الإرهاب المتجول... والدرس الجزائري

نشر في 25-06-2017
آخر تحديث 25-06-2017 | 00:10
يجب أن تطور الدول العربية آليات تعاون استخباراتي فعالة لاحتواء خطر الإرهاب المتجول، عبر استخلاص العبر من الدرس الجزائري.
 ياسر عبد العزيز في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، ظهرت على السطح فجأة عبارة "جماعة الأفغان"؛ وهي عبارة استخدمتها وكالات الأنباء العالمية وبعض كبريات الصحف في وصف مجموعة من الشباب الجزائريين الذين عادوا من أفغانستان، بعدما انخرطوا في معارك وتدريبات عسكرية، ليقاتلوا في بلادهم، ويشنوا مجموعة من الهجمات الإرهابية.

فقدت الجزائر نحو 200 ألف من أبنائها في نزاع دام عُرف لاحقاً باسم "العشرية السوداء"، إذ استمرت المذابح وعمليات القتال نحو عشر سنوات، رهنت مستقبل البلاد وقوضت أمنها تحت إيقاع عنف مجنون.

كان الصراع قد اندلع في ديسمبر من عام 1991، عندما استطاعت "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" هزيمة "جبهة التحرير الوطني" (الحزب الحاكم آنذاك) في الانتخابات البرلمانية الوطنية.

لكن الانتخابات ألغيت بعد الجولة الأولى، وتدخل الجيش للسيطرة على البلاد، وتم حظر "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" واعتقل الآلاف من أعضائها، وشنت الجماعات الإسلامية حملة ضد الحكومة ومؤيديها، وقامت بإنشاء جماعات مسلحة اتخذت من الجبال قاعدة لها، وبحلول عام 1994 كانت الحرب قد وصلت إلى أوج شدتها.

سعت أطراف عديدة إلى إيجاد حل سلمي عبر التفاوض، لكن المحادثات فشلت في تطويق الأزمة وصنع السلم، بعدما رفض الطرفان تقديم تنازلات جوهرية، وتم إجراء انتخابات رئاسية، فاز بها مرشح الجيش الجنرال اليمين زروال.

وردت "الجماعة الإسلامية" المسلحة بسلسلة من مذابح استهدفت أحياء أو قرى بأكملها، وهي المذابح التي بلغت ذروتها في عام 1997.

وتسببت المجازر وارتفاع عدد الضحايا في إجبار كلا الجانبين على وقف إطلاق النار، وفي هذه الأثناء فاز الطرف المؤيد للجيش بالانتخابات البرلمانية.

في عام 1999، تم انتخاب رئيس جديد للبلاد، وبدأ عدد كبير من المقاتلين الانسحاب والاستفادة من قانون العفو الجديد، وبدأت الجماعات تنحل وتختفي جزئيا، وبحلول عام 2002 توقفت عمليات القتال، باستثناء مجموعة منشقة تسمى "الجماعة السلفية للدعوة والقتال"، والتي انضمت لاحقاً إلى تنظيم القاعدة في أكتوبر 2003.

يدرك الباحثون المتخصصون في شؤون الإرهاب أن المأساة التي شهدتها الجزائر خلال فترة "العشرية السوداء" لم تكن لتحدث لولا طاقة العنف التي تفجرت على أيدي الإرهابيين الجزائرين الذين عادوا من أفغانستان.

سافر الشبان الجزائريون المتأثرون بالمنهج السلفي إلى أفغانستان، ليقاتلوا "العدو السوفياتي الملحد" كما تم وصفه في تلك الأثناء، بعدما أقنعتهم الدعاية الدينية المتحالفة مع الولايات المتحدة الأميركية وبعض الأنظمة العربية بذلك، آنذاك.

وعاد بعض هؤلاء الشبان، أو معظمهم، إلى بلادهم، بعدما تلقوا تدريبات عسكرية رفيعة، وانخرطوا في معارك طاحنة، واحتل بعضهم مناصب قيادية، وزادت قدرات الحشد والتعبئة والتجنيد لديهم.

لم تكن معظم الدول العربية التي ذهب بعض مواطنيها إلى "الجهاد" في أفغانستان تمتلك سياسات واضحة لاحتواء "العائدين"، ولذلك، فقد كانت بعض الممارسات التي خضع لها هؤلاء العائدون سبباً في اتجاههم إلى ممارسة العنف المسلح في بلادهم.

عانت دول عربية عديدة هجمات إرهابية شنها العائدون من أفغانستان، خصوصاً أنهم كانوا غير قادرين على الاندماج في المجتمع، وراغبين في استثمار معارفهم القتالية التي اكتسبوها خلال سنوات القتال ضد الجيش السوفياتي في الجبال الوعرة.

كلما أحرز النظام السوري تقدماً في الحرب ضد "داعش" وبعض الجماعات "الجهادية" الأخرى؛ مثل "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" و"جيش الفتح"، فر مقاتلون من تلك التنظيمات إلى مناطق أخرى بحثاً عن الأمن أو من أجل ممارسة أنشطتهم الإرهابية.

وبسبب نجاح الحكومة العراقية، والميليشيات الكردية، وبعض الميليشيات الشيعية، في دحر مقاتلي "داعش" في الأراضي التي كانوا يسيطرون عليها في العراق، راح بعض هؤلاء المقاتلين يبحثون عن ملاذات آمنة أو مناطق جديدة يمكن أن يشنوا فيها هجماتهم.

لقد رصدت مراكز بحوث عالمية توجه مقاتلين عائدين من الأراضي التي يسيطر عليها "داعش" في سورية والعراق إلى مناطق جديدة في إفريقيا، ليستهدفوا دولاً مثل ليبيا وتونس والجزائر ومصر.

وتقدر بعض تلك المراكز البحثية نسبة الإرهابيين "الجائلين" الذين خرجوا من مناطق سيطرة "داعش" إلى دول أخرى في المنطقة بنحو 30% من إجمالي أعداد المقاتلين الهاربين من تلك المناطق.

تقع مصر في بؤرة المخاطر التي يمكن أن يسببها تفاقم ظاهرة "الإرهابيين الجائلين"، خصوصاً إذا تضافرت جهود هؤلاء مع زملائهم "العائدين" إلى مصر من المصريين محترفي القتال.

في معظم العمليات الإرهابية التي تعرضت لها مصر في السنوات الست الأخيرة كان من السهل جداً إيجاد مكون خارجي (سوري أو ليبي أو فلسطيني) في مسار التحقيقات. ينشط "داعش" في سيناء اعتماداً على قدرات محلية وقدرات العائدين و"الجائلين" في آن واحد؛ وهو أمر تشير إليه بوضوح التحقيقات والتقارير التي تُنشر بخصوص تطورات الأوضاع الأمنية في شبه الجزيرة. وعندما وقع حادث المنيا الإرهابي الأخير الذي استهدف مسيحيين مصريين كانوا في طريقهم لزيارة أحد الأديرة، اضطرت القوات المسلحة المصرية إلى قصف مناطق في ليبيا لمعاقبة من قالت إنهم "منظمو الهجوم وداعمو المهاجمين".

يجب أن ندرس تجربة الجزائر جيداً، كما يجب أيضاً أن نستخلص العبر من تجاربنا السابقة في قضايا "العائدين من أفغانستان" و"العائدين من ألبانيا"، وغيرها.

من الضروري أيضاً أن نستفيد من تجارب "الاستيعاب والدمج" التي قامت بها بعض الدول الأوروبية، والتجارب التي قامت بها بعض الدول العربية تحت أسماء مختلفة تبدأ من "المصالحة" وتنتهي بـ"الاستتابة".

تطاول مخاطر الإرهابيين الجائلين دولا عربية عدة، بدءاً من سورية التي يقاتل في أراضيها آلاف منهم، مروراً بالعراق، وصولاً إلى اليمن، الذي قال رئيسه عبد ربه منصور هادي في عام 2014 إن 80% من مقاتلي القاعدة في بلاده من الأجانب.

وكما ينشط الإرهابيون المتجولون في سيناء وصحراء مصر الغربية، فإن نشاطهم يزدهر في ليبيا، ويصل إلى تونس، ومنها إلى عدد من الدول الإفريقية.

يجب أن تطور الدول العربية آليات تعاون استخباراتي فعالة لاحتواء خطر الإرهاب المتجول، عبر استخلاص العبر من الدرس الجزائري.

* كاتب مصري

دول عربية عديدة عانت هجمات إرهابية شنها العائدون من أفغانستان

مصر تقع في بؤرة المخاطر التي يمكن أن يسببها تفاقم ظاهرة «الإرهابيين الجائلين»
back to top