الفنان المصري صلاح المليجي: «طنين» النحل عالم تشكيلي متعدّد الألوان

نشر في 22-05-2017
آخر تحديث 22-05-2017 | 00:02
يسعى الفنان التشكيلي صلاح المليجي، الأستاذ في كلية الفنون الجميلة، إلى تقديم الجديد والمختلف في معارضه الفنية التي يقيمها بشكل منتظم بعد تركه منصبه الرسمي كرئيس قطاع الفنون التشكيلية المصري، وآخرها «طنين»، في غاليري «ضي» في مصر. يشير الفنان إلى ضرورة أن يقدم كل مبدع جملة جديدة في تجربته الفنية، مؤكداً في الوقت ذاته أن العمل الأكاديمي ربما يقيّد حرية الفنان إذا لم يتنبّه إلى عدم الوقوع في فخ التكرار.
«طنين» معرضك الأخير... لماذا عنونته بهذا الاسم؟

تطنّ أفكارنا في عقولنا، وتكون مؤلمة تارة ومبهجة طوراً. ليس بالضرورة أن يكون الطنين أمراً سلبياً، فانشغال الفنان بآلية تنفيذ عمله الفني حالة من الطنين يعيشها. كوني فلاحاً، دخلت منحل أحد الأصدقاء حيث رأيت النحل كمجتمع منظم نحتاج إلى أن نحذو حذوه في الانتظام، علماً بأن هذه الفكرة موجودة في مجتمعات عدة، وربما أول من تحدّث عنها الكاتب الراحل توفيق الحكيم في كتابه «التلقائية».

لا أحبّ تكرار الأفكار، ولكن كثيراً ما تتشابه المعارض في لوحاتها، لذا أدخلت إلى معرضي جزءاً مرسوماً باللون البني، وطعمّته بأعمال قديمة، من بينها لوحات لم تعُرض سابقاً في مصر، وبعضها حصل على جوائز خارجها. المهم أن المعرض يتضمن 73 لوحة لا تكرار فيها.

سلم موسيقي

ولكن كيف تستخرج من الطنين حالة فنية ملموسة؟

نسمع الطنين، لذا قدّمته كسلم موسيقي في عملين أحدهما أفقي والثاني رأسي. أما فكرة النحلة فلم أرها بشكل واحد، بل عبارة عن «أسكتش» سريع. لا أبحث عن الجمهور بل عن راحتي كفنان، وكلما حاول الفنان التنويع في الأداء أفاد تجربته وأثراها، وما المانع من أن يشاركنا الجمهور في فكرة التنوّع هذه، ومع التجربة والخبرة التي مررت بها استطعت أن أشعر بالرضا عن أعمالي.

نلحظ انشغالك بالبحث والتجريب إلى حد كبير.

هذا أمر مهم جداً لأنه جزء من سمات الفن المعاصر، بمعنى ألا أكون تقليدياً أو أحاكي أحداً. من وقت إلى آخر، لا بد من أن يقوم الفنان بـ»شطحة» مختلفة، ولدينا نماذج مهمة مثل عفت ناجي التي قدمت معالجات تجريبية في فترة مبكرة. وأرى أن معالجة الخامة ليست مهمة بقدر أهمية إعادة بناء الشخصية أو العنصر الذي أعمل عليه.

العمل الأكاديمي

مارست العمل الرسمي كرئيس الإدارة المركزية للمتاحف، ثم أصبحت رئيساً لقطاع الفنون التشكيلية. ما تأثير ذلك في عملك الفني؟

اشتغلت في العمل الرسمي سنوات طويلة، وسعدت بإضافة الجديد إلى متاحفنا، ولكن جاء ذلك على حساب مشواري الفني. عموماً، لا أشعر بالندم لأني في النهاية وجدت صدى لما قدمته خلال منصبي. صحيح أنني تعرضت للنقد كثيراً، ولكني أحمد الله على أنني قدمت شيئاً لبلدي حتى لو لم يعترف البعض به.

هل ترى أن العمل الأكاديمي يحدّ من رؤيتك وممارستك الفنية؟

يقيد العمل الأكاديمي حرية الفنان ويصعب من قدرته على الخروج من القالب الذي درسه، ويضع الفنان في أسس وقواعد، الفنان يتعلم بصرامة إلى حد كبير، حيث يتعلم الأكاديمي النسب والمنظور والكتلة والظل والاتزان ولكن في النهاية مطلوب منه تكسير ذلك للخروج من النمطية والتكرار.

ثمة فنانون تركوا الدراسة الأكاديمية، من بينهم بابلو بيكاسو وبول غوغان، للعمل بحرية. الناحية الأكاديمية ليست معياراً يؤكد أن الدارس فنان، بل تعني أن الفنان تعلّم أسساً واستطاع أن يخرج منها ويطوِّر نفسه ويقدِّم رؤية جديدة.

الأسطورة

تؤدي الأسطورة دوراً مهماً في تجربتك الفنية. لماذا؟

نشأت في محافظة السويس. كنا نصعد إلى الجبل ونستمع إلى الحكايات الخرافية. رغم أنني كنت أدرك أنها غير حقيقية، فإنها كانت تحرك خيالي. كذلك أدى الراديو أنذاك دوراً في تشكيل خيالنا، إذ لم يكن ثمة انتشار للتلفزيون والوسائط المتعددة. دفعني ذلك كله إلى القراءة في الأساطير في المرحلة الثانوية، ثم جاءت أطروحتي للدكتوراه عنها لاحقاً.

الأسطورة، منذ بدأت حتى الآن، مصدر إلهام الفنانين سواء في السينما أو المسرح أو التلفزيون أو الأوبرا أو حتى الفن التشكيلي، إذ تجعل الفنان عموماً صاحب خيال جامح، يؤسطر العناصر ويعطيها مسحة ميثيولوجية. ولا نغفل وجود كيانات لدينا في مصر صنعت نفسها من خلال الغوص في الأسطورة، أبرزها الراحلان عبد الهادي الجزار وحامد ندا، فهما تأثرا بالموالد والزار والفكر المؤدي إلى الجانب الغيبي، حتى أنه كثيراً ما حدث لبس بينهما بسبب محاكاتهما الأسطورة والرسوم المنفذه بالقلم الرصاص من دون ظل.

لكل فنان رسالة يسعى إلى إيصالها من خلال عمله. ماذا عنك؟

تعبِّر أعمالي عن الطاقة بمعنى العمل بجدية، والتصرف طبقاً للناموس الكوني، بعيداً عن الإرهاب أو التخاذل. لا بد من أن يكون الإنسان صاحب رؤية صادقة، وأن يكون كل ما لديه من طاقة مسخراً للعمل. كذلك عليه أن يطوِّر تجربته، مؤكداً ذاته عن طريق تجدّد قراءاته وثقافته وكل ما يحلم به من أفكار ورؤى.

مسيرة ربع قرن

يحمل «طنين» للفنان صلاح المليجي الرقم 14 في سلسلة معارضه التي نظمها خلال ربع قرن مضى. عن الفارق بين أول معارضه ومعرضه الراهن يقول: «أول معرض قدمته كان عام 1989 في مجمع الفنون، وكان رئيسه آنذاك الفنان والناقد الراحل أحمد فؤاد سليم. تضمّن ثيمة أسطورية عن طائر الهدهد الذي ما زال حاضراً في بعض لوحاتي».

تابع: «حقّق المعرض صدى جميلاً، وأذكر أن الفنان منير كنعان أعجب به وطلب مني ألا أتحرك إلى منطقة أخرى لأن المعرض كان مصرياً بامتياز، وفي معرضي الجديد، تبدو واضحة الخبرة والاختزال والرؤية وتعدّد المصادر».

شارك المليجي في فعاليات دولية ونال جوائز مصرية ودولية، من بينها، الجائزة الأولى في الرسم بصالون الشباب، وجائزة بينالي القاهرة الدولي الخامس عام 1994، وجائزة ترينالي الغرافيك القومي 1997، والجائزة البرونزية الدولية في بينالي الغرافيك للحفر الجاف في صربيا، وهو عضو لجنة ألفاظ الحضارة بمجمع اللغة العربية، وأسس قسم الغرافيك بجامعة الزيتونة بالأردن.

الأسطورة مصدر إلهام المبدعين في المجالات كافة

العمل الأكاديمي يقيِّد حرية الفنان
back to top