دولة القانون

نشر في 28-10-2016
آخر تحديث 28-10-2016 | 00:15
قبل أن نتحدث عن الحريات، وقبل أن نتحدث عن الديمقراطية، وقبل أن نتحدث عن الرفاهية، وقبل أن نتحدث عن حل المشكلات الاقتصادية، وقبل أن نسأل عن كل ذلك يجب أن نسعى في الأساس أن تكون لدينا دولة يكون القانون فيها حاضراً ومحترماً ومفعلاً ومطبقاً على الجميع.
 عبداللطيف المناوي الكلمة تبدو كبيرة، وتبدو صغيرة وهينة في الوقت نفسه، لكن الحقيقة أن الأساس لأي دولة قبل أن نتحدث عن دولة الحريات أو دولة الديمقراطية، أو حتى دولة الرفاهية، فإن الأساس هو دولة القانون.

وننطلق في الحديث اليوم، من أمر أعتقد أننا نمر أمامه، وأحياناً نمارسه دون أن يرف لنا جفن، أو نشعر بأننا نخالف القانون، أو أن ما يحدث أمامنا، أو حتى نمارسه، جريمة في حق القانون.

حملت صحف الأمس، في الصفحات الداخلية لمعظمها، والأولى في بعضها، أخباراً عن ذلك الحادث الذي تسبب في مقتل 9 من المواطنين البسطاء، داخل سيارة ميكروباص، بعد أن قرر سائق أتوبيس نقل عام (وسيلة أخرى لنقل البسطاء) أن يختصر الطريق ويسير عكس الاتجاه، فيصطدم ويقتل ويصيب.

نقرأ الخبر ونتجاوزه إلى أخبار أخرى، وقد يكون رد فعلنا الوحيد هو الأسى لمصير من مات، وهو شعور سرعان ما يتسرب ويتبخر بعد أن نتجاوز الخبر إلى الخبر الذي يليه، ولا نتذكر أن منا من يقوم بالفعل ذاته في بعض الأحيان، كل يوم لمجرد أن يختصر جزءاً من الطريق، ويوفر بعضاً من الوقت.

المشكلة بالنسبة إلي أكبر كثيراً من مجرد مخالفة مرور، ولكن ما حدث هو تعبير عن غياب دولة القانون بمفهومها التطبيقي، وهو ما يعني بمعنى آخر تراجع هيبة القانون في مواجهة التصرفات الشاذة والمخالفة، أياً كانت هذه التصرفات، وسواء صغرت أم كبرت.

في مرات سابقة ذكرت أن استعادة هيبة الدولة تبدأ عندما تنتهي ظاهرة المطبات الصناعية الأهلية، التي يقوم أفراد عاديون بوضعها أمام منازلهم أو أعمالهم ومحالهم، لإجبار السيارات على الإبطاء، دون أن يكون هناك غطاء قانوني لما يفعلونه، وهو ما يعني أن كل شخص يطبق القانون الخاص به في المكان الخاص به بالشكل الذي يريده.

مجتمع مثل هذا لن يكون بمقدوره أن يتقدم للأمام أو يواجه التحديات التي تواجهه يومياً، إذا كان المحرك الأساسي له في الحركة والفعل هو تحدي القانون أو مخالفته، دون الوضع في الاعتبار أن هذا التحدي أو هذه المخالفة هي كسر لإحدى القواعد الأساسية للدولة، أية دولة.

قبل أن نتحدث عن الحريات، وقبل أن نتحدث عن الديمقراطية، وقبل أن نتحدث عن الرفاهية، وقبل أن نتحدث عن حل المشكلات الاقتصادية، وقبل أن نسأل عن كل ذلك يجب أن نسعى في الأساس أن تكون لدينا دولة قانون، يكون القانون فيها حاضراً ومحترماً ومفعلاً ومطبقاً على الجميع، ولا يستثني أحداً، أياً ما كان هذا الأمر، وأياً ما كانت الجهة التي ينتمي إليها.

عندما تكون لدينا دولة القانون، ساعتها ستكون لدينا دولة وصيغة لدولة نعتقد أننا نستحقها.

back to top