القيادة الصينية ليست عالمية

نشر في 20-07-2017
آخر تحديث 20-07-2017 | 00:05
 ريل كلير أثار بروز الصين المتواصل على المسرح العالمي خلال العقود الأربعة الماضية الكثير من الأسئلة حول طموحاتها ودوافعها؛ ففي السنوات الأخيرة، اعتبرت الولايات المتحدة توسع نفوذ الصين فرصة، فسعت واشنطن إلى التعاون مع بكين في معالجة التحديات الأمنية الإقليمية، مثل كوريا الشمالية، وفي المبادرات الدبلوماسية الأشمل، مثل المعركة ضد التغير المناخي. لكن أمل أن تؤدي الصين دوراً أكبر في التصدي للتحديات العالمية سيقود إلى خيبة كبيرة على الأرجح، إذ تصب الصين كل اهتمامها على الأولويات المحلية ومشاكل التنمية الاقتصادية، فضلاً عن أن بكين ليست مستعدة ولا راغبة في حمل أعباء سياسة خارجية ناشطة.

رغم النمو الكبير المستدام الذي حققته الصين خلال العقود القليلة السابقة، لا تزال تُصنَّف دولة متوسطة الدخل للفرد، كذلك تعتقد القيادة الصينية أنها متأخرة كثيراً عن العالم المتطور في تلبية حاجات شعبها، لذلك تفضّل بكين سياسة خارجية قليلة الكلفة نسبياً تؤدي إلى فوائد اقتصادية لمواطنيها ولا تحوّل الموارد عن الأولويات المحلية.

طغى هدف إخراج مئات ملايين المواطنين الصينيين في الريف من الفقر، الذي لا يزال ملحّاً، على حواراتي مع المسؤولين الصينيين خلال لقاءاتي بهم، فقد قال الدكتور يانغ جيينميان، الرئيس الفخري لمعهد شنغهاي للدراسات الدولية: "نملك الكثير من المناطق المتخلفة الفقيرة، ولا يمثل وسط مدن بكين، أو شنغهاي، أو تشنغدو الصين الفعلية، مهما كبرت ثروات الصينيين، فإنها تصبح ضئيلة عندما توزعها على 1.4 مليار نسمة، ومهما كانت المشاكل بسيطة، فاضربها بـ1.4 مليار فتصبح مهولة".

نتيجة لذلك، استثمرت الصين بوفرة في المبادرات الداخلية: البنى التحتية لتربط بين ولاياتها المتباعدة، كما اهتمت بالإسكان لإيواء مواطنيها، والأبحاث والتنمية لتدفع باقتصادها قدماً في سلسلة القيمة.

علاوة على ذلك، يشير د. يو هاي، مدير مركز أبحاث السياسة للبيئة والاقتصاد: "لا تضطلع الصين بدور القائد في مسألة التغير المناخي، ولا تناقشها خلال المفاوضات والمحادثات المتعددة الأطراف في مجال البيئة، وفي مفاوضات التغير المناخي، تعتقد الصين أن على الدول المتطورة لا النامية أن تتولى القيادة". وأضاف يانغ: "لا تملك الصين النية أو القدرة لقيادة العالم، صحيح أن إجمالي ناتجنا المحلي قد يكون مشابهاً للولايات المتحدة إلى حد ما، ولكن بالنسبة إلى القوة الفعلية، مازلنا بحاجة إلى 100 سنة أو أكثر لنصل إلى مستواها"، وعلى نحو مماثل، يؤكد شين يامي، نائب مدير المعهد الصيني للدراسات الدولية أن "الصين لاتزال دولة إقليمية وفق تقييمنا".

أدى هذا الإحساس بأن الصين مازال أمامها الكثير من النمو لتحققه إلى سياسة خارجية حذرة تتفادى المخاطر وتتردد في الاضطلاع بأعباء خارجية.

عند السؤال عما إذا كانت الصين قد تقرر التدخل خارج منطقتها لمعالجة أزمة كبيرة، أجاب كونغ سونغ، نائب المدير العام لمنطقة أميركا الشمالية في وزارة الخارجية بأنها لن تفكّر في خطوة مماثلة إلا إذا حظي التدخل بموافقة مجلس الأمن في الأمم المتحدة وشاركتها فيه وقادته قوى أخرى. وحتى المساعدة الخارجية الصينية، التي يدرك الجميع أنها لا تفرض أي التزامات سياسية على الحكومات المتلقية، توزَّع عبر وزارة التجارة لا وزارة الخارجية، ونتيجة لذلك، تحتل الأهداف السياسية مرتبة ثانية أمام الاعتبارات الاقتصادية عند اختيار المشاريع للحصول على تمويل.

لا شك في أن الصين تطمح إلى لعب دور أكبر في العالم يتلاءم مع حجمها، واقتصادها، وواقع "أن الصين كانت دولة عظيمة في العالم خلال الجزء الأكبر من التاريخ المتحضر"، حسبما ذكر كونغ، لكنها تكتفي اليوم بالاهتمام بحاجاتها الخاصة، تماماً مثل الولايات المتحدة خلال نشأتها في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. وبتحويلها تركيزها إلى النمو المحلي، والتنمية، ومحاربة الفقر، تترك الصين لآخرين مهمة معالجة التحديات العالمية الأكبر، ويبدو أن إستراتيجيتها هذه تحقق النجاح في الوقت الراهن على الأقل.

* إينيا غيوزا

* «ريال كلير وورلد»

back to top