السنعوسي وتاريخ تلفزيون الكويت 1

نشر في 17-07-2017
آخر تحديث 17-07-2017 | 00:00
 فوزية شويش السالم "السنعوسي... تلفزيون الكويت تاريخ وحكايات 1985-19٦١" عنوان لكتاب ضخم من القطع الكبير، بعدد 430 صفحة، ولو طبع بمقاس الكتب لربما تجاوزت عدد صفحاته الـ1000، أهداه لي محمد السنعوسي في حفل توقيع كتابه أكتوبر الماضي، وكتبت يومها مقالا عن هذا الحفل الناجح، وأشرت فيه إلى قراءة مستقبلية للكتاب.

بصراحة سعدت جدا بقراءته، وانبهرت بكمية المعلومات المهمة المرتبطة بنشأة تلفزيون الكويت ونهضة دولة الكويت بشكل عام، وبكل من عمل فيه بذاك الوقت، أي ما يقارب 24 سنة، كان فيها تلفزيون الكويت تحت إدارة محمد السنعوسي، ورغم معاصرتنا لبداية التلفزيون الكويتي الذي افتتح بعد سنة من التلفزيون المصري، فإن لا أحد يعلم كمية الصعوبات التي رافقته، كنا نشاهده ونفرح ونسعد بهذا التلفزيون الذي دخل حياتنا، ولم نكن نعلم أي شيء عن المتاعب خلف كواليسه التي لم تكن سهلة أبدا، بل كانت في غاية الارتباك الأقرب إلى البدائية والهرجلة وعشوائية البدايات، واستغربت جدا من هذه البداية الخالية من أي إعداد واستعداد وتخطيط من قبل دولة غنية قادرة على استيراد الخبرة والمعدات والاستوديوهات من الدول الأوروبية أو أميركا ذات المعرفة المتطورة السابقة على تجربتنا مع البث التلفزيوني.

سأستعرض أهم المعلومات التي استوقفتني بهذا الكتاب التوثيقي المهم لكل من يريد معرفة كيفية نشأة تلفزيون الكويت، ومعلومات كثيرة لا تحصر تخص العاملين به الذين باتوا روادا للإعلام الكويتي.

ولنبدأ بمحمد السنعوسي "أبو طارق" الشخصية القيادية المبهرة الذي لا تثني عزيمة إرادته المعوقات ولا خوازيق خفافيش الظلام، رجل يمتلك رؤية مستقبلية منفتحة جديدة وسابقة لأوانها، توقفت كثيرا لفهم وتحليل شخصيته المركبة من عدة شخصيات تضافرت لتصنع هذا الرجل المغامر والمبادر والرائد، البسيط والواضح، اجتمعت به صفات التقني والفنان المخرج مع الإداري الناجح بكل موقع تولاه، وهذا أغرب ما يكون أن ينجح الفنان في الإدارات المهنية، لكن السنعوسي استطاع الجمع بينها بكل جدارة.

كنت مثلي مثل الآخرين من مشاهدي التلفزيون نتابع البرامج الناجحة دون معرفة من هو وراء قيامها، إلى أن قرأت هذا الكتاب واكتشفت كل ما مر بتاريخ تلفزيون الكويت من أعمال متميزة تركت بصمة وعلامة في وجدان الناس خلال الـ24 سنة من 1961 إلى 1985، كانت من إخراج السنعوسي أو هو وراء قيامها.

كان يدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية حين تم اختياره لتأسيس تلفزيون الكويت والعمل فيه، فقطع دراسته وعاد إلى الكويت، وهذا مقتطف من كتابه: "أول تعارف صادم، مازلت أتذكر ذلك اليوم الذي تعرفت فيه إلى التلفزيون وكتيبته المحدودة، كان ذلك مطلع نوفمبر 1961 حينما وجهت سيارتي نحو منطقة بنيد القار، وما إن بلغت شارع دسمان وقصر أمير البلاد حتى سلكت زقاقا صغيرا محدودا بين السور الطيني لقصر دسمان ورمل البحر، وتوقفت سيارتي أمام باب حديدي يتقاطع مع سور من الشبك الحديدي، ما إن تجاوزته حتى وجدت نفسي أمام "شبرة" كبيرة تقع في محيط لا يتجاوز 250 مترا مربعا، إذا ما يطلق عليه مبنى تلفزيون الكويت إنما مجرد "شبرة" تقع على تلك البقعة المملوكة لقصر دسمان، وولجت إلى غرفة صغيرة تدعى بتعالٍ كاذب، أنها استديو تلفزيوني، وخلف ستارة انحشرت كشافات إضاءة مع كاميرتين كبيرتي الحجم بقواعد مع ميكروفونات، هكذا وجدت نفسي سجين غرفة كئيبة تشوهها كميات كبيرة من الكيبلات والأسلاك بينما تتوزع في سقفها الأضواء بشكل ارتجالي، بعدها اكتشفت أنه لا توجد خريطة للبث، فهي عملية تنحاز بالأكثر إلى مصطلح العفوية أو الارتجالية إن جاز التعبير، كانت هذه الزيارة كافية ليسري الإحباط في شرايين أحلامي، ليس بسبب فقر التجهيزات الفنية، بل أيضا لعدم وجود سياسة واضحة للعمل، فتشككت في سلامة قراري بالعودة من القاهرة والتخلي عن الدراسة".

ثم بدأت مراحل التكيف وبدايات التأقلم مع العمل وهذا مقتطف: "وفي أحد الأيام وجدت نفسي أثقل على سيارتي بخيمتين وأزرعهما فوق الرمال، داخل واحدة منهما وضعت مكتباً وكرسياً لتدور عجلة العمل، ولم أجد أي غضاضة في أن أقوم بتنظيف الموقع وحمل المخلفات، وأحضرت من بيت العائلة ما تمكنت من مستعملات الإكسسوار والأثاث".

back to top