إسرائيل «تنتصر» دبلوماسياً باللعب على «صراع القطبين» (3-5)

● تل أبيب تخدع العالم بالحديث عن تعرضها لهجوم عربي
● موسكو أعلنت قبول مصر وقف النار قبل أن تتشاور معها
● تخوف السوريين من احتلال دمشق دفع السوفيات إلى التشدد
● واشنطن ضاقت ذرعاً من المماطلة الإسرائيلية رغم ارتياحها

نشر في 07-06-2017
آخر تحديث 07-06-2017 | 16:56
في الذكرى الـ 50 لحرب 1967، بين إسرائيل والدول العربية، التي تعرف بحرب الأيام الستة، تنشر "الجريدة" مقتطفات من أرشيف جلسات الحرب التي أفرجت عنها إسرائيل أخيراً، في محاولة لفهم الأجواء قبل وبعد المعركة التي رسمت خريطة المنطقة، وغيرت أولويات الدول العربية بعد هزيمة عسكرية لاتزال آثارها حاضرة في واقعنا العربي إلى يومنا هذا. في الحلقة الثالثة، تستعرض "الجريدة" أجواء جلسة للحكومة الإسرائيلية الامنية جرت في 14 يونيو وتم خلالها عرض للحرب الدبلوماسية التي خاضتها إسرائيل بالتوازي مع المعارك.
المعروف أن إسرائيل هي التي بدأت حرب يونيو 1967، بما أسمته «ضربة استباقية» شلّت أسلحة الجو في مصر والأردن وسورية، لكن الموقف الذي طرح في العالم هو أن العرب هم الذين هاجموا إسرائيل، وهذه الخديعة الإسرائيلية انطلت على أغلبية دول العالم.

سلاح الدبلوماسية

إسرائيل لم تخض حرب الأيام الستة بالسلاح فقط، بل كانت تولي أهمية كبيرة للأمم المتحدة، ومواقف الدول العظمى خصوصاً أميركا والاتحاد السوفياتي المنحل وبدرجة ثانية بريطانيا وفرنسا.

ومنذ أول أيام الحرب طلب رئيس حكومة إسرائيل ليفي أشكول، من وزير خارجيته أبا ايبن التوجه إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك لمتابعة الوضع الدبلوماسي، والاتصال بالدول وشرح الموقف الإسرائيلي، ورافقه بهذا العمل سفير إسرائيل في الأمم المتحدة آنذاك جدعون رفائيل.

سبق خبيث

وبحسب أرشيف جلسات الحرب، الذي أفرجت عنه السلطات الإسرائيلية بمناسبة الذكرى الـ50 للحرب، وحصلت عليه «الجريدة»، فإن رفائيل سرد في جلسة للحكومة الأمنية عقدت في 14 يونيو أمام الوزراء تسلسل الأحداث الدبلوماسية خلال الحرب.

وقال رفائيل، إن «الحرب بدأت في توقيت نيويورك الساعة الثالثة والنصف صباحاً، ونحن أول من توجه لمجلس الأمن وأعلنا أن العرب هاجمونا وعندها كان لنا سبق خبيث لأن مجلس الأمن بدأ النقاش بحسب التوجه الإسرائيلي وليس بحسب توجه مصر، وهذا ساعدنا جداً ليس في مجلس الأمن فقط بل في استمالة الرأي العام الدولي أيضاً».

موسكو تتجاوز القاهرة

ويضيف رفائيل، أنه منذ الخامس من يونيو في ساعات الصباح، عندما اشتم الجميع أن هناك انتصاراً بدأت تنهال اتصالات الدعم على إسرائيل وحاول الأميركيون الحديث مع السوفيات من أجل قرار مشترك لوقف النار من وجهة النظر الأميركية، التي كانت تميل لاسرائيل، لكن الروس لم يتعاونوا في بداية الأمر، لكن مع تقدم المعارك وتوالي النجاحات الإسرائيلية، بدأ السوفيات يلينون، حتى إنهم أعلنوا قبول مصر لوقف النار، قبل أن تطرح ذلك عليهم، وهنا بدأت الولايات المتحدة تضغط لجهة وقف النار، ولكن بتفهم للموقف الإسرائيلي.

ويؤكد أن «الأميركيين كانوا مسرورين من أننا هزمنا المصريين حلفاء السوفيات، وأدينا لخسارة للاتحاد السوفياتي من الناحية الدبلوماسية ، وهذا كان أمام 50 مليون مشاهد للتلفاز، وكلما ازدادت حدة النقاشات بيننا وبين الروس، ازداد التعاطف معنا بالمقابل، وهذا شيء جيد».

هزيمة الدبلوماسية العربية

ويشير إلى أن الأهم يتمثل في أن دولاً كانت تترد في دعم إسرائيل وقفت بعد الحرب إلى جانبها، لأنها هزمت مصر حليفة السوفيات من جهة، ومن ناحية أخرى لم يستطع أحد أن يصدق أن تلك الجيوش الكبيرة والعتاد والأسلحة الروسية لم تفلح في هزم جيش صغير لدولة صغيرة حديثة العهد، وأنها قاتلت وحدها بدون دعم دول عظمى.

رفائيل توقف عند حالة الدبلوماسية العربية بعد الهزيمة، قائلاً إن «العرب كانوا يظهرون مطأطأي الرأس في نيويورك، ولم يفلحوا في الدبلوماسية على عكس السابق، حيث كانوا يسيطرون على الأمم المتحدة ويتحركون فيها بسهولة وبتأييد كبير، لكن الحرب هذه هزمت أيضاً دبلوماسيتهم».

احتلال دمشق

ويتابع أنه يوم الجمعة 9 يونيو، أي في اليوم الخامس للحرب، اشتكى الروس باسم السوريين من أن إسرائيل ستحتل دمشق، وهذا جعل رئيس مجلس الأمن يدعو إلى اجتماع، مضيفاً: «حاولنا المماطلة لكي نكسب الوقت ونحتل الأماكن، التي نريدها في سورية، وأوضحنا للأمم المتحدة أننا لا نريد احتلال دمشق، لكن الروس بدأوا بمحاولة إخافتنا بعقوبات، ومع ذلك استمرت المماطلة ليلة ويوم حتى جاء الأميركيون، وقالوا لنا لن نسمح بأن تذهبوا لحرب مع السوفيات باسمنا عليكم التوقف، وفعلاً هذا ما حدث».

الشرق الأوسط الجديد

من ناحيته، قال وزير خارجية إسرائيل أبا ايبن، إن مجلس الأمن لم يستطع حسم الموقف بضرورة وقف النار وعودة إسرائيل إلى خطوط الرابع من يونيو، والموقف الأميركي للرئيس ليندون جونسون كان أن أميركا ملتزمة بمساعدة إسرائيل لبناء شرق أوسط جديد وهذا الأمر ردده كل أميركي مسؤول تحدثنا معه في فترة الحرب.

ويضيف في إحدى الجلسات، أن «إسرائيل لم تكن تتوقع نجاحا كهذاً

ولا حتى في الاحلام إذ أن الأمور انقلبت رأساً على عقب ولم يطالبنا مجلس الأمن بالانسحاب لخطوط ما قبل الحرب كما حدث عام 1956 حيث عدنا إلى الخطوط ما قبل حرب سيناء حينها».

معركة صعبة

من ناحية ثانية، أجمع الوزراء، خلال الجلسة، على أن المعركة القادمة في الجمعية العمومية ستكون أصعب من مجلس الأمن حيث هناك الفيتو. وقال رفائيل إن «الولايات المتحدة اقترحت أن نعمل سوياً هناك، لكنهم

لا يحبون استمرارنا في السيطرة على الأراضي التي احتليناها وأبلغونا بضرورة عدم ضم الأراضي، إنما الحديث عن سلام وامن يضمن الأراضي للدول وحدود دولية معترف بها».

إغراق السفينة الأميركية

وتطرقت الجلسة الى إغراق إسرائيل سفينة أميركية في البحر المتوسط. وتدخل وزير الدفاع موشيه ديان، وقال إن شخصاً أميركياً توجه إلى زوجته وقال لها أبلغي ديان أن الرئيس الأميركي لن يطالب بأي شيء لأن الولايات المتحدة ليس لها سفن في المتوسط، فأجابه أبا ايبن أنه عندما يصبح هذا الشخص رئيساً للولايات المتحدة ساعتها سأكون مرتاحاً للامر، لذلك فإن ايبن أبلغ الحكومة أنه أكد للإدارة الأميركية أن قيادة الإركان الإسرائيلية تجري تحقيقاً حول الحادث وستطلعهم على النتائج.

عملية السلام

الأيام التي تلت وقف إطلاق النار، انكشف حجم الخديعة الإسرائيلية بأن العرب بادروا بالهجوم وأنهم دافعوا عن أنفسهم، كما بدأت تتضح معالم المساحات التي احتلتها إسرائيل والمناطق الاستراتيجية التي بدأت بالسيطرة عليها.

عندها بدأ الأميركيون بالحديث عن ضرورة محادثات سلام وإعادة الأراضي المحتلة في إطار عمليات سلام. وفي الكواليس كان الأميركيون يهاجمون إسرائيل على ما حصل، لكنهم كانوا يدعمون موقفها نكاية بالسوفيات.

اللعب على صراع القطبين

من قراءة بروتوكولات جلسات اللجان الفرعية واللجان الوزارية واللجان البرلمانية وجلسات الحكومة السرية خلال هذه الفترة، يتضح أن إسرائيل أحرزت انتصارات عسكرية ودبلوماسية كبيرة في فترة وجيزة بفضل اللعب على وتر الصراع بين القطبين الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة، وقد عزفت دبلوماسية إسرائيل على هذا النغم، قدر ما استطاعت.

وقال أبا ايبن في معرض حديثه، إنه شعر في النهاية أن عليه التوقف عن هذه اللعبة، لأن الأميركيين بدأوا يؤشرون أنهم ضاقوا ذرعاً وعندها تحدث عن ضرورة وقف النار وتوقفت المماطلة بعقد جلسات مجلس الأمن لتدارك الموقف.

ثلاثة قرارات مصيرية

في مجال الدبلوماسية، استطاعت إسرائيل التغلب على العرب وعلى وموسكو، لكن ايبن كان يقول، إن هذا لن يستمر، ووزراء داخل الحكومة واللجان السرية كان لهم موقف آخر مختلف عن ديان ورئيس الحكومة ليفي أشكول.

والوزراء المحسوبون على بن غوريون في الحكومة كانوا يدفعون باتجاه عدم ضم أراضٍ لإسرائيل أو الإعلان عن مثل هذه الخطوات، لكن الإجماع كان على ثلاثة أمور مهمة: الأول، «توحيد القدس» بضم القدس الشرقية المحتلة إلى إسرائيل، والثاني، أن نهر الأردن هو حدود إسرائيل مع المملكة الأردنية الهاشمية، والثالث احتلال قطاع غزة، والاحتفاظ بسيناء وهضبة الجولان إلى حين إقامة سلام شامل وعلاقات تطبيع كاملة مع إسرائيل.

في الحلقة القادمة سنتوقف عند هذه الأمور وعلى الاختلافات حولها بين أركان الدولة وتأثيرات الخارج والدول العظمى على هذا الموضوع.

طوال فترة الحرب التزمت الإدارة الأميركية بمقولة جونسون إن أميركا ملتزمة بمساعدة إسرائيل لبناء شرق أوسط جديد

الإسرائيليون أجمعوا على 3 نقاط هي: «توحيد القدس» واعتبار نهر الأردن حدوداً مع «عمّان» واحتلال غزة والاحتفاظ بسيناء وهضبة الجولان
back to top