البخل سرطان

نشر في 25-03-2017
آخر تحديث 25-03-2017 | 00:07
 تهاني الرفاعي داء يبدأ صغيراً ثم يكبر، إلى أن يتمكن من صاحبه فيرديه قتيلاً دون أن يشعر، يموت صاحبه وهو حي يرزق، يموت في نظر أولاده وأهله ومن هم حوله، يخسر الكثير دون أن يشعر، تماماً عكس ما يظنه هو عبر كنزه لماله وجمعه، فأموال البخيل في نظر الناس نجاسة.

لا شيء في هذه الحياة يضاهي العطاء بحب، فما بالك أن تكون مسؤولاً من شخص لا يعي حاجاتك، بل يرى احتياجك، ورغم إمكانياته وقدرته على مساعدتك لا يفعل، وقد يمنّ عليك أو يُذلك؟ هنا يكون للكرامة الدور الأكبر في أن يستغني المرء عمن احتاج إليه مرات عديدة وخذله في كل مرة.

هؤلاء البخلاء يعرفون للأسف طعم الفقر، لكنهم وبإرادة منهم يتلذذون باستمداد قوتهم من حاجة الناس إليهم.

يحضرني موقف بسيط لصديقة مات عنها والدها الذي شهد له كل من حوله بالبخل وقصر اليد، لم تكن حزينة عليه، بل لم تُبدِ أية ملامح تأثر، حتى إنها لم تترحم عليه، سألتها بفضول عن السبب، فكانت تردد: "من لم يعطكِ في حياتك فلا يستحق العطاء في مماته"... أسهبت كثيراً في حديثها عنه، وعن كل تلك المواقف الصعبة التي مرت بها معه، كنت بدوري مذهولة من أن تعاني ابنة مثلها لتاجر معروف، كانت فعلاً تجد صعوبة جدا في الترحم عليه، ليست هي فقط بل كل من كان حوله، فتيقنت حينئذٍ أن البخل لا يقتصر فقط على المال، بل في كل شيء، فيصعب على البخيل أن يحب، وأن يضحي، وأن يشعر بالآخرين، يتحول رأساً إلى كائن أناني "جداً" لا يفكر إلا في نفسه ومصلحته ورغباته هو ضارباً بغيره ومن حوله عرض الحائط.

يعيش لنفسه، يرى أنه هو الأولوية والبقية لا تهم، يجد في كل عطاء بديهي أو فطري بطولة تستحق الذكر، لا يعرف للعطاء معنى سوى أن يكون مقروناً بمقابل، يصبح تدريجياً عديم الفائدة مهما تشدّق بين الناس بالعلم، تفوح منه رائحة منفرة جداً، لا يشمها هو لكنها فواحة يميزها كل من يتعامل معه، يشعر بعظمةٍ يستمدها من عدِّ دراهمه، يصدّق أنه فوق عرش وملك عظيم لا يصل إليه أحد، هو لا يعلم أن من أغناه قادر على أن يغني الناس عنه، وكما قيل: "المتكبر والبخيل مهما تكن مزاياهما، لا يستحقان الاهتمام".

هو لا يعلم أيضاً أن للناس كرامات لا تشبه كرامته التي لا عزة لها، فالبخيل شحاذ دائم، البخل كالإرهاب لا دين له يشتت أرواحاً ولا يجمع، يجعل صاحبه بلا قيمة تذكر، هو مرض عضال لا يستفيق منه صاحبه إلا بعد فوات الأوان.

back to top