هروب

نشر في 19-05-2017
آخر تحديث 19-05-2017 | 00:06
إن عقاب المدمنين والزج بهم في السجون- بدلاً من العلاج- لا يفيدهم، بل يبني المزيد من الحواجز بين المدمن والمجتمع، وبالتالي يجعل التخلي عن تلك العادة أصعب، حيث سيلجأ إليها للتأقلم مع هذا العزل.
 دانة الراشد شاهدت مؤخراً محاضرة رائعة لجوهان هاري على تيد إكس (TEDx Talks) يتحدث فيها عن الأسباب الحقيقية للإدمان، خلاصته أن الإدمان لا يقتصر فقط على تعاطي المخدرات والأقراص المهدئة، بل يشمل السلوك القهري في إدمان الهاتف الذكي والإنترنت والطعام والتدخين والتسوق والمبالغة في أي سلوك يحول بين المرء وممارسة حياته بصورة طبيعية، حيث يشغل هذا الإدمان جل وقته ويحتل مكانة أولوياته الفعلية.

محاضرة هاري مطعمة بالعديد من الدراسات الحديثة التي تثبت أن الإدمان أساساً مشكلة نفسية، ويأتي الاعتماد الجسدي والاتكالية على المادة المدمنة لاحقاً، حيث إن الدافع الرئيس هو الهروب من الواقع وعدم رغبة الفرد في الوجود تحت ظروف حياته الحالية، ويذكر أيضاً أن غياب الشغف والدافع في الحياة بالإضافة إلى الوحدة وعدم وجود علاقات متينة حقيقية كل ذلك يدفع بالمرء إلى المزيد من الإدمان وانغماس الذات في عالم النسيان.

فنحن عندما نكون سعداء وأصحاء ونتمتع بعلاقات اجتماعية قيمة لن نحتاج إلى الإدمان، فالإدمان ما هو إلا نداء استغاثة ورغبة في الخروج من العزلة، وعندما يملك المرء ذلك الشغف والدافع اللذين يجعلانه يستيقظ من النوم كي ينجز مما يجعله يشعر بالرضا فإنه لن يلجأ إلى الهروب، فيجب علينا إذاً تشكيل حياتنا وملؤها بما نحب من أنشطة إنتاجية واستثمار للوقت في بناء شبكة اجتماعية داعمة ومشجعة.

لذا فإن عقاب المدمنين والزج بهم في السجون- بدلاً من العلاج- لا يفيدهم، بل يبني المزيد من الحواجز بين المدمن والمجتمع، وبالتالي يجعل التخلي عن تلك العادة أصعب، حيث سيلجأ إليها للتأقلم مع هذا العزل.

15 دقيقة تنويرية كانت كفيلة بإضاءة مناطق مبهمة عن طبيعة الإدمان وأسبابه، والتفهم بدلاً من الإبعاد وإطلاق الأحكام المعهودة على المدمنين. لست من أهل الاختصاص أو ذوي الخبرة في هذا المجال، وبالتأكيد هنالك العديد من الآراء الطبية والنفسية الأخرى التي قد تتفق أو تتعارض مع المادة المعروضة في هذه المحاضرة، لكن يبقى أنه حوار ثري ووجهة نظر تحتمل الكثير من الصحة وتستحق التوقف عندها.

back to top