إذا كانت روسيا تريد المعمعة السورية فلها ما تشاء

نشر في 29-06-2017
آخر تحديث 29-06-2017 | 00:08
 ذي ناشيونال تواصل العلاقات بين موسكو وواشنطن ترديها في قضايا عدة، بخلاف توقعات الأميركيين الذين يفضلون سياسة أكثر ميلاً إلى المصالحة في التعاطي مع روسيا (وبخلاف مخاوف مَن يعتقدون أن من الضروري تبني موقف المواجهة)، لم تزدد العلاقات الثنائية، التي فترت خلال عهد أوباما، دفئاً مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض.

نشهد اليوم سياستين متنافستين بشأن الحرب الأهلية الدموية في سورية، فتبدو أجندة موسكو واضحة ومباشرة، وإن كانت قاسية وباردة إلى حد ما، وقد أكّد قرار إرسال القوات الروسية للمشاركة في هذا الصراع تصميماً على دعم حكومة الأسد، فالروس يخشون خطرَين إذا سقط عميلهم من السلطة: الأول أن تتحول واشنطن إلى اللاعب الخارجي الأبرز في سورية وتعمل على القضاء على النفوذ الروسي هناك وفي مختلف أرجاء الشرق الأوسط. والثاني، وهو محق بالتأكيد، أن تسيطر عناصر إسلامية متطرفة على الحكومة بعد الأسد، ولا شك أن تطوراً مماثلاً قد يعزز الخطر الإرهابي العام ويقوّي الفصائل الإسلامية المعادية في الجوار الروسي (وخصوصاً القوقاز ووسط آسيا) وحتى في روسيا نفسها.

يبدو القادة الأميركيون، إذا استعملنا عبارات ملطفة، غير مبالين بمخاوف موسكو، صحيح أن السياسة الروسية في سورية مباشرة ومتماسكة، إلا أن السياسة الأميركية تشكّل معمعة متناقضة وغير متجانسة.

تقف روسيا مذهولة أمام تقرّب الولايات المتحدة من فصائل بعيدة كل البعد عن الاعتدال والعلمانية، وتشمل هذه الفصائل جبهة النصرة، التي كانت سابقاً فرع تنظيم القاعدة في سورية، فقد دعا مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابق ديفيد بتريوس علانية إلى تعاون الجيش الأميركي مع تلك المجموعة. علاوة على ذلك يعرب عدد من مجموعات الثوار المتحالفة مع الولايات المتحدة بحكم الواقع عن إشارات عدة تؤكد أنهم إسلاميون لا معتدلون، حتى وفق التعريف الأوسع لهذا المصطلح الأخير. بلغ غضب موسكو مستوى جديداً في الأسابيع القليلة الماضية مع شن الولايات المتحدة غارات جوية ضد ميليشيات متحالفة مع نظام الأسد في جنوب شرق سورية، فقد أكّدت روسيا أن تلك القوات كانت تحارب "داعش" وفصائل مجاهدة أخرى، وأن أعمال واشنطن تخدم مصالح الإرهابيين الإسلاميين.

على الكرملين والبيت الأبيض أن يقدِما على خطوات جدية لنزع فتيل التوتر قبل وقوع صدام كارثي محتمل بين القوات الروسية والأميركية في سورية، وينبغي للولايات المتحدة أن تقوم بالعدد الأكبر من التغييرات.

ويلزم أن تتقبل الولايات المتحدة الرأي الروسي في السياسة السورية، إذ تملك موسكو مصالح أمنية أهم بكثير في سورية خصوصاً والشرق الأوسط عموماً، والتي تقع على بعد نحو 965 كيلومتراً عن الحدود الروسية، في حين تبعد عن الولايات المتحدة نحو 9656 كيلومتراً. وبالرجوع إلى روسيا تلقي واشنطن أيضاً المسؤولية والمخاطر على كاهل الكرملين.

نشك في أن تنجح أي قوة خارجية في إنهاء القتال في سورية، فما بالك بإعادة بناء دولة مستقرة وموحدة؟ لم يؤدِّ تدخل مماثل إلا إلى المزيد من الكره والرد الإرهابي، لذلك من الأفضل أن نترك روسيا تواجه المخاطر وتعاني العواقب السلبية المترتبة على هذا التدخل الجيوسياسي، مجنبين بالتالي الولايات المتحدة أمراً مماثلاً. قد تتحول سورية إلى "أفغانستان" ثانية لروسيا، ولا شك أن هذه نتيجة مأساوية، إلا أنها أفضل من أن تتحول سورية إلى "فيتنام" أو "عراق" ثان للولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك لا تستحق مواصلة التدخل الأميركي في سورية إشعال حرب باردة جديدة مع روسيا أو حتى حرب ساخنة، ورغم ذلك هذا هو الدرب المخفوف بالمخاطر الذي تسلكه أمتنا.

* تيد غالين كاربنتر

* «ذي ناشيونال»

back to top