أمهات المختفين

نشر في 26-09-2016
آخر تحديث 26-09-2016 | 00:07
نساء عديدات في المكسيك، ولاسيما الأمهات اللاتي تعرضن للعنف، يشاركن دائماً في حملات لحماية حقوق الإنسان المتصلة بقضايا كالاختفاء القسري، وقتل النساء، وانتهاكات الجيش، حيث فشلت مؤسسات الدولة والمسؤولون المنتخبون في اتخاذ إجراءات ضد هذا العنف، غير أن هؤلاء النساء ملأن هذا الفراغ، متحديات أدوارهن التقليدية.
 بروجيكت سنديكيت "كنا نسعى إلى تحقيق العدالة، أردنا منع الاختفاء القسري، لنضع حداً له بشكل نهائي، لكن مع الأسف، مازالت ظاهرة اختفاء الفتيات مستمرة، أنا لا أريد أن أكون سلبية، لكنني لا أعرف متى سيتوقف هذا المنكر"... كلمات مُقتبسة من تصريح بولا فلوريس من مدينة خواريز بالمكسيك، في 3 يوليو 2016، بعد 18 عاماً من اختفاء وقتل ابنتها ماريا فلوريس.

وتشارك النساء مثل فلوريس، ولاسيما الأمهات اللاتي تعرضن للعنف، دائماً في حملات لحماية حقوق الإنسان ذات الصلة بقضايا مثل الاختفاء القسري، وقتل النساء، وانتهاكات الجيش، حيث فشلت مؤسسات الدولة أو المسؤولون المنتخبون في اتخاذ إجراءات ضد هذا العنف، وقد ملأت هؤلاء النساء هذا الفراغ، متحديات الأدوار التقليدية للجنسين في هذه العملية.

فالمطالبة بتحقيق العدالة في المكسيك، البلد الذي فشل في إدانة 98 في المئة من مرتكبي الجرائم، ليست مهمة سهلة، وتسير الأمهات والجدات الناشطات على خطى أسلافهن في أميركا اللاتينية مثل "أمهات بلازا دي مايو"، اللاتي بدأن عام 1977 بتنظيم مسيرة أمام القصر الرئاسي في بيونس آيرس، بالأرجنتين، احتجاجاً على اختفاء عدد كبير من الأطفال بسبب الدكتاتورية العسكرية، كن يتظاهرن أسبوعياً لسنوات، واستطعن فتح نقاش عام حول انتهاكات حقوق الإنسان في ظل الدكتاتورية.

وقد ألهمت أمهات بلازا دي مايو مجموعات مماثلة من إفريقيا إلى صربيا إلى لوس أنجلس، واجتمعت هذه المجموعات في منتصف التسعينيات وأنشأت ما يدعى بالتجمع الدولي للأمهات والنساء المناضلات، وكما نشرت البروفيسورة مارغريت بوفارد من جامعة برانديس في كتابها عام 1996، تحت عنوان "إعادة تشكيل المرأة لحقوق الإنسان"، فقد لعبت المجموعات النسائية بشكل عام دوراً حاسماً في حركة حقوق الإنسان، وفي السعي وراء العدالة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتأكيد على أهمية كرامة الإنسان وتبادل الاٍحترام بين المواطنين، وبين المواطنين والدولة.

حتى داخل الجماعات النسائية، فالأمهات لهن مكانة خاصة، هن يتحركن في البلدان التي ترفض عادة الاعتراف بقدرة النساء إلا كأمهات وزوجات وبنات، هن يستخدمن دورهن كعلامة للسلطة الأخلاقية، كما يعبرن عن أصواتهن وواقعهن، ويخرجن من البيوت إلى الشوارع للنضال، لا من أجل مفاهيم العدالة المجردة، ولكن من أجل أبنائهن وبناتهن، مع أسماء وتواريخ.

عندما تم اغتيال الناشطة الشهيرة بيرتا كاسيريس في هندوراس في 3 مارس عام 2016، كانت والدتها أسترا برتا فلوريس لوبيز، الناشطة اجتماعيا، هي التي تولت زمام المبادرة في إثبات أن دولة هندوراس مسؤولة عن وفاتها، وفي الولايات المتحدة، فتناضل الأمهات الناشطات بالاحتجاج على وحشية الشرطة في حركة "حياة السود مهمة"، وفي الهند، أقامت الأمهات مسيرة لرفع مستوى الوعي بخطورة الاعتداء الجنسي المنتشر، وفي كولومبيا، شاركن في عملية السلام، لضمان أن الاتفاق المقترح لإنهاء تمرد القوات المسلحة الثورية الكولومبية سيركز على حياة النساء.

وقد ألزمت فلوريس وزميلاتها الناشطات أنفسهن بالسير قدما في هذا الطريق الطويل، وفي عام 2007، اعتمدت حكومة المكسيك القانون العام بشأن تمتع المرأة بحياة خالية من العنف، والذي حدد معنى عبارة قتل النساء في المكسيك، وكان لابد من التصديق على هذا القانون من قبل 31 ولاية في المكسيك، لكن لم يقم بذلك سوى الولايات الأكثر ليبرالية، وفي عام 2009، وضعت الأمهات والناشطات حالة من حالات قتل الإناث تسمى "حقل القطن" (ثماني فتيات ونساء عُثر على جثثهن في مدينة خواريز عام 2001) أمام أنظار المحكمة المشتركة الأميركية لحقوق الإنسان، واتهمت المحكمة الحكومة بالتقاعس في التحقيق بجرائم القتل بشكل صحيح، وطالبت الحكومة ببناء نصب تذكاري للضحايا وتعويض الأسر عن خسارتها.

وبالنسبة لكثير من الأمهات، يتم قياس التغير خلال عقود، لكن عملهن لا يزال مستمرا، ففي عام 2014، كان 43 طالبا من كلية المدرسين الريفية "أيوتزينابا" على حافلات متجهة إلى مدينة مكسيكو للاٍنضمام إلى المحتجين في ذكرى مذبحة تلاتيلولكو لعام 1968 (والتي قتل فيها ما يفوق 300 طالب قبل عشرة أيام من افتتاح دورة الالعاب الأولمبية). أوقفتهم الشرطة المحلية قرب نقطة تفتيش تابعة للجيش، لكنهم "اختفوا"، وفي ما يبدو فقد كانت هذه العملية منسقة من قبل الدولة لإسكات الناشطين الشباب، وانتفضت الأمهات على الفور، وفي تحد كامل، اتخذن إجراءات للمطالبة بالعدالة.

وخلال الاشتباكات التي وقعت عام 2016 في الولاية المكسيكية أواكساكا بين الجيش والمدرسين احتجاجا على الإصلاحات التعليمية، قتل الجيش عشرة أشخاص، بمن فيهم خيسوس كادينا سانشيز البالغ من العمر 19 سنة، وقالت أم سانشيز: "ذهبت للبحث عن ابني حيث سمعت طلقات نارية، كنت يائسة جدا، للعثور على ابني ولم أكترث حتى لنفسي".

في يوم 30 أغسطس، تم الاحتفال باليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري، حيث نُظمت احتجاجات من قبل أمهات ضحايا الاختفاء وقتل النساء في جل أنحاء المكسيك. في مدينة خواريز، ونظمت الأمهات مسيرة لمطالبة الحاكم المنتخب خافيير كورال باعتماد سياسات ناجعة لمنع الاختفاء القسري.

وترفض هؤلاء الأمهات نسيان أبنائهن، وقد أسست بولا فلوريس روضة أطفال في حيها، لوماس دي بوليو، التي تحمل اٍسم الشهيدة الرهبانية ماريا ساغراريو، كما عملت مؤخراً مع فنان محلي لتصميم لوحة جدارية لساغراريو أمام منزلها، و منذ سنوات، نظمت هي وابنتها جويلرمينا ومجموعات من الأمهات حملة لرسم الصلبان في جميع أنحاء المدينة في المواقع التي اختفت فيها الفتيات والنساء، وهو تذكير مرئي للمشكلة التي فشلت المدينة في التصدي لها لعقدين من الزمن، كما قامت مجموعة أخرى من الأمهات بمسيرة وهن يرتدين قمصاناً أو يحملن لافتات عليها صور أطفالهن المفقودين.

اٍن أمر الإحضار هو واحد من أول وأقدم حماية في النظم القانونية الغربية، الأمر الذي يتطلب من السجانين - أولئك الذين "لديهم الجسد" - تقديم سبب احتجاز السجين، وإذا اختفى مواطن بسبب تصرفات مواطن آخر، فيجب أن يقدم الخاطف أو القاتل إلى المحاكمة، وتجسد الأمهات عنصرا مباشرا وعاطفيا وشخصيا لهذا الصراع القديم، ويؤكدن على كرامة أطفالهن كمواطنين وبشر وجب التمسك بحقوقهم.

* آن ماري سلوتر الرئيسة والمديرة التنفيذية لشركة «نيو أميركا»، و أليس درايفر فهي صحافية مستقلة

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top