السرطان والغذاء... ما الرابط بينهما؟

نشر في 06-06-2017
آخر تحديث 06-06-2017 | 00:00
No Image Caption
يُعتبر الرابط بين السرطان والغذاء غامضاً غموض المرض بحد ذاته. ولكن الأكيد أن عاداتك الغذائية تعزّز إصابتك بهذا الداء أو تحميك منه، ذلك بحسب بحوث عدة أشارت إلى أصناف طعام ومواد مغذية عدة تؤدي دوراً في هذا المجال.
ثمة عوامل عدة خارجة عن سيطرتك تزيد خطر الإصابة بالسرطان، أبرزها الوراثة والبيئة، إلا أنك تستطيع التحكم في عوامل أخرى. تشير التقديرات إلى أن أقل من %30 من خطر الإصابة بالسرطان الذي يواجهه الإنسان خلال حياته تنجم عن عوامل لا يمكنه التحكم فيها. أما العوامل الباقية، فتستطيع ضبطها، وخصوصاً الغذاء.

لا تنسَ أن معظم البحوث يشير فحسب إلى رابط بين النظام الغذائي والسرطان، لا إلى علاقة سببية. يوضح الدكتور إدوارد جيوفانوتشي من كلية تشان للصحة العامة في جامعة هارفارد: «لا نعرف يقيناً أنك إذا أكثرت من استهلاك أنواع معينة من الطعام والمواد المغذية أو امتنعت عنها، تحصل على وقاية أكيدة من السرطان. لكن العلم اكتشف أن لبعض العادات الغذائية تأثيراً أكبر». إليك لمحة عن أربعة مجالات بارزة في هذه المسألة:

اللحوم الحمراء والمعالجة

تشمل اللحوم المعالجة أي نوع من اللحوم المدخنة أو المخمرة، فضلاً عن تلك التي تحتوي على الملح المضاف والنترات بغية تحسين نكهتها. يؤكد الدكتور جيوفانوتشي أن الرابط بين اللحوم المعالجة والسرطان ثابت. على سبيل المثال، اكتشف نحو %30 من دراسات سرطان القولون، الذي يحتل المرتبة الثالثة بين أنواع السرطان الأكثر شيوعاً بين الرجال، أن تناول 50 غراماً من اللحوم المعالجة يومياً يرتبط بزيادة في خطر الإصابة بسرطان القولون تصل إلى 20%. وتبقى عوامل الخطر ذاتها مع اللحوم الحمراء أيضاً. «صحيح أن الآلية المحددة غير واضحة، إلا أنها قد ترتبط بالنترات المضاف في اللحوم المعالجة والحديد الهيمي المتوافر طبيعياً في اللحم الأحمر»، وفق الدكتور جيوفانوتشي.

مضادات الأكسدة

لا شك في أن مضادات الأكسدة مهمة في الحماية من السرطان لأنها تساهم في القضاء على تأثير الجذور الحرة التي تلحق الضرر بالخلايا. لكن السؤال المهم الذي ينشأ: هل يعزّز استهلاك كمية إضافية منها عبر الغذاء أو كمكملات الحماية من هذا الخطر؟

لم تتوصل البحوث التي تسعى إلى دعم مقاربة «للكمية الأكبر فوائد أكثر» إلى أدلة حاسمة، حسبما يؤكد الدكتور والتر ويلت من كلية تشان للصحة العامة في جامعة هارفارد. يذكر: «لا نعلم حتى اليوم كم من الوقت عليك تناول كمية إضافية من مضادات الأكسدة لتجني الفوائد. بالإضافة إلى ذلك، يتطوّر بعض أنواع السرطان خلال عقود عدة. وربما عليك أن تزيد كمية مضادات الأكسدة التي تستهلكها في غذائك خلال المراحل الأولى من حياتك لتحقق الفوائد المرجوة».

رغم ذلك، من الضروري أن تتناول أطعمة غنية بمضادات الأكسدة، بما أنها تقدّم فوائد أخرى أيضاً، من بينها تحسين الصحة القلبية الوعائية. تشمل الاقتراحات التي يطرحها الدكتور ويلت: لا تركّز على أنواع محددة من مضادات الأكسدة، بل احرص على اتباع نظام غذائي يشمل أطعمة تضمّ مجموعة متنوعة منها. ويضيف: «ركّز على الألوان الزاهية، مثل الأخضر الداكن، البرتقالي، الأرجواني، والفاكهة والخضراوات، مثل السبانخ، الجزر، والطماطم».

المؤشر الغلايسيمي

تؤدي النشويات دوراً مزدوجاً إيجابياً وسلبياً في السرطان: تكون جيدة أو سيئة، وذلك بالاعتماد على مصدرها. يساعدنا المؤشر الغلايسيمي (الذي يقيس سرعة تحوّل النشويات إلى سكر في الدم) في تحديد الجيد منها والسيئ.

اكتشفت دراسة شملت 3100 شخص وقُدّمت في منتدى علم الأحياء الاختباري عام 2016 أن تناول أطعمة مؤشرها الغلايسيمي مرتفع (70 أو أعلى على مقياس هذا المؤشر الذي يتألف من 100 نقطة) ارتبط بارتفاع خطر الإصابة بسرطان البروستات بنسبة %88. وتشمل هذه الأطعمة المشروبات الغازية المحلاة بالسكر، وعصائر الفاكهة، والأطعمة المعالجة مثل البيتزا.

في المقابل، ارتبط تناول أطعمة مؤشرها الغلايسيمي منخفض مثل البقول (الفاصوليا، العدس، والبازيلاء) بتراجع خطر الإصابة بسرطان البروستات والقولون بنسبة %32. أظهرت دراسة أخرى نُشرت في مجلة Cancer Epidemiology, Biomarkers&Prevention ارتباط النظام الغذائي الحافل بأطعمة غذائية مؤشرها الغلايسيمي عالٍ بالإصابة بسرطان الرئة، الذي يُعتبر ثاني أكثر أنواع السرطان انتشاراً بين الرجال. كذلك توصلت الدراسة إلى زيادة بنسبة %50 تقريباً في خطر الإصابة بالسرطان بين مَن يتبعون نظاماً غذائياً يحتوي على أطعمة مؤشرها الغلايسيمي عالٍ، مقارنة بمَن يتناولون أطعمة مؤشرها الغلايسيمي الأكثر انخفاضاً.

تسجّل الأطعمة التي يُعتبر مؤشرها الغلايسيمي منخفضاً إلى متوسط صفراً إلى 69 نقطة على مقياس هذا المؤشر.

الكالسيوم

يُظهر بعض الأدلة أن زيادة استهلاك الكالسيوم تحدّ من خطر الإصابة بالسرطان، خصوصاً سرطان القولون. ويعتقد الباحثون أن الكالسيوم يتحد بالأحماض الصفراوية والدهنية في الجهاز الهضمي، فتتحول هذه الخطوة إلى درع تحمي الخلايا من أحماض المعدة المضرة.

لكن بحوثاً أخرى أظهرت أن الكالسيوم الإضافي (2000 مليغرام أو أكثر كل يوم) قد يرتبط بارتفاع خطر سرطان البروستات.

يقول الدكتور جيوفانوتشي: «لا نعلم يقيناً سبب تأثير الكالسيوم الواسع في السرطان. لكن الحل الأفضل يظل أن تبقي استهلاكك الكالسيوم بين 500 وألف مليغرام يومياً، بغض النظر عما إذا كان مصدره الطعام أو المكملات الغذائية».

زيادة الوزن والسرطان

تشمل النقاط الأخرى التي علينا تأملها في علاقة الغذاء بالوقاية من السرطان التحكم في الوزن. يساعدك تعديل نظامك الغذائي في ضبط وزنك، ما يمنحك المزيد من الحماية.

تشير دراسة نُشرت في مجلة Lancet إلى أن ارتفاع مؤشر كتلة الجسم يزيد خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان الأكثر انتشاراً. فقد اكتشف الباحثون أن ارتفاع الوزن بنحو 15 كيلوغراماً بين الخمسة ملايين الذين شاركوا في الدراسة ارتبط بتفاقم خطر الإصابة بسرطان القولون، والصفراء، والكلية، والكبد بنحو 10%. ولكن إلامَ يعود هذا الرابط؟ يجيب الخبراء أن دهون الجسم تُنتج هرمونات وبروتينات التهابية تعزّز نمو خلايا الأورام.

الوقاية ترتبط بنمط الحياة

صحيح أن النظام الغذائي وخسارة الوزن محوران بالغا الأهمية في الوقاية من السرطان، إلا أن ترافق النظام الغذائي السليم مع عادات صحية أخرى يعزّز هذه الوقاية، وفق دراسة نُشرت في مجلة JAMA Oncology.

تفحّص باحثون من جامعة هارفارد مجالات رئيسة في نمط الحياة ترتبط بحالة الإنسان الصحية، مثل التدخين، والوزن، والتمرن. تتبع هؤلاء الباحثون حالة 46 ألف رجل طوال 26 سنة واعتبروا أن نحو 12 ألفاً منهم يواجهون خطراً منخفضاً لأنهم يتبعون سلوكاً يُصنَّف صحياً في هذه المجالات كافة: لا يدخنون، يتمتعون بمؤشر كتلة جسم يتراوح بين 18.5 و27.5، ويمارسون التمارين الرياضية المتوسطة إلى العالية الحدية طوال 150 دقيقة أسبوعياً.

عندما قارن الباحثون حالة هؤلاء الرجال بآخرين لم يستوفوا هذه المعايير، اكتشفوا أن الرجال يستطيعون تفادي أو تأخير %67 من حالات الوفاة الناجمة عن السرطان، فضلاً عن الوقاية من %63 من الأورام الخبيثة الجديدة كل سنة. أما بالنسبة إلى أنواع السرطان المحدَّدة، فبإمكان الرجال خفض حالات سرطان المثانة بنسبة %62، سرطان البروستات بنسبة %40، وسرطان الكلية بنسبة %36.

بعض الأدلة يُظهر أن زيادة استهلاك الكالسيوم تحدّ من خطر الإصابة بالسرطان
back to top