين يقابلهما عدد من المسلسلات المشتركة، استطاع المسلسل اللبناني إثبات نفسه في الساحة المحلية، لذا قررت المحطات كلها إنتاج أعمال لبنانية، ما ساهم في تطوّر إنتاجنا.

ما سبب تراجع المسلسلات العربية المشتركة في رأيك؟

لأنها غير واقعية وهرطقة لم يعد يتقبلها الجمهور أو يقتنع بها، لذا أفل نجمها وغابت عن شاشاتنا.

كيف تحقق هذا التقدّم اللبناني في مقابل تراجع شراء المسلسلات العربية من محطاتنا؟

إنه نابع من الإصرار وتطوير النوعية، ففرضت الدراما المحلية نفسها من خلال جديّتها والسعي الدائم والمتواصل إلى التحسّن والتطوّر لتحقيق الهدف.

تنوّعت القصص المطروحة ما بين التأليف والاقتباس والنسخ، ما رأيك؟

أنا من أنصار القصص التي تشبهنا، فلا أحبّ الاقتباس من المسلسلات أو القصص أو الأفلام الأجنبية والتركية والمكسيكية.

لدينا ما يكفي من القصص في مجتمعنا تصلح لبناء درامي فلمَ الاقتباس في رأيك؟

لا نزال نعيش في العالم الثالث، لذا نحتاج إلى مزيد من النضج. تظنّ المحطات، والمنتجون أحياناً، أنه يسهل استنساخ مسلسل تركي أو مكسيكي ناجح بكلفة أقل من شراء نص مبتكر.

ولكن حققت مسلسلات من هذا النوع نسبة مشاهدة مرتفعة؟

نسبة المشاهدة المرتفعة ليست معياراً لنجاح هذه المسلسلات التي شاهدناها في العامين المنصرمين، لأن الجمهور يتابع أحياناً بهدف الفضول أو التسلية بالاستهزاء ممّا يراه، أو لأنه لم يتوافر مسلسل آخر تزامناً معه.

ألا يقاس التطوّر الفنيّ في البلد بنوعية النصوص وفحوى المواضيع المطروحة؟

يبدأ التطوّر بالإنتاج مروراً بالمحطات فالجمهور، وهذه العناصر كلها تؤثر في نوعية الدراما. عندما يتابع الجمهور المسلسلين الجيد والسيئ في آن، عندها ستبحث المحطات عن المسلسل الأرخص إنتاجاً. للأسف، يغيب مبدأ المحاسبة سواء في الفنّ أو السياسة وما دام الجمهور اللبناني يرضخ ولا يحاسب فلا يمكن أن يتحقق التطوّر في البلد.

رغم تخصصك في روسيا واطلاعك على الثقافات الأجنبية والطبيعة هناك، فإنك لم تتخل عن تعلقك بلبنان وذلك واضح في أعمالك، ما السبب؟

أعلم أن لبنان ليس أجمل أو أفضل بلد في العالم وفيه مشكلات كثيرة وظروف سيئة، لكنه في النهاية وطني، فهل يتخلى الإنسان عن والديه في حال لم يكونا صالحين؟ تعلقي بلبنان أمر بديهي. حتى أنني لا أفهم كيف يمكن ألا يتعلّق إنسان ببيئته وأرضه ووطنه!

خيال وواقع

تأتي من بيئة ريفية تغذي الخيال، لكنك واقعي جداً في أعمالك؟

إن لم يُسخّر الخيال لخدمة الواقع يكون هلوسة، من هنا يجب ترويضه. يبقى الخيال هرطقة لأن الواقع أغنى منه، فالشخصيات المكتوبة مثلاً نصيّرها كما نريد في الدراما.

إنما ثمة أعمال فنية لا تحاكي الواقع بل الخيال؟

لا أؤمن بدراما أو سينما لا تنتميان إلى البيئة والعصر، إذ إن السينمائي أو المؤلف أو المخرج ابن عصره وبيئته بشرط أن يكون صادقاً أو حقيقياً. من ينجح بمسلسل أو فيلم لا ينتمي إلى عصره ولا يعالج مشاكل حقيقية، يبقى من دون قيمة فنية كونه عاجلاً أو آجلاً سيسقط في غياهب النسيان.

نفّذ مخرجون سوريون مسلسلات لبنانية محلية، فكيف يمكنهم تصوير بيئة ومجتمع لا ينتمون إليهما؟

لا اختلاف ثقافياً كبيراً بين سورية ولبنان لأن البيئتين متشابهتان تقريباً، كذلك لا أظنّ أن ثمة مشكلات تحصل في المجتمعين اللبناني والسوري لا يشعر الآخر بها أو يتأثر.

لكل مخرج رؤيته الإخراجية وإيقاعه الخاص في تسيير المسلسل، فهل تفسح في المجال أمام إبداء المؤلف أو الممثلين الرأي في العمل؟

أصغي إلى اقتراحات أي شخص من فريق العمل، فإذا كانت جيدة آخذ بها، علماً بأن المخرج يتحمّل مسؤولية التفاصيل كافة لأنه قبل بها في الأساس.

ما المشاريع المقبلة؟

أقرأ مسلسلاً درامياً، فضلاً عن مشروع سينمائي يحتاج إلى إنتاج ضخم، لذا أرى صعوبة في تنفيذه.

غياب وسينما

حول أسباب الغياب عن السينما رغم أنه أول من قدّم فيلماً لبنانياً بعد انتهاء الحرب في لبنان، يقول سمير حبشي: «لا أنتمي إلى السينما التجارية بل إلى الجديّة التي يحاكي موضوعها الناس. شباك التذاكر في لبنان لا يغطي تكاليف الإنتاج السينمائي، لذا تنتج الشركات أفلاماً سهلة بتقنيات مقبولة، فنرى فيلماً جدياً يقابله عدد من الأفلام التجارية. فيما تحتاج السينما التي أنتمي إليها إلى دعم خارجي أوروبي أو مصري مثلما تعاونت سابقاً مع المنتج يوسف شاهين لإنتاج فيلمي الخاص، لا سيما أن صندوق الدعم الذي تطالب به النقابة في لبنان لم يتحقق بعد».

أما حول الوفرة الإنتاجية السينمائية في لبنان وإن كانت ذات نوعية، فيوضح: «سهّل توافر التقنيات عملية إنتاج الفيلم السينمائي إنما لا تزال النوعية رديئة».

لا أؤمن بدراما أو سينما لا تنتميان إلى البيئة والعصر

إن لم يُسخّر الخيال لخدمة الواقع فهو هلوسة
back to top