طفلك... كيف يتعلّم الكلام؟

نشر في 01-10-2016
آخر تحديث 01-10-2016 | 00:00
No Image Caption
لا يعرف أحد كيف يتعلّم الطفل الكلام قبل أن يجيد ربط حذائه أو دخول الحمّام وحده! لكننا نعرف كيف يمكن مساعدته من دون إثقاله بالدروس اللغوية!
نبدأ بالتكلم مع الطفل منذ وجوده في رحم أمه ونكون متأكدين من أنه يفهمنا! لا ننتظر منه أي جواب ونجيد تفسير الإشارات التي يوجّهها إلينا. بعد الولادة يزداد التواصل معه لكنه يفتقر إلى التوازن. خلال الأشهر اللاحقة، يكفي أن يبتسم الطفل في وجهنا كي نشعر بالسرور.

يجب أن يكتشف الطفل عالماً كاملاً ويكتسب معلومات هائلة وتكون اللغة واحدة من أصعب المهام التي يواجهها. صحيح أن الطفل يكتسب هذه القدرة بطريقة تلقائية ظاهرياً، لكن أثبت الباحثون في هذا المجال أن الجهد الفكري اللازم لاكتساب هذه المهارة يكون هائلاً جداً ولا تبدو الآليات المرتبطة بها بديهية.

غريزة اللغة

توصّل الخبراء إلى استنتاج مفاده أن تعلّم اللغة يعكس غريزة داخلية أو اندفاعاً فطرياً ولا يقتصر على التقليد بكل بساطة. حتى الأولاد الذين يواجهون مشاكل تحدّ من قدرتهم على التواصل يستعملون الاندفاع نفسه ويبتكرون لغة شخصية لأنهم لا يجيدون اكتساب اللغة التي يتقاسمها الآخرون.

لكن تبقى اللغة مهارة معقدة حتى لو كانت غرائزية وطبيعية وعالمية. لتعلّم الكلام، يجب أن يبذل الدماغ جهداً هائلاً وأن يميّز بين بداية الكلمة ونهايتها. تتّضح صعوبة المهمّة عند تعلم لغة أجنبية. لا بد من رصد الأصوات الطاغية وحفظ معنى كل كلمة وإدراك المنطق وراء ترتيب الكلمات في الجملة.

في الشهر الرابع، يتعرّف الطفل إلى اسمه ويتجاوب معه. وفي الشهر السابع، يركّز انتباهه على تنظيم العبارات ويجيد رصد كلمات مألوفة وسط جملة كاملة. في الشهر التاسع تقريباً، يدرك وجود معايير ثابتة في اللغة والمفردات. بين عمر السنة والسنتين، ينجح في تعلّم بين 10 و20 كلمة في اليوم. قد ندرك مدى سرعة الطفل في التعلّم حين نعرف أن قدراته السمعية تكون في طور النمو ويصعب عليه أن يرصد الأصوات التي لا تهمّه وسط الضجة ولا تكون قدرته على التركيز والانتباه كبيرة.

الأهل أفضل معلّمين!

في معظم الحالات، يجيد الأهل تقديم أفضل الظروف التعليمية لأولادهم لمساعدتهم على اكتساب اللغة. لا يكفّ الوالدان عن التحدث إلى أطفالهم فطرياً منذ الأيام الأولى ويكون هذا الحوار فاعلاً جداً. يجيد الأهل استعمال هذه {اللغة الجديدة} عند التحدث إلى الطفل. غالباً ما يحمل الكلام نغمات معيّنة وقد يكون سخيفاً أحياناً مع التشديد على أصوات محددة والمبالغة في تعابير الوجه أو فتح العينين أو رسم ابتسامة عريضة أو زيادة العبارات المتكررة... لا تذهب هذه الجهود كلها سدىً، إذ يتعلّم الطفل أن يميّز بين الأصوات ويستوعب الكلمات والعبارات ونبرة الصوت والنغمات الموسيقية... يكون التشديد على بعض الحروف طريقة ممتعة أو ساحرة للتخاطب مع الطفل ولكنه يشكّل أيضاً نهجاً تعليمياً فاعلاً لتحديد أجزاء الكلمات وفهم إيقاع اللغة واكتشاف جوانب مهمة من بنيتها.

التبادل يبقى الأهم

يبدأ الطفل منذ الأيام الأولى بالتنبه إلى الأشخاص الذين يكلّمونه بطريقة مختلفة عن الأشخاص الذين لا يغيّرون مفرداتهم أو نبرة صوتهم. لكن بعد الشهر السادس أو عمر السنة، يجب أن يعدّل الأهل أسلوب كلامهم مع الطفل بما يناسب تطوره. يبقى التبادل أهم عامل في هذا الحوار. يحتاج الطفل إلى من يكلّمه ولا تقتصر هذه العملية على سماع الناس يتكلمون. لا يكفي أن نضعه أمام التلفزيون وندعه يسمع مكالمات هاتفية لأن هذه النشاطات لن تحفّزه على المستويين الفكري والعاطفي. يعتبر بعض علماء النفس المتخصصين بالأطفال أن الطفل لن يتعلم بفاعلية من دون تلك العلاقة مع الآخرين. تتّضح صحة هذه الفكرة في تعلّم القراءة والكتابة وفي اكتساب اللغة المحكيّة.

تكون نوعية التبادل أساسية. تتعلق أهم العوامل باللمس والهدهدة والغناء والابتسام والتكلم وسرد القصص. تُعتبر العناصر المهمّة بالنسبة إلى التوازن العاطفي أساسية أيضاً بالنسبة إلى التطور المعرفي الذي يتوقف عليه اكتساب اللغة. لذا أصبح مفهوم الذكاء العاطفي رائجاً جداً اليوم. يبدأ الطفل بتشكيل مفرداته انطلاقاً من النماذج الصوتية المرتبطة بالكلمات التي يلفظها الوالدان أمامه.

يكون التبادل مع الطفل مثمراً منذ الأسابيع الأولى. حين نخاطب الطفل، نطرح عليه الأسئلة ثم نصمت وكأننا ننتظر منه جواباً. لكن تسمح لحظات الصمت هذه للطفل بفهم مسار المحادثات ومفهوم تبادل الكلام. تبدأ العملية بالمقاطع الصوتية ثم الكلمات وصولاً إلى العبارات الكاملة. خلال أول سنة من حياة الطفل، نركّز على تطوره الحركي ثم تُخصَّص السنة الثانية لتعلم اللغة. يعبّر معظم الأولاد عن نفسهم بسهولة لكن لا داعي للقلق إذا تأخروا قليلاً. لكل طفل إيقاعه الخاص واهتماماته الخاصة. سرعان ما ينجح الطفل في جمع الكلمات بين الشهرَين السادس عشر والثامن عشر لكنها ليست قاعدة عامة.

يختلف إيقاع تعلّم اللغة بين الفتيات والفتيان. تجيد الفتاة صياغة الكلمات الأولى قبل شهر أو شهرين من الصبي. لكن يعود الصبي ويواكبها على مستوى اكتساب المفردات بين الشهر الثامن عشر وعمر السنتين.

يجب أن تتذكري أن عملية تعلّم اللغة تبقى معقدة وتبدأ قبل ولادة الطفل، حين يسمع إيقاع صوت أمه ويصغي إلى لغته المستقبلية. تتطلب هذه العملية مستوىً مرتفعاً من التركيز والجهود الفكرية ويحتاج الطفل في هذه المرحلة إلى دعم المحيطين به.

ماذا لو اضطرّ الطفل إلى اكتساب لغتَين في الوقت نفسه؟

يكون اكتساب لغة واحدة مهمّة صعبة ومعقدة، لذا قد يبدو الاضطرار إلى تعلّم لغتين في الوقت نفسه أسلوباً تربوياً عنيفاً! لكن يظن بعض الخبراء أن تعليم لغتين للطفل منذ السنوات الأولى يعطيه امتيازاً حقيقياً. قد يسود ارتباك معيّن في المرحلة الأولى لكن يجيد الطفل دوماً تجاوز المصاعب وسرعان ما يعبّر عن نفسه باللغتين من دون بذل جهود كبيرة. في العصر الراهن، لا ننكر أن تعدد اللغات امتياز فعلي!

الطفل يبدأ منذ الأيام الأولى بالتنبه إلى الأشخاص الذين يكلّمونه بطريقة مختلفة عن الأشخاص الذين لا يغيّرون مفرداتهم أو نبرة صوتهم
back to top