د. عمر الدوسري و«المسألة الاجتماعية في الكويت» (8)

نشر في 18-05-2017
آخر تحديث 18-05-2017 | 00:10
 خليل علي حيدر في استعراض د. عمر أبا الخيل الدوسري للقوى السياسية والجماعات المؤثرة في الواقع الكويتي بعد الاستقلال خاصة، كالتجار والتيار الإسلامي والتيار القومي والشيعة والقبائل، يتحدث عن "الطبقة العمالية" فيقول إنه "لا وجود للطبقة العمالية بين المواطنين في الكويت كما هو معروف سياسياً في بعض الدول، وإنما كانت هذه الطبقة موجودة قبل ظهور البترول من أصحاب الحرف والمهن التي كان يمارسها الكويتيون سابقاً".

وبسبب غياب الطبقة العاملة أو ضعف ظهورها، يضيف، "برزت الطبقة الوسطى"، والسبب في عدم ظهور الطبقة العمالية الكويتية، كما هو معروف، الاعتماد على العمالة القادمة من الخارج، التي تولت معظم الأعمال الإنتاجية في قطاع النفط وغيره، وقد أدى ذلك إلى "عدم ظهور التنظيمات والنقابات العمالية في أول الأمر أو كما هو واضح في السنوات التي تلت الاستقلال، وبالتالي تأخر دورها في التأثير على الجماعات والتنظيمات السياسية والاجتماعية المختلفة".

ولا أعرف إلى أي مدى يرضي هذا الحديث الكويتيين المشاركين في العمل النقابي والنشاط العمالي خلال الستينيات والسبعينيات مثلا، ولكن د. الدوسري يرى، فوق ذلك، أن جانباً من وعي الطبقة العمالية في الكويت بحقوقها على الأقل، نجم عن احتكاكها بالعمال غير الكويتيين، ويقول: "كان لاحتكاك العمالة الكويتية العاملة في القطاع النفطي مع العمالة العربية والأجنبية أثره في تطور مفاهيم المطالبة بالحقوق العمالية لدى العمالة الوطنية، والتي تشمل الاعتصامات والإضرابات وتشكيل النقابات العمالية لمزيد من الحقوق والمكتسبات الدستورية والقانونية".

وكان لاستقلال الكويت بشكل عام أثره المعروف في تطور ونضج مختلف القوى، و"في ظهور عدة جماعات ذات مرتكزات اجتماعية ومذهبية وسياسية"، وبعد الاستقلال تشكل المجلس التأسيسي لوضع الدستور، وقد تكوّن من عشرين عضواً منتخباً، منهم سبعة من التجار، واثنان من القوميين العرب، وستة من أبناء القبائل، وواحد من وجهاء القرى واثنان من الشيعة، ومستقلون من المناطق الحضرية. كما ضم المجلس التأسيسي أحد عشر عضواً من الأسرة الحاكمة بوصفهم وزراء، وقد كانت المناقشات في ذلك المجلس علنية ومثيرة للاهتمام، كما تشير الوثائق البريطانية في عام 1962".

وبعد وضع الدستور عام 1962 وانتخاب أول مجلس أمة في 1963 حيث تشكل من خمسين عضواً ضم إلى جانب الأسرة الحاكمة والتجار مختلف الفئات الأخرى، وكل فئة، يقول د. الدوسري، كانت لها توجهات مختلفة سياسية أو دينية أو غيرها، ويضيف: "أما الشيعة والبدو فكانا يعتبران مواليين للحكومة، والتجار والمستقلون يميلان إلى المعارضة حيناً وإلى الحكومة حيناً آخر، وذلك وفقاً للقضية التي كانت تناقش في ذلك الوقت، وبذلك حدث تنوع داخل البرلمان لم تشهده الحياة السياسية قبل الاستقلال، حيث كانت المشاركة السياسية مقتصرة على أسرة آل الصباح الحاكمة، ومجموعة من التجار الذين انحصر دورهم في الاستشارة وليس التشريع، وأتيحت الفرصة أمام مجموعات المجتمع المختلفة في التأثير في الأحداث".

ويتناول الكتاب على امتداد صفحات عديدة صراع التيارات والمصالح داخل البرلمان وخارجه، وتنامي التوجهات السياسية، ومنها مواقف شريحة التجار وحركة القوميين وانقساماتها اللاحقة بعد 1967، وانضمامها إلى معسكر الشيخ "جابر العلي" وانضمام مجموعة من نواب القبائل بتأثير من الشيخ جابر العلي إلى المعارضة، وصدور القرار بحل المجلس في أغسطس 1976 ثم عام 1986، والصدام بين المعارضة بقيادة التيار القومي والحكومة، وإصدار التيارات المعارضة بياناً مضاداً لحل المجلس، واعتقال السيد جاسم القطامي.

وقد ظل التيار القومي، يقول د. الدوسري، "حتى بعد قرار الحل هو من يقود المعارضة، وهذا يؤكد اتساع حجم التأييد الذي يلقاه هذا التيار، في مقابل السخط الكبير من قبل النواب على الأداء الحكومي تجاه مجمل القضايا".

وعن النشاط البرلماني "للإسلاميين السنة" و"الظهور المتأخر" لهم، كما يقول الباحث، يفسر د. الدوسري نجاح الإسلاميين من إخوان وسلف في انتخابات عام 1981 بـ"سعي الحكومة إلى إيجاد قوى مقاومة لجماعة القوميين العرب المتحالفة مع الشيخ جابر العلي". إذ نجح اثنان من الإخوان واثنان من السلف، وفي انتخابات 1985 حقق الإسلاميون نجاحا مماثلا، كما "تمكن الإخوان من الدخول إلى القبيلة عن طريق ممثلهم مبارك الدويلة الرشيدي".

ويضيف د. الدوسري أن هذا الفصل التشريعي السادس شهد تعاوناً واضحا بين التكتل الديمقراطي والإسلاميين المعتدلين، وهذا ما صرح به النائب الإسلامي د. عبدالله النفيسي حين قال: "نحن نركز على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية، ونحن متفقون تقريباً على كل القضايا باستثناء قضية الدين، حيث يود أصدقاؤنا التقدميون أن تبقى حبيسة المساجد فقط".

ويستعرض الباحث تفاصيل أخرى حول الإسلاميين الشيعة والقبائل، ففي انتخابات عام 1963 يقول، "بدا الحضور الشيعي واضحا في الدائرتين الانتخابيتين الأولى والسابعة، حيث تمكن خمسة مرشحين شيعة من الوصول إلى قبة البرلمان من أصل 27 مرشحاً خاضوا المعركة الانتخابية". وعن العلاقة مع الحكومة يقول إن النواب الشيعة وقفوا "في صف الحكومة في جميع الأزمات التي واجهتها". وفي انتخابات 1975، يضيف، "حقق المكون الشيعي أعلى نسبة تمثيل في تاريخ المجالس النيابية في الكويت بوصول عشرة مرشحين منه دفعة واحدة، وهذا الحضور الشيعي الكبير في البرلمان تُرجم سياسيا باختيار أمين سر لمجلس الأمة منهم، ودخول النائب عبدالمطلب الكاظمي في الحكومة وزيراً للنفط، فكان أول وزير شيعي".

وكان الوسط الشيعي قد شهد خلال السبعينيات، 1970 وما بعدها، اشتداد الاختلاف بين التيار الشيعي التقليدي والزعامات الموروثة، وبين الشرائح المتعلمة، حيث ظهرت مجموعة من المثقفين الشيعة عرفت بمجموعة "ديوانية الشباب"، يقول د. الدوسري، إن من أبرز وجوهها كان السيد عدنان عبدالصمد وباقر أسد وحامد خاجة وعلي الموسى وعبدالمجيد الأستاذ وإبراهيم اليوسف. وقد اهتمت هذه المجموعة بزيادة حجم المشاركة السياسية للطائفة الشيعية في البرلمان، وتوعية أبناء الطائفة الشيعة بأهمية العمل على تحقيق مصالحهم من خلال القنوات القانونية التي نص عليها الدستور، ويعود الفضل لنشاطها الاجتماعي المتمثل بزيارات دورية لدواوين وجهاء وأعيان الطائفة الشيعية، وإقامة الندوات والمنتديات العامة، إلى استقطاب أعداد كبيرة من الشباب الشيعة المثقفين وضمهم إلى هذا المجموعة، وقد أدت المجموعة نفسها، يضيف د. الدوسري، دوراً فيما يتعلق بانتخابات المجلس البلدي عام 1975، "حيث شاركت في تبني وإعداد أول انتخابات فرعية تجريها الطائفة الشيعية".

ويقول إنه مما أكسب المجموعة شعبية إضافية تبنيها المطالبة بتقنين الأحوال الشخصية عام 1976 مع إبداء قلقها من إهمال المذهب الجعفري في القانون الجديد.

تأثر الحراك الشيعي كما هو معروف بالثورة الإيرانية وأفكارها السياسية والدينية، وبالأجواء الطائفية التي أفرزتها الحرب العراقية الإيرانية.

كان النواب الشيعة التقليديون غير مؤدلجين وغير متعصبين لنظريات عقائدية وغير معارضين للسلطة، مما جعلهم أهدافاً مكشوفة لخصومة بعض الرموز والنخب السنية والشيعية على حد سواء. يقول د. الدوسري: "في أول انتخابات نيابية جرت بعد عودة الحياة النيابية عام 1981م قام الناخبون الشيعة باستبدال جميع المرشحين السابقين برموز جديدة ليس لها ارتباطات مع السلطة، وقد كان واضحاً سيطرة الاتجاه الديني على الوسط الشيعي، حيث كان عدد الشيعة الواصلين للبرلمان أربعة نواب، ثلاثة منهم يمثلون التيار الديني الشيعي، كما كان للثورة الإيرانية تأثير على بعض الشيعة الكويتيين فقدموا أنفسهم على أساس طائفي بعيداً عن الموالاة الحكومية".

ولا يتضمن هذا الفصل دراسة اجتماعية للمكون الشيعي وظروف تفاعله، ربما لضيق المجال كما ذكرنا. غير أن الدوسري يعتبر الشيعة "أكثر القوى السياسية تنظيماً"، ويضيف شارحاً: "بالرغم من أنها لا تبدو كذلك في الظاهر، إلا أنها تقوم على التضامن والتكاتف في جميع المجالات، والعمل بأسلوب تحديد الهدف والوصول إليه".

ولكن هل الشيعة كتلة واحدة حقاً؟ يقول: "إن هناك اختلافا في أصول الشيعة الجغرافية، إلا أنهم جميعا مرتبطون برباط الطائفة الدينية، ويتزوجون من بعضهم".

ثم ينتقل د. الدوسري إلى كتلة أبناء القبائل، والتي يسميها "القوة النائمة"، وسنرى في المقال القادم كيف ينظر إليها.

back to top