الناقد المحترم!

نشر في 12-07-2017
آخر تحديث 12-07-2017 | 00:00
 طالب الرفاعي النقد ممارسة إنسانية اجتماعية تولد في أي مجتمع، حاملة في جيناتها الشيء الكثير، من تفكير ومسلك وحياة ذلك المجتمع. لذا، فهي متباينة من مجتمع إلى آخر، ولا يحتاج الأمر لأكثر من مقارنة بسيطة بين طريقة الحوار وإيماءات الجسد والكلمات التي يخاطب بها الرجل الياباني زوجته أو رئيسه في العمل، والأمر نفسه مع الرجل الأميركي أو الهندي أو العربي.

من هنا، فإن النقد الأدبي هو بالضرورة جزء حي ونابض من الممارسة النقدية الاجتماعية، لكنه، وكأي علم، يخضع لمعرفة متخصصة تأتي عبر الدراسة والخبرة.

"إذا ابتليتم فاستتروا"، مقولة تظلل في سحابتها الرمادية عموم سماءات أوطاننا العربية. فالستر أمر مطلوب، وطوبى لمن ستر مسلماً، ومن فضح أخاه سلّط الله عليه من يفضح سوءته. والأمر، للأسف، منسحب بشكل أو بآخر على النقد الأدبي، أو ما يُسمى نقداً.

في ظل وسائط الاتصال المبذولة، ما عاد صعباً التعرف على أي ناقد، إن من خلال فكره ومفردته وصياغة جملته، أو من خلال الفكرة الأساس التي يقدم فيها رأيه حيال أي كتاب أو قضية نقدية. وكثرٌ أولئك الذي يسمون أنفسهم بالنقاد، وليس لهم من النقد أي شيء.

إن الممارسة النقدية الصحيحة، هي مسلك إنساني يتطلب بالضرورة جرأة قول كلمة الحق، بناءً على معرفة علمية/أدبية نقدية. ولأنها كذلك، فإن الضريبة المترتبة عليها عالية، وقد تكون مؤذية لشخص الناقد، وخاصة مع طبيعة اللحظة التي تمر بها المجتمعات الإنسانية، التي تجسد المعنى الحرفي لعبارة "القرية الكونية".

الناقد الأدبي الحقيقي، وأينما كان، منذور للجهد والمتابعة الدقيقة على مستوى تطوير أدواته النقدية، واطلاعه المستمر على جديد النظرية النقدية العالمية، وهو مطالب كذلك بمتابعة الجديد من الإصدارات، على الأقل في باب تخصصه. وكم يبدو هذا قاصماً للظهر!

النفاق سلعة رائجة في سوق الأدب والفن. والمنافق حاضرٌ كأجمل ما يكون الحضور في أي مناسبة. وأمام الناقد "المحترم" ثلاثة خيارات: إما أن يقاطع الزيف والمزيفين ويعيش ما يشبه عزلة الناسك، وإما أن يرمي بقناعته الحقيقية واحترامه لنفسه خلف ظهره ويصاحب الجوقة ويدخل دائرة الرضا والقبول وما يترتب عليهما، وإما أن يكون نفسه، ويقول كلمته الصادقة والعارية، ولحظتها عليه أن يتحمل كل ما يترتب على صدقه واحترامه لنفسه.

الكاتب الفلاني أصدر رواية، رواية تبزّ "الصخب والعنف" في استخدام تيار الوعي، وتتجاوز "الجريمة العقاب" في عمق معرفتها بدواخل النفس البشرية. لذا، يتسابق الأصدقاء و"الربع"، عبر مواقع الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي، وأعمدة الصحافة، يتسابقون على تلقّف الرواية والإشادة بها والكتابة عنها وتسويقها، وخاصة أن الناشر جهز الطبعة الأولى والثانية والثالثة والربعة وحتى الخامسة، فكل طبعة لا تتجاوز الـ100 نسخة. وسيكون نشازاً مرفوضاً مَنْ يشير إلى تفاهة الرواية وعجزها عن تحقيق الشروط الأساسية للكتابة الروائية.

سوق النقد العربي بات مفروزاً، فهناك النقاد الذين يتخذون من النقد مسلكاً وحياة، ويتحملون ما يترتب على خيارهم الحقيقي والصعب. هم يكتبون كلمتهم الطلقة دون أي اعتبار إلا لصدق قناعاتهم النقدية حيال العمل. هؤلاء قلة، لكن ليس صعباً التعرف عليهم، في المسلك الشخصي، وفي المفردة وصياغة الجملة، وخلاصة التحليل النقدي لما يكتبون. ومؤكد هناك الفريق الآخر... الآخر الطيب، الآخر المبتسم، الآخر المتسامح، الآخر المتواضع، الآخر الذين يؤمن ويشجع الشباب، الآخر الذي لا يجد غضاضة في أن يصف أي عمل متواضع بقوله: "عمل رائع".

النقد مسلك حياة، والكتابة النقدية أمانة، ولأننا نعيش في زمن صعب، زمن بوجوه مزيفة، فلا شيء يعرّي هذا الزمن بقدر الكتابة النقدية الجادة والمسلك النقدي المحترم.

back to top