محمد الحديني يسرد تفاصيل حكاية «خارج أضلاع الدائرة»

مجموعته القصصية مفعمة بالتشويق والغرابة إضافة إلى الترميز

نشر في 19-01-2017
آخر تحديث 19-01-2017 | 00:00
غلاف «خارج أضلاع الدائرة»
غلاف «خارج أضلاع الدائرة»
يقدم القاص محمد الحديني نصاً محكم البناء لغوياً وفنياً في مجموعته القصصية «خارج أضلاع الدائرة».
يمزج القاص محمد الحديني بين الترميز والغرابة في حكايات مجموعته القصصية «خارج أضلاع الدائرة» الصادرة عن دار النابغة للنشر والتوزيع.

ويسرد الحديني حكاياته عبر لغة جميلة خالية من التراكيب المعقaدة مضمرة بالتركيبة الفنية الدلالية الموحية بكثرة الاحتمالات للقارئ.

يستهل الحديني مجموعته القصصية «خارج أضلاع الدائرة» بنص يعزف على وتر المشاعر بعنوان «عشق غير ممنوع»، ويقدم من خلال النص احتمالات متنوعة للقارئ يستطيع قراءته أو تفسيره بطرق مختلفة، لا سيما أن الحديني أتقن صياغة النص بكثافة واختزال كبيرين، إذ حرص على التركيبة الدلالية لهذا الجنس الأدبي الذي يحتاج إلى مواصفات فنية خاصة جدا للنجاح وتحقيق التفاعل مع المتلقي.

وخلال النص يقول الحديني «مبكراً ووحيداً ينام، الشريد على مقربة من محل بيع الملابس النسائية، ساعته البيولوجية دائماً منضبطة على موعد الفتح، سعادة غامرة تجتاحه، وهو يتبادل تحية الصباح مع المانيكان الشقراء المنتصبة خلف الواجهة الزجاجية والتي تفاجئه برداء جديد كل يوم».

وفي نص آخر يحمل دلالات عميقة ويسبر عالم السياسة وعنوانا بالأرقام، ويقول في نص «2051»: «وعدهم بالكثير فانتخبوه. يوم الولاء، تجمعوا رافعين لافتات تحمل مطالبهم، خرج عليهم ممسكا كرة قدم بيمينه وريموت كنترول بيساره، لم يحدثهم... رمى الكرة عالياً بينهم، تفرقوا إلى مجموعتين، انقسمت الأولى إلى فريقين لها وراء الكرة. أما الثانية، فتعلقت عيون أفرادها بالشاشة الضخمة التي تعرض مسلسلاً» خلال هذا النص يعتمد الحديني على فكرة فرق تسد لإيصال فكرته، فرغم أن الناس توحدوا في اختياره ممثلا لهم يحقق أمنياتهم وأحلامهم، فإنه هو الذي سعى إلى غرس ثقافة التفرقة بينهم، تاركا للقارئ تفسير ما سيجري عقب ذلك مغلقا نصه بكلمة مسلسل، وكأنه يفتح أبواب التأويل عبر تخمين حكاية المسلسل التي ربما تكون نهايتها معروفة أو يشير إلى أن بداية المسلسل وعلى المتلقي متابعته طالما أن الريموت كنترول بيد بطل الحكاية.

حوض زجاجي

خلال نص «توحد 1» يقدم المؤلف نصا مختزلا جدا يركز فيه على الأضداد عبر المفردات، ومنها «اشتعل» و«فلاشات» و«الظل»، لإيصال فكرة أنه ربما يكون التوجه خلفه عتمة أو عملية احتراق، كما يريد إيصال أن ليس كل ما يلمع ذهبا، وفي الجزء الثاني من النص «توحد 2»، يفسر بعض ملامح حكاية الجزء الأول، ويقول فيه: «أحبته وأحبها، اتفقا على الارتباط، تقدم لخطبتها رفضه أهلها... افترقا... أضحت وحيدة. لم يؤنس وحدتها إلا قفص به عصفور رمادي، يتراقص على وقع قفزات، تحدثها سمكة ملونة، تسبح داخل حوض زجاجي».

على رصيف منزو في شارع مظلم، رسم سريراً وثيراً. على حائط المبنى المتهدم، أكمل رسم باقي محتويات الغرفة. استلقى مستمتعاً. بعد لحظات، بدا عليه التأفف. الوقت يطول، وقد ضغط على الزر، ولم يأته موظف خدمة الغرف بإفطاره الشهي.

طرح سياسي

وفي السياسة، يرصد القاص الحديني عبر مجموعته أحداثا متنوعة، عبر جمل مختزلة ومفردات موحية جدا، وخلال نص «تدجين» يتتبع حكاية سياسي معارض ملأ الدنيا بخطبه العصماء وتصريحاته النارية لسنين طويلة، لكنه بمجرد أن لوحت له اليد الكبيرة، سال لعابه... أكل لسانه وصار نباتيا.

ومن النصوص الجميلة: «اشترى السياسي الشهير ببغاءً نادراً متعدد الألوان. وضعه داخل قفص متأرجح في أحد أركان غرفة الاجتماعات. لم يكن قادراً على الكلام. كان فقط يقلد صوت القردة كلما امتلأت الغرفة بالضيوف».

عوالم افتراضية

بدوره، يقول د. مسلك ميمون في مقدمة الإصدار عن المجموعة القصصية إن القاص محمد الحديني يكتب انطلاقا من الخيال الفني، بغية إثارة ذهنية التخييل السردي لدى المتلقي، علما أن السيميوطيقا في تعاملها مع هذا تنطلق من نظرة العوالم الممكنة والاعتقادية، والتي من المفروض أن يكون لها تجاوب الواقع الحقيقي، وذلك بربط العبارة بعوالمها الافتراضية والإحالية والمرجعية التي نهاية المطاف يوجد لها نظير أو مقابل أو شبيه في الواقع، لما يستطيع المتلقي اكتشافه من خلال اللغة التخيلية والإحالية.

وأشار ميمون إلى أن المجموعة القصصية «خارج أضلاع الدائرة»، وهي الرابعة للقاص محمد الحديني، وإصداره جاء مختلفا وغير متداول بشكل كبير في نطاق السرديات القصيرة الموجودة التي طغي عليها التقليد والتنميط، ويمكن توصيف القصص في هذا المجموعة، كالتالي أولا المعنى الكامن، وثانيا التضمين، وثالثا جعل المألوف غريبا، ورابعا التخييل.

لحظة الميلاد باتت وشيكة

من أجواء النصوص المنشورة حكاية «مريم» التي يقول فيها الحديني: «لحظة الميلاد باتت وشيكة... الجميع على متن القارب يجهز لها... ريح مفاجئة تحمل نسائم غير مألوفة، تجتذبهم. الأم تصرخ... لا يعيرونها انتباها... يوجهون الدفة تجاه مياه لا تخصهم... سلاسل ذهبية تطفو على سطحها، تغريهم... بمجرد أن قفزوا نحوها، استحالت إلى أصفاد دامية ثقيلة... كلبتهم... أغرقتهم... استنهضت الأم نفسها... رفعت العلم، لبت الريح النداء... أضيئت الشموع وتحركت عقارب الساعات».

وفي نص آخر، بعنوان» دائرة» جاء: «حول المائدة العامرة وقفت معهم نحتفل بإتمام عامي الخامس والخمسين... لا أدري لماذا ألقيت نظرة على الصورة المعلقة على الحائط المقابل... أدركت ساعتها، لماذا يجمعون على أنني الأكثر شبها بجدي الذي احمل اسمه... أفقت من شرودي، على صوت والدي ذي الثمانين ربيعاً، يخاطبني قائلا: «أبي، أريد قميصا جديداً».

back to top