أَعِد بناء «جدار الدفاع» في جسمك!

نشر في 17-12-2016
آخر تحديث 17-12-2016 | 00:03
No Image Caption
يشكّل جهاز المناعة أول خط دفاعي عن الجسم، لكنه يضعف مع التقدم في السن. كيف يمكن أن نعيد بناء هذا الجدار الدفاعي وما هي أبرز التوصيات الطبية التي يمكن الاستفادة منها في هذا المجال؟ ولكن أولاً لنتعرّف إلى طريقة عمل جهاز المناعة.

كيف يعمل جهاز المناعة؟

تشير مناعة الجسم الفطرية إلى أول نظام دفاعي يتصدى للكائنات الدخيلة والخلايا الضارة والمتبدّلة مثل الخلايا السرطانية. يتطلب أول جزء من جهاز المناعة الفطرية وجود حواجز سليمة مثل البشرة وبطانات الأغشية الداخلية المعروفة بالطبقات الظهارية في الأمعاء، فضلاً عن الرئتين والجهاز التنفسي الأعلى (أنف، جيوب أنفية، حلق) والبطانة الداخلية للمثانة. تمنع هذه الحواجز المنيعة الكائنات الغريبة والسموم من الدخول إلى الجسم.

تنتج تلك الأغشية مركّبات دفاعية تعزّز الإفرازات الدهنية التي تظهر على البشرة، والعرق، والمخاط الذي تصنّعه بطانات الخلايا الظهارية. هذه العناصر الدفاعية معروفة باسم الغلوبولين المناعي، ومصنوعة من خلايا متخصصة تقع داخل أغشية الحواجز أو في جوارها (يتألف معظمها من خلايا الدم البيضاء).

ينشأ الغلوبولين المناعي الإفرازي «أ» في معظمه ضمن مساحة 10 أمتار داخل الأمعاء الدقيقة لدى الراشدين.

يبدأ إنتاجه لدى المولود الجديد في اللبأ، أي حليب الأم الأصلي. على مرّ حياتنا، يشكّل الغلوبولين المناعي الإفرازي «أ» جزءاً أساسياً من الآلية الدفاعية الفطرية. تبرز عناصر أخرى من جهاز المناعة الفطري، من بينها خلايا الدم البيضاء غير المحددة والمعروفة بالخلايا البالعة علماً بأنها تتنقل عبر مجرى الدم وأنسجة الجسم تزامناً مع تغليف الكائنات الدخيلة وامتصاص الخلايا المتضررة والسامة.

لكن تنتج خلايا الدم البيضاء الأخرى مواد كيماوية تسبب الالتهاب، فتجذب نسبة إضافية من الخلايا الدفاعية التي تحمل الدم، والخلايا التي تشكل الأنسجة الندبية، والأوكسجين، والمغذيات لتسريع الشفاء في المنطقة المصابة.

يشكّل الالتهاب جزءاً أساسياً من خطتنا الدفاعية وعملية الإصلاح الداخلية إلى أن يصبح مفرطاً أو ينشأ في مكان خاطئ. وتدافع تلك الآليات عن الجسم عبر التعرّف إلى الخلايا السرطانية والقضاء عليها.

ماذا عن المناعة التكيّفية؟

من خلال إنتاج أنواع معيّنة من خلايا الدم البيضاء، تستهدف المناعة التكيفية بعض الالتهابات المحددة والمواد السامة وتشكّل جزءاً حيوياً من التفاعلات المرتبطة بالحساسية.

تنشط الخلايا التائية والبائية في المناعة التكيفية لكن لا يتابع الجسم إنتاج خلايا الدم البيضاء إلى الأبد.

مع التقدم في السن، تتراجع أعداد الكريات البيض بعد تباطؤ إنتاجها. تُصنِّع الخلايا البائية عناصر الغلوبولين المناعي المعروفة بالأجسام المضادة، وهي مركّبات أساسية للتعرف إلى أشكال جزيئية محددة (مستضدات) تقع على الجراثيم والفيروسات والسموم وكائنات دخيلة أخرى. تَعْلَق تلك الأجسام المضادة داخل المستضدات وتسبب أضراراً في جدار الخلية أو تجذب خلايا دم بيضاء أخرى مثل الخلايا التائية لتغليفها.

تتعرّف مستقبلات متخصصة إلى الخلايا التائية التي تصنّعها الغدة الزعترية. وتتعدد وظائف هذه الخلايا كونها تساعد أجزاءً أخرى من جهاز المناعة، وتهاجم الخلايا السرطانية مباشرةً، وتجدّد توازن الرد الدفاعي على العناصر الدخيلة كي لا يكون عدائياً بشكل مفرط، وتؤثر في نشاط خلايا الذاكرة.

مع التقدم في السن، يُصنّع الجسم نسبة إضافية من خلايا الذاكرة التي «تتذكّر» المستضدات الفردية وترسل إشارات كيماوية إلى الكريات البيض، ثم تدفعها إلى البدء بتصنيع الأجسام المضادة.

لماذا تُضعِف الشيخوخة المناعة؟

مع التقدم في السن، تتدهور الخلايا المناعية تدريجاً ويصبح الجسم أقل قدرة على محاربة الالتهابات أو التعرف إلى الخلايا المتضررة والسرطانية والشائبة. يحارب جدار الأمعاء الظهاري لإبعاد 100 تريليون جرثومة معوية مثلما تدافع البشرة عن الجسم في وجه الالتهابات والسموم الكيماوية التي نتعرّض لها يومياً.

لكن حين تضعف وظيفة هذه الحواجز، يصبح جهاز المناعة الثانوي مثقلاً بالأعباء. كذلك تخسر خلايا الدم البيضاء التي تغلّف مسببات الأمراض والخلايا المضطربة جزءاً من آليات التحكم الخاصة بها كتلك التي تصحّح إنتاج العناصر الدفاعية المسؤولة عن كبح الالتهابات.

على مرّ الحياة، يُجَمّع جهاز المناعة خلايا الذاكرة ويتعامل مع كمّ هائل من الالتهابات يومياً، من ثم تزداد كمية خلايا الذاكرة التي ننتجها مع مرور الوقت في مقابل تراجع مستوى الخلايا التائية والبائية التي تنشط في العادة لمحاربة أي عدوى جديدة.

في مرحلة معينة، تتوقف ردود الفعل المناعية لأن المناعة تفترض أن خلايا الدم البيض غير فاعلة فتفكّكها. تترافق هذه العملية مع خسارة جزء من خلايا الذاكرة، ما يجعلنا أكثر عرضة للالتهابات التي كنا نستطيع مقاومتها.

تترافق مرحلة الشيخوخة أيضاً مع زيادة تعرّضنا للفيروسات غير الخطيرة عموماً، لكنها تتسلّل إلى الخلايا ويعجز جهاز المناعة عن رصدها. هذه الفيروسات ليست عدائية بشكل خاص، لكنها تصبح خامدة ولا تسمح الدفاعات القائمة بين الخلايا بتكاثرها.

لكن قد تنشط تلك الفيروسات مع التقدم في السن، فتجتاح جهاز المناعة وتؤثر في دفاعاتنا المضادة للسرطان. في هذه المرحلة أيضاً، يركّز جهاز المناعة بشكل مفرط على الكائنات القائمة بين الخلايا وتضعف قدرته على مهاجمة أي كائنات جديدة. تتراجع أيضاً قدرته على رصد التهابات جديدة لأن الالتهاب الدائم يغيّر خصائص آليات المناعة المعقدة.

كيف نعكس هذه العملية الضارة؟

بالإضافة إلى تجنّب السموم البيئية ومسببات الحساسية قدر الإمكان، يمكنك أن تتخذ خطوات فاعلة للحفاظ على «شباب» جهاز مناعتك:

تناول منتجات ملوّنة: حاول أن تستهلك كمية كبيرة من الخضراوات الملونة (حمراء، خضراء، برتقالية...). كذلك تساهم الفئة الغذائية التي تشمل البصل والثوم والكراث في التحكم بعامل نخر الورم ألفا لإبقاء وظيفة خلايا الدم البيضاء معتدلة، كذلك تنتج مستويات مناسبة من الغلوبولين المناعي. يضمن بروتين الأنترلوكين، إذا كانت مستوياته سليمة، الحفاظ على حدة الالتهاب الصحيحة ويتأثر باستهلاك زيت السمك والفاكهة والخضراوات والفيتامينَين A وC والزنك والكربوهيدرات، لا سيما السكريات المكررة.

مارس نشاطاً يومياً: راقبت إحدى الدراسات 1200 توأم ولاحظت أن الأشخاص الذين يمارسون مستويات معتدلة أو مرتفعة من التمارين، بمعدل 180 دقيقة أسبوعياً، قد يتمتعون بجسمٍ أصغر بتسع سنوات من عمرهم الحقيقي. كذلك تساهم الرياضة في تقوية جهاز المناعة لأنها تعزّز إنتاج الخلايا التائية، وتخفف فائض العناصر الالتهابية، وتزيد نشاط الخلايا البالعة، فضلاً عن أنها تُفعّل الخلايا القاتلة الطبيعية، وتزيد طول التيلوميرات في خلايا الدم البيضاء، وتؤخّر شيخوخة المناعة.

حتى الأشخاص الأصحاء سيستفيدون من الرياضة. تشير البحوث إلى ضرورة أن يمارس الرجل بعد عمر الأربعين تمارين معتدلة أو مكثفة (مشي سريع، سباحة، هرولة...) طوال 30 دقيقة يومياً، ست مرات أسبوعياً.

في المقابل، تقلّ البحوث عن وتيرة التمارين التي تناسب المرأة، لكن تبقى مدة الثلاثين دقيقة نموذجية ويمكنها الاكتفاء بممارسة تمارين حمل الأوزان طوال أربعة أيام أسبوعياً للوقاية من هشاشة العظام.

أثبتت التجارب أن الأشخاص الذين يستعملون جهاز المشي يحتاجون إلى 10 دقائق تقريباً كي تبلغ قدراتهم القلبية والرئوية ذروتها. بالتالي يمكن الاستفادة من حصة مدتها 20 دقيقة.

يشكّل بناء العضلات بدوره جزءاً مهماً من خطة الرشاقة المثالية ومن الأفضل الاكتفاء بدفعات قصيرة من ثماني دورات متكررة، لكن يجب ألا تتجاوز مدة الحصة كلها 45 دقيقة. بعد هذه العتبة، يبدأ الجسم على الأرجح بإطلاق كمية من هرمون الكورتيزول الذي يرتبط بالضغط النفسي، ويفكك الكتلة العضلية، ويلغي المنافع المكتسبة سابقاً.

الأشخاص الذين يمارسون الرياضة المعتدلة يتمتعون بجسمٍ أصغر بتسع سنوات من عمرهم الحقيقي
back to top