يا من لستم على حب!

نشر في 08-12-2016
آخر تحديث 08-12-2016 | 00:00
 مسفر الدوسري لا تفتحوا للشتاء الأبواب إذا لم تكن قلوبكم متدثرة جيدا بقلب، ولا تصغوا لنداء الرياح بإلحاح خلف النوافذ، إن لم تكونوا عشاقا، فهي لن ترحم صدوركم الخاوية إن فعلتم، فريح الشتاء دوناً عن كل الرياح أُرسلت رحمة على العامرة قلوبهم بالدفء، لتكون الريح "هوى"، وصوف حكايات صغيرة ينسج ليبقيها دافئة في ذاكرة الزمن، وقطنا يُندف شالاً من زهرة القرب، وبرقا يُبعث من شرار الرغبات.

لا تفتحوا، إياكم والشتاء إن لم تكونوا على حب، لا تقعوا في مصيدة الغيم، وإغراء اللعب أو المشي تحت المطر، فلن تجنوا سوى نزلة برد، إن لم تكونوا غرستم في قلوبكم أحبابا، فمطر الشتاء لا يصيب بغيثه سوى القلوب التي يقيم بها حبيب، ليزهّر كل بقعة جفاف فيها، يقيم لأجل ساكنيها كرنفالا تشارك الطبيعة فيه، من برق ورعد ورياح ومطر، ودفء في المواقد، وفي رائحة العطر الممزوج برائحة الصوف في الملابس، وعيون الأطفال وهم ينظرون خلف الزجاج إلى المطر، والفرح المتطاير منها في أرجاء البيت كبالونات أعياد ميلادهم، والحليب بالزنجبيل، والأنفاس برائحة الزعفران!

الشتاء بالنسبة لهؤلاء حاضنة حب، يهدي الحنين للحب الطاعن في السن، وحقيبة ألعاب طفلة ليختار منها ما تناسبه. أما الحب الذي يلد في الشتاء، فهو الأكثر حظاً، حيث يجد الرعاية الأكثر عطاء له والأبقى في التفاصيل الصغيرة، والأسرار الدافئة التي تعلّق في غرف القلب بخيوط من السهر، ومناديل اللحظات المشتركة التي يفترش فيها عاشقان غفلة من العمر!

يا من لستم على حب، اتقوا الشتاء ما استطعتم ذلك سبيلا، لن تقيكم المظلات، ولا ما اتخذتم من جمر وليّا لرجفة ظلالكم، ولا ما تدثرتم به من أردية يثقل كواهلكم حملها، ولا علب الفيتامينات التي ازدحمت بها الطاولة الجانبية لسرير النوم، ولا الاستلقاء أمام مدفأة مستمعين لموسيقى أو ممسكين بكتاب، ولا الاحتماء بخيمة تتقدمها بقعة حمراء كبيرة ذات لهب ينير معظم زواياها. كل ذلك لن يوقف نزيف أنف الفراغ الشاغر في قلوبكم، لن يردم هوّة البرد فيها، شيطان الوحشة، سيظل حارساً شرساً عليها من شر الدفء، يحرمها من أن تغزل مع آخر لحظة، مع علمه أن شجرة الدفء لن تثمر ما لم يأنس تحت غطائها آخر غيرك، إن الدفء الذي يولد من خلية واحدة، بذرة أنانية، ونبت شيطاني يتكاثر في حقل القلب إلى أن يأتي على كل أخضر فيه إن لم يتم اجتثاثه.

يا من لستم على حب، لا يأخذكم الإثم بالجمال، واتقوا الشتاء بتجنب هداياه المفخخة التي يخبئها في الابتسامات المجانية على الوجوه بلا سبب، تجنبوا كل ما في الشتاء من جمال، واحذروا الحماس كثيراً مع مباهجه، حتى لا يعاقبكم بسعال الوحدة من شدة البرد.

بالنسبة لي شخصيا ابتكرت حلا منذ زمن لتجاوز نزلات البرد تلك، بالفرجة "اللصيقة" على قصص أصدقائي العاشقين، والوقوف على تفاصيلها، لأرويها لهم صيفا كلما احتاجوا!

back to top