استراتيجية الخروج البريطاني لحكومة المملكة المتحدة الضعيفة

نشر في 20-06-2017
آخر تحديث 20-06-2017 | 00:10
دعت تيريزا ماي إلى الانتخابات الأخيرة لأنها كانت تريد تفويضا أقوى للخروج بصفقة جيدة لمصلحة بلدها، ولكنها لم تنل مرادها، والآن يتطلب تأمين الاتفاق التحول إلى استراتيجية تعاونية ذات منظور منفتح على الخارج، واستراتيجية تفاوض واقعية أكثر من أي وقت مضى.
 بروجيكت سنديكيت بينما تسعى رئيسة الوزراء تيريزا ماي إلى تشكيل حكومة جديدة، في أعقاب الانتخابات التي خسر فيها حزبها (حزب المحافظين) أغلبيته البرلمانية، فإنها تعلم أنها ستضطر أيضا في غضون أيام إلى الخوض في العناصر الرئيسة للتفاوض على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كانت التحضيرات لمفاوضات الخروج البريطاني جارية لبعض الوقت، ولكنها لم تسلم من العراقيل حتى الآن بفِعل ثلاثة أخطاء تفاوضية أولية، ومن الواجب عليها الآن أن تتعامل مع حقيقة مفادها أن تفويض الحكومة البريطانية الذي يخولها التصرف تضرر بشدة.

كان الخطأ الكلاسيكي الأول الذي ارتُكِب حتى الآن هو أن حكومة المملكة المتحدة تخيلت أنها تتوجه إلى معركة، ووفقا لوجهة النظر هذه، يتعين على المفاوضين أن يحجبوا خططهم أو نواياهم الحقيقية، في حين يعملوا في سبيل الاستيلاء على مركز مهيمن، والإجهاز على خصومهم في نهاية المطاف، وفي إطار بعض الخداع المتقن، ربما يبدو الأمر وكأننا نستعد للإنزال على شواطئ نورماندي في يوم الغزو.

بيد أن الخروج البريطاني ليس يوم الغزو، فبعيدا عن محاولة إنزال الهزيمة بأعدائها، تحاول المملكة المتحدة الحفاظ على علاقات المنفعة المتبادلة مع دول لا تستطيع أن تنأى بنفسها عنها جغرافيا، ولا تستطيع أن تتحمل عواقب إبعاد نفسها عنها على أي نحو آخر، ولا ينبغي لها أن تُبقي خططها في طي الكتمان والسرية، كما فعلت حتى الآن، ومن المؤكد أنها لا ينبغي لها أن تنخرط في سياسات حافة الهاوية، مثل تلك التي تجسدت في صيحة المعركة التي أطلقتها تيريزا ماي: "عدم التوصل إلى صفقة أفضل من الرضا بصفقة سيئة".

بدلا من ذلك يتعين على المملكة المتحدة أن تدفع بعملية تعاونية تركز على الحل المشترك للمشاكل، وينبغي للمفاوضات أن تركز على خلق أكبر قدر ممكن من القيمة لكلا الطرفين، بما في ذلك من خلال ترتيبات التجارة الحرة المفصلة حسب الطلب بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي تسعى ماي إلى خلقها. وتشكل النزاهة، والانفتاح، والشفافية عناصر بالغة الأهمية لتمكين الجانبين من تقدير المكاسب المرتقبة بدقة وكفاءة، ناهيك عن السماح للقطاع الخاص وغيره من الأطراف بالمساهمة في حلول إبداعية.

ويتمثل الخطأ التفاوضي الكلاسيكي الثاني في التركيز بشكل كامل على المصالح الشخصية، فالمفاوضات الفعّالة تتطلب فهما عميقا لمصالح الجانب الآخر، وأولوياته، والقيود التي تكبله، وماذا قد يكسب أو يخسر؟ وأين لا يمكنه أن يتنازل؟ وما الذي قد يعوق قدرته على التوصل إلى اتفاق؟

على سبيل المثال، كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لديه قيود تعوق قدرته، الآن تجمع بريطانيا فريقا يتولى المفاوضات التجارية في أسرع وقت ممكن، أما الاتحاد الأوروبي فقد بدأ بالفعل يشارك في المفاوضات حول نحو عشرة من ترتيبات التجارة الحرة، مع الجميع من مجلس التعاون الخليجي إلى الولايات المتحدة. وتظل الحكومات الأوروبية في احتياج إلى تنفيذ خمسة من ترتيبات التجارة الحرة الأخرى المتفق عليها سابقا مع كندا، وسنغافورة، وفيتنام، وغرب إفريقيا، وشرق إفريقيا.

وتتوقع بريطانيا أن تقفز إلى أول طابور الانتظار، بسبب حجم وعمق وأهمية علاقاتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي. ولكن إذا حدث ذلك فربما يواجه الاتحاد الأوروبي بعض ردود الفعل السلبية من أولئك العالقين في طابور الانتظار. والواقع أن الاتحاد الأوروبي يحتاج طوال مفاوضات الخروج البريطاني إلى النظر في الرسائل التي يبعث بها إلى شركائه في التفاوض، وإذا كان للمملكة المتحدة أن تساعد في التوصل إلى اتفاق مفيد لكل الأطراف، فلابد أن تعترف استراتيجيتها بهذا، فضلا عن القيود الأخرى التي ربما تؤثر في الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء.

أما الخطأ الثالث فيتلخص في خلق توقعات غير واقعية، إذ ستكون محادثات الخروج البريطاني طويلة وصعبة بلا أدنى شك، وخصوصا إذا أصبح المواطنون، أو الشركات، أو المفاوضون أنفسهم محبطين، بعد عدم تلبية توقعات مفرطة.

وقد تكون إدارة التوقعات المتعلقة بالتوقيت هي الأكثر أهمية، وتأمل المملكة المتحدة إتمام ترتيبات التجارة الحرة المفصلة حسب الطلب مع الاتحاد الأوروبي في غضون فترة التفاوض المحددة بعامين، بيد أن مفاوضات مماثلة مع شركاء رئيسيين آخرين للاتحاد الأوروبي، مثل اليابان وكندا، استغرقت من تسع إلى عشر سنوات، وكانت صياغتها تدريجية وليست في ضربة واحدة.

ولنتأمل هنا اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وكندا، التي بدأت عام 2004 بإنشاء إطار للمفاوضات، وبعد ما يقرب من تسع سنوات، في عام 2013 تم التوصل إلى اتفاق "من حيث المبدأ"، وأبرِم الاتفاق الفعلي في سبتمبر الماضي، ثم بدأت عملية موافقة المؤسسات الأوروبية، وفي نهاية المطاف حصل الاتفاق على موافقة البرلمان الأوروبي في فبراير، ولا تزال العملية غير مكتملة: إذ لم تصدق المجالس التشريعية الوطنية بعد على بعض عناصر الاتفاق.

ويشير هذا إلى أن أفضل أمل للمملكة المتحدة، خلال فترة السنتين، هو إبرام اتفاق إطاري مع الاتحاد الأوروبي، أما الاتفاق النهائي فيكاد يكون من المؤكد أنه سيستغرق وقتا أطول كثيرا، خصوصا أن بعض أجزائه ستتطلب تصديق الدول الأعضاء كل على حدة، وينبغي لحكومة المملكة المتحدة أن تكون منفتحة وواضحة مع الجمهور حول هذا الأمر.

في الوقت نفسه يتعين على المملكة المتحدة أن تلتزم بتأمين اتفاق مؤقت مع الاتحاد الأوروبي، يذهب نحو 40% من الصادرات البريطانية إلى سوق الاتحاد الأوروبي، كما تعتمد المصانع البريطانية بشكل كبير على سرعة عبور السلع للحدود الأوروبية، سواء كانت هذه السلع ماشية من أيرلندا أو أعمدة كرنك من ألمانيا.

باختصار لا تستطيع المملكة المتحدة أن تتحمل خسارة حدود بلا احتكاكات، ولو مؤقتا، في حين تنتظر التوصل إلى اتفاق نهائي، ولا يمكنها بكل تأكيد أن تخسرها في الأمد البعيد، كما قد يحدث إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في غضون العامين المحددين، والواقع أن تهديد تيريزا ماي بأن "عدم التوصل إلى صفقة أفضل من الرضا بصفقة سيئة" لا يقوض عملية التفاوض فحسب؛ بل هو خطأ ببساطة.

الواقع أن عدم التوصل إلى اتفاق ربما يعني العودة إلى قواعد منظمة التجارة العالمية، وهذا يعني فرض تعريفة بمقدار 14.4% على القطاع الزراعي البريطاني، الذي سيعاني بالفعل نتيجة لخسارة الدعم المالي من خلال السياسة الزراعية الأوروبية المشتركة، وستخضع صادرات المملكة المتحدة من الألبان لتعريفة تبلغ 40% في المتوسط.

أما عن الخدمات- القطاع الأكبر على الإطلاق في اقتصاد المملكة المتحدة- فإن قواعد منظمة التجارة العالمية التي تحكم الصادرات تبلغ من العمر نحو 20 عاما وأصبحت عتيقة إلى حد بائس، وسندرك مدى عدم استصواب هذه القواعد إذا علمنا أن كل الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية (164 دولة) باستثناء ست دول، إما أن تشارك في اتفاق للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، أو تعمل على إنشاء اتفاق.

لقد دعت تيريزا ماي إلى الانتخابات الأخيرة لأنها كانت تريد تفويضا أقوى للتفاوض على صفقة جيدة لمصلحة بلدها، ولكنها لم تنل مرادها، والآن يتطلب تأمين الاتفاق التحول إلى استراتيجية تعاونية ذات منظور منفتح على الخارج، واستراتيجية تفاوض واقعية أكثر من أي وقت مضى.

* عميدة كلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية، ومؤسسة برنامج الإدارة الاقتصادية العالمية في جامعة أكسفورد.

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

صادرات المملكة المتحدة من الألبان ستخضع لتعريفة تبلغ 40% في المتوسط

المملكة المتحدة لا تستطيع أن تتحمل خسارة حدود بلا احتكاكات ولو مؤقتاً
back to top