إسرائيل تقرر ممارسة الاحتلال لمقايضته بالسلام (4-5)

• الجريدة• تنشر أرشيف جلسات الحكومة الإسرائيلية في حرب 1967 في ذكراها الـ 50
• تل أبيب قررت احتلال القدس والضفة وغزة على أمل طرد الفلسطينيين ودرست إمكان قيام حكم ذاتي بمثلث النقب
• ديان عارض منح الملك حسين ممراً بحرياً في ميناء حيفا... واقترح توطين «عرب 48» في الضفة والغزيين بسيناء

نشر في 08-06-2017
آخر تحديث 08-06-2017 | 19:50
في الذكرى الـ 50 لحرب 1967، بين إسرائيل والدول العربية، التي تعرف بحرب الأيام الـ6، تنشر "الجريدة" مقتطفات من أرشيف جلسات الحرب التي أفرجت عنها إسرائيل أخيراً، في محاولة لفهم الأجواء قبل وبعد المعركة التي رسمت خريطة المنطقة، وغيرت أولويات الدول العربية بعد هزيمة عسكرية لاتزال آثارها حاضرة في واقعنا العربي إلى يومنا هذا.
في الحلقة الرابعة، تستعرض "الجريدة" جلسة سرية للحكومة الأمنية الإسرائيلية عقدت في 14 يونيو. في تلك الجلسة، قررت إسرائيل احتلال الضفة وغزة والقدس الشرقية، والإبقاء على الجولان وسيناء لمقايضتهما باتفاقي سلام مع سورية ومصر.
بعد انتهاء الحرب وهدوء صوت القصف والقتال، وبعد أن تكشفت أبعاد المعارك التي دمرت جيوشاً كانت حتى الرابع من يونيو مخيفة ومجرد ذكرها يدب الرعب في قلوب الإسرائيليين، بدأت إسرائيل ومن دون مقدمات بالبحث في مصير المناطق التي احتلتها.

ولعل أهم ما حصل في هذا السياق، وفق أرشيف جلسات الحرب الذي أفرجت السلطات الإسرائيلية عنه قبل أيام في الذكرى الـ 50 للمعارك، الجلسة السرية للحكومة الإسرائيلية الأمنية يوم 14 يونيو 1967 التي خصصت لهذا الغرض.

استعرض المشاركون في هذه الجلسة، الإمكانات والخيارات أمام إسرائيل، وجرى بسرعة حسم مسألة احتلال القدس الشرقية أو ما أسموه "توحيد القدس" وبقائها تحت سيادة إسرائيل وإعلانها "عاصمة أبدية" للدولة.

وتمحورت الجلسة حول مصير الضفة الغربية، التي كانت تحت سيادة الأردن. وأكد رئيس الحكومة ليفي أشكول أن إسرائيل لن تتنازل عن الضفة الغربية، واقترح التفاوض مع العاهل الأردني الملك حسين بن طلال، على هذا الأساس تحت شعار الوصول الى "جيرة حسنة على ضفتي نهر الأردن"، دون أن يستبعد إمكان الحديث عن كل المواضيع مع الجانب الأردني.

في المقابل، دعا يغئال الون إلى عدم الالتزام مع "العائلة الهاشمية في الأردن"، قائلا إن "الملك عبدالله لم يف بتعهداته إلينا، وكذلك لا أرى أن حسين سيفي بذلك، وعلينا وقف التعاون معه، لأنه لن ينفعنا، ومن جهة أخرى علينا أن نقول له بشكل واضح إن حدودنا معه هي نهر الأردن، أي إننا في أي حل لن نعيد إليه الضفة الغربية".

الاستيطان

من ناحيته، حث مناحيم بيغن على الإسراع في بدء الاستيطان بالضفة الغربية بدءا من الخليل ومنطقتها وبعدها، وبناء القرى والتعاونيات في غور الأردن من بيسان حتى البحر الميت. وقال أشكول إنه موافق على الاستيطان، لكنه تساءل عن مصير العرب في الضفة، واقترح وزير الدفاع موشيه ديان أن يتم نقل سكان الضفة وإغراءهم بالمال للسفر الى أميركا اللاتينية، هنا تدخل وزير الخارجية أبا إيبان قائلا إن "كندا اقترحت استيعاب فلسطينيين وتوطينهم فيها، وقلت لهم سنفحص الأمر".

من ناحيته، عارض ديان الاستيطان في الوقت الراهن، واقترح عدم إعطاء الإسرائيليين تراخيص للدخول الى منطقتي الخليل وعتسيون الخاضعتين للحكم العسكري، بينما اقترح أشكول التفكير في إعادة بناء كنيس اليشباه في الخليل، فرد ديان ليس الآن.

حكم ذاتي في النقب

كذلك دار الحديث حول ضم الخليل وغزة الى إسرائيل وإبقاء منطقة مثلث النقب تحت السيادة الإسرائيلية مع حكم ذاتي عربي، وعدم منح الفلسطينيين الهويات أو الجنسيات، حيث أكد مناحيم بيغن أن "قانون إسرائيل ينص على أن كل مواطن يحق له الانتخاب، وهكذا نمنع الفلسطينيين من الانتخاب للكنيست"، فوافق الجميع، باسثناء ديان الذي قال إنه يعارض أن يتم مجرد حديث عن كلمة حكم ذاتي، لأن العالم سيتوقف عند هذه النقطة، ويطالب إسرائيل بالانسحاب، مشددا على أن الشيء الوحيد الذي لا تريده إسرائيل أن يكون هناك أي جيش على الضفة الشرقية لنهر الأردن مقابل الجيش الأردني سوى الجيش الإسرائيلي، وأضاف: "أنا لا أعارض الحديث مع حسين، لكن من منطلق أن نهر الأردن حدودنا معه، أي لن نعيد إليه الضفة الغربية".

ممر للأردن إلى حيفا

وهنا تدخل أبا إيبان قائلا: "إذن ماذا أقول للوسيط البريطاني، فإن الملك حسين يريد التفاوض"؟ رد أشكول: "لن نعارض أن تتحدث". من ناحيته، قال آلون: "نعم نتفاوض، لكن يجب أن يفهم حسين أننا لن نعيد الضفة الغربية، وأننا نريد معه سلاما يضمن أمننا". مناحيم بيغن أعرب عن موافقته على التفاوض وتأييده لحديث ديان.

واقترح آلون إبلاغ الملك حسين موافقة إسرائيل على "عقد لقاء من دون شروط مسبقة،" فقال مدير مكتب أشكول: "بل افضل للتفاوض على حل من دون شروط مسبقة"، فتدخل ديان قائلا: "هذه الجلسة لن تستمر أكثر من 5 دقائق، لأننا سنقول له ببدايتها أن نهر الأردن هو حدودنا معك، فسيقوم ويرحل".

فاقترح أشكول: "الحديث مع الملك حسين عن رغبته في ممر بحري بحيفا، فهو يريد ذلك، وكان طلبه في السابق، فبالإمكان العودة إلى ذلك ومقايضته بممر بحري في ميناء حيفا مقابل التخلي عن الضفة الغربية". أبا إيبان رأى أن الفكرة ممتازة، إلا أنه عارض بشدة قائلا: "تدبر أمره 20 عاما من دون ميناء لماذا نعطيه ذلك الآن؟".

عدد الفلسطينيين

الوزراء الأمنيون الخمسة الذين كانوا في هذه الجلسة تخبطوا في مسائل مختلفة، خصوصا حول أعداد الفلسطينيين الموجودين في الضفة الغربية وفي غزة وكيف يمكن التعامل معهم وكيف سيجري حكمهم من خلال حكم عسكري أم بقيادة محلية؟ وأقترح ديان البدء بالحديث مع قيادات القرى والمدن الفلسطينية، وفحص من مستعد للتعاون مع إسرائيل من أجل إدارة شؤون الضفة الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلي.

الترانسفير إلى الضفة وسيناء

واقترح أنه مع الوقت ومع إمكان إدارة شؤونهم بأنفسهم يمكن لإسرائيل أن تنقل سكان عرب من داخل إسرائيل (عرب 1948) الى الضفة لتخفيف كثافتهم وأعدادهم. أشكول لم ترق له الفكرة وقال له: "تقصدر ترانسفير؟"، فرد ديان: "لا أقصد انتقال بالرضا وبإغراءات مالية، وحتى أنه بالإمكان توطين فلسطينيي قطاع غزة في سيناء، لأن هناك كثافة كبيرة نحو 400 ألف فلسطيني في القطاع".

وعلق مناحيم بيغن قائلا إن العدد قد يكون أكبر. أما أشكول فتساءل عن وجود الماء في سيناء متسائلا: كيف يمكن أن يعيش الفلسطينيون هناك. فاقترح ديان أخيرا أن تقام لجنة فرعية تعد دراسة خلال أيام لفحص كل ما يتعلق بأحوال الضفة الغربية والقدس وغزة وتقدم التوصيات سريعا.

إبقاء الغموض

وتوافق المشاركون في الاجتماع على عدم طرح موضوع احتلال الضفة والاستيطان فيها بتاتا لا مع الأميركيين ولا داخليا ولا خارجيا. وقال أشكول: "لكن سيسألوننا في الكنيست"، فأجابه بيغن: "نقول إننا نفكر بالأمر"، فقال ديان: "نعم نعم نقول إن الحكومة تبحث عن حلول عملية لإدارة شؤون الضفة".

الجولان وسيناء

وأجمع الوزراء دون نقاش على اقتراح موشيه ديان وليفي أشكول وأبا إيبان، وهو أن إسرئيل مستعدة لإعادة سيناء وهضبة الجولان مقابل اتفاق سلام كامل مع مصر وسورية، فما كان من بيغن إلا أن يقترح تغيير الكلمة من اتفاق الى اتفاقيتي سلام، لأنه وفق رأيه يمكن لكل دولة أن تعقد سلاما على حدة وفي أوقات متفاوتة، وهذا ما حدث بالفعل.

قرارات مصيرية

وفيما يتعلق بمصر، تقرر أن أي سلام مع مصر يجب أن يكون على أساس العودة الى الحدود الدولية، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح في سيناء، وضمان حرية الملاحة في السويس ومضائق تيران. وحتى التوصل الى سلام، تحتفظ إسرائيل بسيناء وقطاع غزة سيبقى تحت السيادة الإسرائيلية، ولن يتم التفاوض مع مصر على أي حقوق لها فيها.

أما في سورية، فتقرر أيضا أن يكون أساس أي اتفاق سلام العودة الى حدود الدولية ونزع السلاح في الجولان الذي ستحتله إسرائيل حتى إبرام اتفاقية.

فيما يتعلق بالأردن كان الاتفاق داخل الحكومة طرح الموقف التالي: القدس عاصمة إسرائيل بشقيها وتجري ترتيبات حول إدارة الأماكن المقدسة، ويستمر الحكم العسكري في الضفة الغربية كمرحلة انتقالية والبحث عن حل بناء للمستقبل، وأن إسرائيل مستعدة للتفاوض مع الملك حسين لبناء جيرة حسنة، والتوصل إلى توحيد اقتصادي بين البلدين، وأن الحدود مع الأردن هي نهر الأردن.

ثم تقرر أن تكون هذه القرارات سرية للغاية، ولا تبحث لا داخليا ولا خارجيا.

الوكيل الروسي

اللافت أن الوزراء والأمنيين وفي أكثر الجلسات سرية لم يكونوا يتحدثون عن قيادات سورية ومصر، بل عن الاتحاد السوفياتي، الذي كان يدير كل الأمور التقنية لجهة اتفاقيات وقف النار. وأن المباحثات والاتصالات السرية مع تلك الدول وزعمائها بدأت فقط بعد حرب أكتوبر 1973.

استنتاج

الواضح من البروتوكولات السرية المتعلقة بمسألة اللاجئين والضفة الغربية والقدس، أن إسرائيل لم يكن لديها أي خطة لإدارة الضفة الغربية مع سكانها إنما فقط من دونهم، وإنها كانت تنوي منذ البداية بحسب سير النقاشات، طرد السكان أو ترحيلهم، وأن احتلال الضفة كان من أجل إبقائها تحت سيادة إسرائيل مع أقل عدد من السكان الفلسطينيين كما حصل مع عرب 1948.

ومن خلال الاطلاع على الخطوات التي تلت هذه النقاشات يستدل أن الاستيطان الذي بدأ فورا بعد الحرب في الضفة الغربية جاء بداية بحجج أمنية، إلا أنه كان من أجل تخويف العرب الفلسطينيين وترحيلهم بطرق شتى مثل الإغراء بالمال وشراء الأراضي والبيوت، وهذا ما حدث فعلا، لأن المناطق الفلسطينية بالضفة مليئة الى يومنا هذا بـ "مسامير جحا" ليهود اشتروا بأمر الوكالة اليهودية ودائرة أراضي إسرائيل كل ما استطاعوا من أراض أقنعوا أصحابها وأغروهم بالمال.

أما فيما يخص سيناء والجولان، فقد نجحت إسرائيل بالفعل في تطبيق خطتها لمقايضة السلام مع مصر بسيناء، أما الجولان فقد كانت إسرائيل تصر على أن خط المياه هو الأهم في بحيرة طبريا، وأنها تريد شراكة بموارد المياه في جبل الشيخ ومنابع البانياس، الأمر الذي لم توافق عليه سورية، وحتى اللحظة تحتفظ إسرائيل بالجولان بعد أن ضمته إليها.

back to top