أخطاء الولايات المتحدة تفيد «القاعدة»

نشر في 22-09-2016
آخر تحديث 22-09-2016 | 00:02
 ذي ناشيونال كانت الولايات المتحدة، قبل أسبوع، تسير نحو شن حملة ضد جبهة فتح الشام (التي عُرفت سابقاً بجبهة النصرة) بالتعاون مع روسيا، لكن هذه الصفقة لم تفضِ حتى اليوم إلا إلى المزيد من الانقسام بين البلدين وفوز هذه الجبهة بتضامن أكبر من تنوع كبير من قواتٍ وأفرادٍ منتمين إلى الثورة السورية.

تصاعد التوتر الدبلوماسي بين واشنطن وموسكو في نهاية الأسبوع بعد إخفاق روسيا في مساعدة مواكب الإغاثة في دخول حلب، وبلغ هذا التوتر ذروته بعد أن قتل الائتلاف المناهض لداعش، الذي تقوده الولايات المتحدة، "خطأً" عشرات الجنود السوريين في دير الزور.

هذه المرة الأولى التي نلاحظ فيها أن لهجة جبهة فتح الشام وسلوكها يتبدلان وسط تنامٍ ملحوظ في التضامن بين القوات المختلفة في سورية، مع أن كثيرين يشكون في انفصال هذه المجموعة الفعلي عن تنظيم القاعدة.

شدّد الجولاني على مسائل عدة تهم كثيرين في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار وتتجاهلها عادةً المجموعات المجاهدة، ومن هذه المسائل افتقار آلاف الأولاد للتعليم في مناطق الثوار، ما قد يدفع هؤلاء الأولاد إلى السير في درب الجريمة عندما يكبرون، كذلك أشار إلى أن الصراع المسلح سيتواصل "حتى الإطاحة بالنظام".

من الأوجه المثيرة للاهتمام في ما قاله جولاني لهجته الإيجابية في التعاطي مع النظام الإقليمي، فقد اعتبر المقاومة في سورية ركيزة المعارضة السنية العربية للهيمنة الإيرانية في المنطقة، مشيراً إلى بعض الدول بأسمائها الرسمية في تناقض واضح مع الطريقة السلبية التي كان يعتمدها "أميره" السابق، زعيم القاعدة أيمن الظواهري، عند التحدث عن هذه الدول.

عكست رسائل جبهة فتح الشام الأخيرة هذه اللهجة، وقدّمت هذه المجموعة رسالة شكر إلى المنظمات الثورية التي ترفض الخطة الأميركية-الروسية لاستهدافها، لكن هذا البيان تعارض مع فتوى أطلقها قبل أيام قليلة أبو محمد المقدسي، منظّر تنظيم القاعدة البارز الذي أعلن أن الثوار الذين يتعاونون مع تركيا ضد داعش في شمال سورية كفار، إلا أن الطريقة التي صدر فيها هذا البيان استهدفت بالتحديد الموقف التكفيري داخل سورية.

رغم ذلك يبقى انفصال جبهة فتح الشام الفعلي عن تنظيم القاعدة موضع شك، مع أن نظرة كثيرين في سورية إلى هذا التنظيم اختلفت، والأهم من ذلك أن خطة الولايات المتحدة لاستهداف هذه الجبهة تدفع عدداً أكبر من الناس إلى دعمها، بما أن العديد يعتبرون أن الصفقة الأميركية-الروسية تخدم مصالح بشار الأسد.

صحيح أن واشنطن تنظر أيضاً بعين الريبة إلى انفصال هذه المجموعة عن تنظيم القاعدة، على غرار كثيرين بمن فيهم أنا، إلا أن الولايات المتحدة لا تستطيع إنكار أننا لم نشهد أي تبدّل منذ الثامن والعشرين من يوليو، حين أعادت هذه الجبهة تقديم نفسها كمجموعة سورية ملتزمة بالقضية السورية.

أعطى التحالف الأميركي مع روسيا، الذي يرمي إلى استهداف جبهة فتح الشام، الانطباع أن الولايات المتحدة غير مهتمة بكل بساطة، فتنامى التعاون العسكري بين الثوار وجبهة فتح الشام في مناطق عدة من سورية، ولا سيما المناطق الحساسة كما في حلب وإدلب، يعني أن مواجهة الولايات المتحدة هذه الجبهة سيُعتبر راهناً خطوة لمساعدة النظام، وخصوصاً أنها تُقدِم على هذه الخطوة بالتعاون مع داعمي الأسد.

لا شك أن واشنطن ترتكب خطأً سياسياً في سعيها بهذه الطريقة لمواجهة جبهة فتح الشام، لكنها تبعث أيضاً برسائل خاطئة. على سبيل المثال اعتذرت من النظام وعرضت عليه تقديم تعويض عن استهدافها خطأً جنود النظام في دير الزور، ومع أن روسيا لم تلتزم بكل وضوح بالتعهدات التي قدمتها في إطار هذه الصفقة، لا تزال الولايات المتحدة تتمسك بشدة بالاتفاق من دون أن تعرب عن القدرة على ضمان التزام كل الأطراف به.

حتى لو صمدت الصفقة فللحرب ضد جبهة فتح الشام حدود واضحة، فمن المستبعد أن تُضعف الضربات الجوية هذه المجموعة من دون الاستعانة بقوات على الأرض، ويكمن مفتاح نجاح هذه الخطة في احتمال تعاون الثوار السوريين مع الولايات المتحدة لإضعاف جبهة فتح الشام، أو على الأقل تقوية القوات المعتدلة على حسابها.

لكن سلوك الولايات المتحدة بحد ذاته منذ عقد الصفقة لا يُعتبر واعداً، بل على العكس يبدو أن جبهة فتح الشام ستحقق المكاسب من إخفاق هذا الاتفاق.

* حسن الحسن

back to top