السلام الساخن للحرب الباردة

نشر في 22-10-2016
آخر تحديث 22-10-2016 | 00:03
 حمد الدرباس لن يكون مجدياً الحديث عن أزمات الشرق الأوسط السياسية والطائفية من دون النظر إلى العلاقة الأساسية بين السياسة والصناعة، والتي سيكون فهمها هو المدخل لتقدير حجم الأزمة في المنطقة، وقد يسعفنا ذلك في تقييم مواقف الدول العظمى من قضايانا وما إن كان من الممكن أن تأتي هذه الدول بالحل تلقائياً.

أتحدث هنا تحديداً عن دور مصانع الإنتاج الحربي التي لا يتوقف العمل فيها، على اعتبار أن توقف إنتاجها سيكون مكلفاً مادياً وإغلاقها سيؤدي إلى تأخرها في المنافسة على التطور العسكري، أما تخزين الإنتاج فيجب أن يكون محدوداً وإلا ارتفعت كلفة التخزين، وزادت احتماليات تحول هذه المنتجات مع مرور الوقت إلى خردة بسبب قدم تكنولوجيتها مما يعني انعدام الجدوى من استمرار الإنتاج.

ولذلك يجب أن تستمر هي في الإنتاج، ولطالما أن هذا الاستمرار هو الهدف فلا بد من مواءمة الاستهلاك من خلال المحافظة على ديمومته، وهذا ما يجر إلى النظر في مسألة الاستهلاك حيث الموقع الجغرافي البعيد عن تهديد الأمن القومي وسهولة اختلاق ظروف إشعال الحرب وتعقيد حلها في ذلك الموقع الجغرافي، وعلى هذا الأساس كانت تقدم القوى العظمى الدعم» للوردات الحرب» المتحكمة في المنظمات الإرهابية ذات الهوية الوشائجية كـ«القاعدة» في أفغانستان الذي كان دوره وقف تمدد الاتحاد السوفياتي نحو المياه الدافئة، أو الجماعات المسلحة في إفريقيا التي كان دورها التحكم في مصادر الموارد الطبيعية.

هكذا كان شكل الحرب الباردة بين القطبين المنتصرين في الحرب العالمية الباردة، التي تحولت إلى سلام ساخن بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، حيث انعدام المواجهة المباشرة بين القطبين مع استمرار الحروب في أكثر بلدان العالم الثالث ضعفا وقابلية للتفكك، وبالتالي تحقيق المصالح المشتركة، وأولها ضمان استمرار تدفق السلاح إلى السوق من خلال اختلاق الأزمات مع استمرار التنافس على المصالح الجيوسياسية في تلك المناطق وفي غيرها، كما في الحالة الأوكرانية.

ولو أمعنّا النظر في كل أطراف النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فسنجد أن السمة المشتركة للأطراف البارزة بهذه النزاعات تتمثل في الهوية الوشائجية لهذه الجماعات، سواء كانت دينية أو طائفية أو قبلية، ويسهل تحديد هذه الهوية حتى بمجرد النظر إلى وجوه لوردات الحرب العرب، هؤلاء الذين أوجدتهم حالة إهمال شعوب المنطقة لتآكل مجتمعاتها على أساس الهوية الإثنية من دون التحرك جدياً لإصلاح هذا الخلل في الماضي.

كما تعزز بقاء هذه الزعامات بتقاطع الهويات الإثنية مع الشقاقات السياسية والاجتماعية الاقتصادية، حيث تحكم هوية إثنية ما بدولة ما وإمكاناتها على حساب العدالة إلى حد استغلال قوة الدولة في إضعاف وتصفية ما لدى الهويات الإثنية الأخرى من إمكانات، وقد أدى ذلك كله إلى تعقيد المسألة إلى الدرجة التي نشهدها في حاضرنا الآن، خصوصا في الدول المتورطة بالنزاع الأهلي المسلح.

كل هذه التعقيدات تدلل على أن حل مشاكل الشرق الأوسط سيبقى حلما لسنوات طويلة، ويصعب تحوله إلى واقع إلى حين إدراك الشعوب لأسباب ضعفها التي جعلتها سهلة الاختراق ولأدوات إضعافها المتمثلة بزعماء الميليشيات الطائفية والدينية والقبلية التي أثبتت سهولة استمالتها بالمال والسلاح وشدة تحكمها في قواعدها ومناصريها، وأحسن ما قد يحدث هو سيناريو شبيه لما وقع في مناطق السلام الهش ما بعد النزاعات الأهلية في إفريقيا وغيرها، حيث الدول المتخلفة والضعيفة المستمرة بمعاناتها سياسيا واقتصاديا، ولكن لو افترضنا أن هامش السلام هذا قد تحقق في مناطق النزاع العربي، ففي أي موقع بديل سيقوم الإنتاج الحربي للقطبين في تصريف منتجاته؟!

back to top