أصيل!

نشر في 18-02-2017
آخر تحديث 18-02-2017 | 00:09
 دانة الراشد لا نرتضي لأنفسنا إلا أن نأكل من لحم العجل "الأصيل"، فما أنتن اللحم الأجنبي الكافر! ولا نقبل أن نلبس سوى "الأصلي" من الماركات العالمية، فما أقبح البساطة والعفوية! ولا نتزوج سوى "الأصيل" من جنس البشر، فنحن شعب الله المختار! ولا نستأنس سوى القطط "بنات الأصول"، فما أحقر قطط الشوارع! بل حتى دمى "الباربي"؛ لا نشتري منها سوى الأصيلة لصغيراتنا!

نبحث عن القيمة في الأسعار الخيالية لكماليات زادت حياتنا ثقلاً وتعقيداً بدلاً من تسهيلها، وكل ذلك في سبيل تحقيق "الواجهة الاجتماعية"، تفنُّناً في تشريح الوجوه وتحليلها لمعرفة مسقط رأسها ومدى "أصالتها"، فبدأت بذرة العنصرية المقيتة بالنمو منذ ذلك الحين.

السؤال الجدير بطرحه هنا هو: "ما– أو من- هو الأصيل"؟ هل هو فقط من شابهنا في التكوين الجيني والعرقي، وكان من "جماعتنا"؟ وهل نطلق نعت "الهجين" الغريب على كل من اختلف عنا ولم نألفه؟ أما السؤال الأجدر بالطرح فهو: هل المفاضلة على الأساس العرقي صالحة وصحيحة؟

فمن الجانب الديني نستقي أنه لا فرق بين أطياف البشرية جمعاء سوى في صلاح الأعمال، ومن الجانب البيولوجي، فإن العلوم الحديثة أثبتت أن ذلك "الهجين المختلط" يمتلك جينات أكثر صحة، فغالباً ما يكون أكثر ذكاءً وجمالاً، على عكس زواج الأقارب الذي قد ينتج عنه العديد من الإعاقات الذهنية والجسدية في الكثير من الأحيان.

أما من الجانب الاجتماعي فإن تعارف الشعوب وامتزاجها يثري الفرد، فتتسع آفاقه ويصبح قادراً على تفهم وتقبل وجهات النظر الأخرى، وإن اختلف معها، وبذلك تبدأ موجة العنصرية بالانحسار شيئا فشيئاً على أمل أن تتلاشى في يوم من الأيام... نتمنى ذلك!

أرى أن الأصالة الحقيقية هي التفرد في الفكر والقدرة على إبداع ما هو جديد، وعدم الخوف من التميز عن الآخرين بالأفكار والسلوك الشخصي عوضاً عن التقليد المدعم بالخوف، فالأصالة هي ممارسة صرفة للحرية وحقك الشرعي بأن تكون كما تحب.

حياتنا ستكون أكثر عفوية وجمالاً دون جدران التمييز وتعقيدات الفرز الجيني، فلنترك عنا هوس الأصل والفصل، فنحن لسنا خيولاً!

back to top