نحن وجيراننا

نشر في 28-05-2017
آخر تحديث 28-05-2017 | 00:08
ما يربط دول الخليج العربية بإيران والعراق دين وحضارة تفاعلية قديمة، ومن الغباء أن يمحى ذلك بالنفخ الطائفي الذي حرق مجتمعات وأنهى دولاً.
 مظفّر عبدالله أول العمود:

شاهدت كغيري مقاطع النشوة والفرح لطالبات بعد انتهاء العام الدراسي يرقصن خارج أسوار المدرسة، وأقف ضد المبالغة في بغض سلوكهن، كان المطلوب عمل حفل ختام داخل كل مدرسة بإشراف الهيئة التدريسية.

***

كثيراً ما يلح عليّ هذا السؤال: لماذا يختفي التفاعل الإيجابي والفطري بين شعوب منطقة الخليج، نحن في الضفة الغربية من الخليج ودولها الست بتاريخها الغني، وشعب إيران المتنوع الحضاري، والشعب العراقي ذو الخليط النادر والذهبي، أشعر كمواطن كويتي وخليجي أنني ضحية أوهام خلقتها دول كبرى عبر عقود من الزمن تريد أن تمحو تاريخا ممتدا من التواصل الحضاري والتلاقح الثقافي بين الضفتين، يرجع بنا إلى قرون سابقة، كان للإسلام دور كبير في ظهور ثمارها في صور من التفاعل مثل: الأدب والفنون والتجارة والتزاوج؟

أتساءل أيضا: هل ما يجري من تناطح وخلافات بين دول المنطقة من الأنظمة هو السبب في توتير العلاقات بينها أم أنه نتيجة؟ ولماذا لم تستطع أنظمة الدول الثماني بما تملك من ثروات فلكية وحضارة راسخة أن توفر مساحات أكبر من الآمان لشعوبها؟ ولماذا كان العرب يشتمون شاه إيران لصلاته بإسرائيل، فيما العرب اليوم يقيمون صلات معها، ويبدي نظام الملالي في إيران عداء لذلك الكيان على عكس خط سير النظام الملكي السابق؟!

بالطبع لن أجيب بالشكل السائد الساذج، وهو كيل الاتهام لنظام وإيجاد العذر لآخر؛ لسبب بسيط هو أنني لست سياسيا، لكنني مثل ملايين آخرين يعيشون على ضفتي الخليج مواطن بسيط يريد أن يقرأ رأيا، أو يرى لوحة، أو يسمع أغنية، ليس عبر الإلكترونيات بل عبر الاتصال الجسدي والعقلي بين سكان دول الخليج الثماني.

أثارني منطوق الرئيس الأميركي في قمم الرياض وهجومه على إيران وإبداء أمنيته بالعيش بسلام في آن، هذا هو شأن الساسة الأميركيين، يشربون القهوة العربية ويرقصون (العرضة) في بلادنا، ثم يقفون أمام حائط البراق (المبكى) في أرض فلسطين المغتصبة، ويتغنون بإنسانيات الإنجيل في الفاتيكان!

لا شك أن تقصير الدوائر الثقافية في دول المنطقة عن أداء دورها الاستراتيجي لخدمة شعوبها كان ولا يزال سببا رئيسا في رسم صوره الجفاء الشعبي في شكل خلاف مذاهب، أو لنقل أن تقاعسها ترك الباب لإيقاض الفتن الطائفية من باب: نحن من السُنّة، وهم شيعة، أو أكراد، أو أيزيديون، فلا نلتقي في النهاية. هذا الجفاء من صنع الأنظمة ولا دخل للناس فيه، فكل يوم تطلع شمسه يعقد سنّي زواجه على شيعية والعكس، وتتزوج كردية عربيا وتستمر الحياة، هكذا بكل تفاصيلها الجميلة.

تلطيف الأجواء بين شعوب الخليج يحتاج إلى الاهتمام بثقافة بعضنا بعضاً والبحث عن قنوات لتفاعلها، بتكوين جمعيات الصداقة الشعبية، وتداول الكتب والمؤلفات، واستضافة الفنانين والمفكرين والأدباء، وهو أقل الواجبات التي من شأنها وقف تكبير الفجوة النفسية بين سكان المنطقة بحجة اختلاف اللغة، والمذهب، والأديان.

ما يربط دول الخليج العربية بإيران والعراق دين وحضارة تفاعلية قديمة، ومن الغباء أن يمحى ذلك بالنفخ الطائفي الذي حرق مجتمعات وأنهي دولاً، ومن الهزل أن نعرف تفاصيل حياة شعوب بعيدة جغرافيا عنا ولا نعرف تطورات شعوب لا تبعد عنا سوى ساعتين أو ثلاث ساعات جوا .

ليت هذا الظلام ينتهي، لأنه حصد أكثر من مليون نفس عبر ثلاث حروب صنعت بإتقان، وبددت فيها مليارات الدولارات في حين أطفال بعض بلدانها يتضورون جوعا، ويعانون المرض والفقر.

المنطقة بحاجة لرجال سلام قادرين على إزاحة الوهم الكبير الذي نعيشه مُكرهين كل يوم، وملخصه: أننا لا نلتقي.

ما سبق موجه إلى كل دول المنطقة، وإلى بعضها البعض، وإلى الدول الكبرى.

back to top