لعبة ترامب في السياسة الخارجية

نشر في 13-04-2017
آخر تحديث 13-04-2017 | 00:11
طوال ست سنوات تقريباً وقفت الولايات المتحدة في عهد أوباما مكتوفة اليدين، فيما راح الأسد يذبح شعبه ببركة موسكو وطهران على حد سواء، وبُذلت الجهود للتوصل إلى حل دبلوماسي إلا أنها أخفقت لأن بوتين لم يشأ التخلي عن الأسد، فوجد ترامب فرصة لعقابه بعد استخدامه الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين.
 شبيغل قد يتبيّن أن قرار ترامب قصف سورية صائب، لكنه لا يملك حتى اليوم سياسة واضحة، وتحمل مقاربته مخاطر عدة، منها الرئيس نفسه.

طوال ست سنوات تقريباً، وقفت الولايات المتحدة في عهد أوباما مكتوفة اليدين، فيما راح الأسد يذبح شعبه ببركة موسكو وطهران على حد سواء، بُذلت الجهود للتوصل إلى حل دبلوماسي، إلا أنها أخفقت برمتها لأن بوتين لم يشأ التخلي عن أهم حليف له في الشرق الأوسط.

عاد ترامب اليوم إلى الطريقة الأميركية المعتادة: بدل الكلام لجأ إلى القنابل وعاقب الأسد على الاعتداء بالأسلحة الكيماوية الذي يتحمّل هذا الحاكم المستبد مسؤوليته على الأرجح.

تنبع الشدة الأميركية الأخيرة من الافتراض أن الروس والإيرانيين لن يقدّموا أي تنازلات إلا إذا برهن الغرب أنه ليس "ضعيفاً" وأنه يستطيع الضرب بالقوة ذاتها مثلهم، فضلاً عن أنه مستعد لتصعيد الصراع السوري.

إذا سارت الأمور على خير ما يُرام، يُفترض أن يخيف رد ترامب الأسد، وروسيا، وإيران ويدفعهم إلى القبول بحل يقوم على التفاوض وينهي نظام الأسد. في سيناريو مماثل قد يكون مفيداً أن بوتين رأى في البداية في عهد ترامب فرصةً لتحسين العلاقات مع واشنطن وإنهاء العقوبات المؤلمة، ومن الممكن أيضاً أن يساهم تأثير أوروبا المعتدل، وخصوصاً من جانب ميركل، في دفع المسائل في هذا المسار.

أما إذا لم تسر الأمور وفق المرجو، فيزيد الأسد، وبوتين، والإيرانيون عنادهم، ولا شك أنهم لا يريدون الظهور بمظهر الضعيف في وجه اعتداء ترامب، لذلك من المحتمل أن يتركوا الأوضاع على حالها بدون أي تغيير، حتى إنهم قد يسعون إلى امتحان ترامب بغية معرفة الحد الذي قد يبلغه، ربما بتسليم مثلاً أسلحة جديدة إلى الأسد أو زيادة عدد "المستشارين العسكريين" في البلد. ما زال بوتين يحمل أوراقاً رابحة، فأمامه طرق كثيرة تتيح له تعقيد المسائل لترامب والغرب بإعادة إشعال الصراع الأوكراني المجمّد، مثلاً، وفتح مسرح عمليات جديد. على نحو مماثل تستطيع إيران بسهولة اللجوء إلى عمليات استفزاز مستهدفة ترمي إلى تصعيد الصراع المتواصل مع المملكة العربية السعودية، وهكذا يجد ترامب نفسه فجأة أمام عدد من مناطق الصراع الجديدة التي لم يصُغ لها رداً.

بغض النظر عما قد يحدث، كنا سنشعر براحة أكبر بالتأكيد لو أن رئيساً أميركياً آخر يشغل البيت الأبيض، ولكن من المؤسف أن علينا التعاطي مع ترامب، الذي لم يقدّم حتى اليوم أي دليل على أنه قادر على تطوير استراتيجية ذكية متماسكة وجادة. تُظهر التجارب السابقة أن التخطيط الهادئ لا يشكّل إحدى نقاط قوته، على العكس يميل ترامب إلى الاعتماد على حدسه ومزاجه ورغبته الجامحة في توسيع شعبيته. يشكّل مسار ترامب المتأرجح في سورية خير مثال لذلك، فقبل بضعة أيام وافقت الحكومة الأميركية من حيث المبدأ على بقاء الأسد في السلطة مع إعلان وزير الخارجية ريكس تيلرسون أن القرار يعود إلى الشعب السوري وتأكيد السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هالي أن "أولويتنا ما عادت الجلوس والتركيز على الإطاحة بالأسد". أعطى ترامب الانطباع أن حقوق الإنسان والإثنيات لا تشكل أولوية لإدارته، لكنه يريد اليوم فجأة أن يظهر بمظهر الفارس المنقذ، أضف إلى ذلك فائدة أن الضربات تبعد الأضواء عن إخفاقاته في السياسة الداخلية وعن اتهامات أن إدارته مقرّبة جداً من موسكو، وقد ترتفع شعبيته مؤقتاً، لكن الثقة بقدرته على إدارة أزمة مماثلة ما زالت بعيدة المنال.

في عهد ترامب تبدو السياسة الخارجية الأميركية مجرد لعبة، لكنها للأسف جادة جداً بالنسبة إلى سائرنا.

رولاند نيليس*

* «شبيغل»

back to top