«مقعد الصداقة»... علاج فاعل في محاربة الأمراض العقلية

نشر في 14-01-2017
آخر تحديث 14-01-2017 | 00:00
No Image Caption
كشفت دراسة جديدة في زيمبابوي أن علاج «مقعد الصداقة» أثبت فاعليته في معالجة الاكتئاب والقلق واضطرابات شائعة أخرى على مستوى الصحة العقلية.
تقع منظمة «مقعد الصداقة» في مقرّ عيادات صحية في أنحاء مدينة «هراري» وفي مدن كبرى أخرى من زيمبابوي، وتديرها عاملات في المجال الصحي يُعْرَفْن باسم «الجدّات» الاجتماعيات. تدرّبت تلك النساء على دعم المرضى المصابين بالقلق والاكتئاب ومشاكل عقلية أخرى والإصغاء إليهم.
تثبت دراسة جديدة أن علاج «مقعد الصداقة» المبتكر يستطيع تحسين حياة ملايين المصابين بمشاكل عقلية في البلدان التي تبقى فيها العلاجات محدودة أو غائبة بالكامل.

بفضل منظمة «التحديات الكندية الكبرى»، موّلت الحكومة الكندية تجربة عشوائية أجرتها جامعة زيمبابوي ومدرسة لندن للصحة والطب الاستوائي وكلية لندن الملكية. بعد ستة أشهر على المشاركة في ست جلسات أسبوعية من «علاج حل المشاكل» استناداً إلى مبادرة «مقعد الصداقة»، اكتشف الباحثون أن المشاركين سجّلوا اختلافات بارزة على مستوى حدّة الاكتئاب والقلق والأفكار الانتحارية بناءً على استبيانات حول الاكتئاب والقلق، بما فيها «استبيان أعراض شونا» و«استبيان صحة المرضى» ومقياس «اضطراب القلق العام».

لوحظ أن المرضى الذين كانوا مصابين بالاكتئاب أو القلق وتلقّوا علاج حل المشاكل عبر «مقعد الصداقة» كانوا أقل عرضة لمواجهة أعراض الاكتئاب بثلاث مرات على الأقل بعد مرور ستة أشهر مقارنةً بالمرضى الذين تلقوا رعاية نموذجية بحسب نتائج الدراسة. كانوا أيضاً أقل عرضة لأعراض القلق بأربع مرات والأفكار الانتحارية بخمس مرات مقارنةً بالمجموعة المرجعية بعد فترة المتابعة.

اكتشفت الدراسة أن أعراض الاكتئاب استمرت لدى 50% من المرضى الذين تلقوا رعاية نموذجية مقارنةً بـ14% من الأشخاص الذين تلقوا علاج «مقعد الصداقة» (بناءً على استبيان صحة المرضى).

قال الباحثون أيضاً إن أعراض القلق استمرت لدى 48% من المرضى الذين تلقوا رعاية نموذجية مقارنةً بـ12% من الذين تلقوا علاج «مقعد الصداقة» (بناءً على مقياس اضطراب القلق العام)، واستمرت الأفكار الانتحارية لدى 12% من المرضى الذين تلقوا رعاية نموذجية مقارنةً بـ2% ممّن تلقوا علاج «مقعد الصداقة» (بناءً على استبيان أعراض شونا).

تبيّن أيضاً أن علاج «مقعد الصداقة» يسمح بتحسين النتائج الصحية لدى الأفراد الأكثر ضعفاً بحسب ملاحظات الباحثين. كان 86% من المشاركين في الدراسة من فئة النساء مثلاً، وكان أكثر من 40% يحملون فيروس نقص المناعة البشري، واختبر 70% منهم شكلاً من العنف المنزلي أو مرضاً جسدياً.

شارك المشرف الأساسي على الدراسة، الدكتور ديكسون شيباندا، طبيب نفسي استشاري في «هراري»، في تأسيس شبكة «مقعد الصداقة» رداً على النقص الفادح في العلاجات المثبتة للمصابين باضطرابات عقلية في زيمبابوي، علماً أنها مشكلة شائعة في أنحاء إفريقيا.

يعاني نحو 25% من المرضى في زيمبابوي الذين يتلقون رعاية صحية أولية من الاكتئاب والقلق واضطرابات عقلية شائعة أخرى، لكن تشمل زيمبابوي 15 مليون نسمة وفيها 10 أطباء نفسيين و15 عالِماً نفسياً عيادياً فقط.

أوضح شيباندا: «تفرض الاضطرابات العقلية الشائعة عبئاً ثقيلاً على جميع البلدان في إفريقيا جنوب الصحراء. تطوّر برنامج «مقعد الصداقة» استناداً إلى أكثر من 20 سنة من البحوث الاجتماعية ويسمح للناس بتحسين قدرتهم على التكيّف مع وضعهم والسيطرة على حياتهم عبر تعليمهم طريقة منتظمة لتحديد المشاكل وإيجاد حلول فاعلة».

بعدما قدّمت منظمة «التحديات الكندية الكبرى» تمويلاً بقيمة مليون دولار في وقتٍ سابق من هذه السنة، توسّع مشروع «مقعد الصداقة» منذ ذلك الحين كي يشمل 72 عيادة في مدن «هراري» و«غويرو» و«تشيتونجويزا».

بالتعاون مع البرنامج النفسي الذي وضعته منظمة «أطباء بلا حدود» في زيمبابوي، تعمل منظمة «مقعد الصداقة» على إنشاء أكبر برنامج شامل للصحة العقلية في إفريقيا جنوب الصحراء بحسب قول مؤسّسيه.

حتى اليوم، حصل أكثر من 27500 شخص على العلاج.

قال الدكتور بيتر سينغر، المدير التنفيذي في منظمة «التحديات الكندية الكبرى»: «في البلدان النامية، لا يستطيع نحو 90% من المصابين باضطرابات عقلية الحصول على أي علاج. نحتاج إلى مشاريع مبتكرة مثل «مقعد الصداقة» لسد الفجوة القائمة وزيادة نسبة المرضى الذين يتلقون العلاج من 10% إلى 90%».

أضافت الدكتورة كارلي سيلفر، نائب رئيس البرامج في منظمة «التحديات الكندية الكبرى»: «إذا كنت فقيراً أو مصاباً بمرض عقلي، تكون فرص حصولك على العلاج المناسب شبه معدومة في أجزاء كثيرة من إفريقيا. في زيمبابوي، بدأ الوضع يتغير بفضل مبادرة «مقعد الصداقة» التي تُعتبر أول مشروع قادر على توفير وسائل الرعاية بالصحة العقلية في أنحاء إفريقيا».

في عام 2017، سيركّز فريق العمل على توسيع هذا النموذج كي يصل إلى فئات سكانية ضعيفة أخرى، بما في ذلك الشباب واللاجئون. بالشراكة مع منظمة «سوليدار ميد» السويدية وغير الحكومية، ينوي الفريق توسيع نطاق تطبيق هذا النموذج في محافظة «ماسفينغو» ثم في مراكز اللاجئين في المرتفعات الشرقية على الحدود مع الموزمبيق.

معطيات

نُشرت الدراسة في مجلة «جاما» وامتدت بين سبتمبر 2014 ويونيو 2015 وشملت المعطيات التالية:

• اختير المشاركون من 24 عيادة للرعاية الصحية في «هراري» وقسّموا بين مجموعة علاجية (287 مشاركاً) ومجموعة مرجعية (286). بلغ عدد المشاركين الإجمالي 537 شخصاً.

• كان المشاركون كلهم في الثامنة عشرة من عمرهم على الأقل وبلغ متوسط عمرهم 33 عاماً.

• خضع المشاركون كلهم للتقييم وسجّلوا تسع درجات على الأقل ضمن «استبيان أعراض شونا» المؤلف من 14 درجة، علماً بأنه مقياس محلي للاضطرابات العقلية الشائعة بلغة الشونا المستعملة في الزيمبابوي. احتُسِبت التغيرات على مستوى الاكتئاب وفق مقياس «استبيان صحة المرضى» (الدرجة التاسعة).

• استثنت الدراسة مرضى حملوا نوايا انتحارية (أشخاص مكتئبون عيادياً ويحملون أفكاراً انتحارية ويخططون للانتحار)، ومصابين بالمرحلة الأخيرة من الإيدز، وأشخاصاً يتلقون رعاية نفسية راهناً، والحوامل أو النساء بعد الولادة بفترة تصل إلى ثلاثة أشهر، وأشخاصاً مصابين بالذهان والتسمم و/أو الخرف (أُحيل هؤلاء المرضى إلى عيادة أعلى مستوى في «هراري»).

• تلقّت المجموعة المرجعية رعاية نموذجية (تقييم الممرضات، استشارة داعمة قصيرة، أدوية، إحالة إلى عالِم نفس عيادي و/أو طبيب نفسي، دواء «فلوكسيتين» إذا كان مكفولاً)، فضلاً عن حملة توعية حول الاضطرابات العقلية الشائعة.

• اجتمع المشاركون في المجموعة العلاجية على مقعد خشبي في عيادات تابعة للبلدية مع عاملات مدرّبات في المجال الصحي («الجدّات»)، فقدّمْنَ لهم علاج حل المشاكل عبر ثلاثة عناصر: انفتاح العقل، وتشجيع الأفراد، وتقويتهم بدرجة إضافية.

• امتدّت الجلسات الأسبوعية التي تدوم طوال 45 دقيقة على ستة أسابيع، وكان يمكن المشاركة أيضاً في برنامج دعم جماعي واختياري يمتدّ على ست جلسات.

• استعملت «الجدّات» هواتف خلوية وحواسيب لوحية للحصول على دعم أهل الاختصاص. كذلك استعمَلْنَ منصة سحابية دمجت بين تدريبات مشروع «مقعد الصداقة» وفحوصه وخيار إحالة المرضى والمتابعة الصحية.

• بعد ثلاث جلسات فردية، طُلب من المشاركين الانضمام إلى مجموعة يقودها نظراؤهم واسمها «حلقة كوباتانا توز» أو «يداً بيد»، وقدّمت الدعم عبر رجال ونساء استفادوا سابقاً من مبادرة «مقعد الصداقة». خلال تلك الاجتماعات الأسبوعية، تقاسم الناس تجاربهم الشخصية تزامناً مع حياكة حقائب مصنوعة من مواد بلاستيكية أُعيد تدويرها. كانت المهارة الأخيرة توفّر المداخيل للمشاركين.

برنامج «مقعد الصداقة» تطوّر استناداً إلى أكثر من 20 سنة من البحوث الاجتماعية

«مقعد الصداقة» يسمح للناس بتحسين قدرتهم على التكيّف مع وضعهم والسيطرة على حياتهم
back to top