الكوارث الطبيعية... هل بإمكاننا التصدّي لها؟

نشر في 03-09-2016
آخر تحديث 03-09-2016 | 00:00
No Image Caption
ما مدى ضعف بلدك في مواجهة الكوارث الطبيعية؟ صدر أخيراً مؤشر الخطر العالمي لعام 2016، ويُظهر أن البنية التحتية تشكّل عاملاً أساسياً في القدرة على التصدي لحوادث مثل الأعاصير، والزلازل، والتسونامي.
تذكرنا حوادث بشعة دوماً بقاعدة مريعة، علماً أن الأمثلة التي شهدناها عام 2010 كانت حالكة بشدة. في تلك السنة، ضرب زلزالان فصلت بينهما بضعة أشهر مدناً كبرى في هايتي ونيوزيلندا. كانت الهزتان بالقوة عينها، كانتا ضحلتين نسبياً، وكان مركزهما قريباً من مدن كبرى، وكانت لهما الأسباب عينها.

لكنّ اختلافاً بارزاً واحداً ميّز بينهما: في هايتي، خسر أكثر من مئة ألف شخص حياتهم، وربما تتخطى حصيلة الضحايا المئتي ألف. ولكن في نيوزيلندا، اقتصرت الأضرار على المباني.

تشير هذه القاعدة المريعة إلى أن الكوارث الطبيعية تضرب الدول الفقيرة غالباً. فلا تتحول العواصف، والزلازل، والفيضانات، أو الجفاف إلى كارثة، إلا عندما يعجز السكان عن حماية أنفسهم بفاعلية في وجه هذه المخاطر.

تُظهر لائحة نُشرت أخيراً مدى تعرض الدول لتهديد الكوارث الطبيعية. يُعتبر مؤشر الخطر العالمي، الذي نشره علماء من جامعة الأمم المتحدة وعدد من المنظمات التنموية، بالغ البساطة: كلما ارتفعت مرتبة البلد، ازداد احتمال أن يموت ساكنوه جراء كارثة طبيعية.

مؤشر الخطر العالمي

تحتلّ المراتب الأولى أممُ جزر المحيط الهادئ: تُعتبر فانواتو وتونغا عرضة للزلازل، والتسونامي، والعواصف، في حين تُضطر الفلبين إلى مواجهة أيضاً الثورانات البركانية والانزلاقات الأرضية. أما سكان قطر ومالطا فهم الأقل عرضة للكوارث الطبيعية، فيما تحتلّ ألمانيا المرتبة السابعة والأربعين بعد المئة بين 171 دولة.

خطر كبير في اليابان

أثناء إعداد تقرير الخطر العالمي لعام 2016، جمع العلماء بيانات تشمل مجموعة متنوعة وواسعة من العوامل، مثل عدد الناس المعرضين للكوارث الطبيعية في كل بلد، ضعف طرق النقل فيه، الإسكان وممرات التوزيع، وناتجه الاقتصادي. كذلك أخذ التقرير في الاعتبار إمداد الطعام في البلد، الرعاية الطبية، والوضع السياسي، فضلاً عن المساعدة الاجتماعية، التعليم، البحوث، وأنظمة الإنذار الباكر. ولم يشمل المؤشر بعض الدول نظراً إلى غياب البيانات الكافية.

تحتلّ اليابان، التي جاءت في المرتبة السابعة عشرة، المكانة الأعلى بين الأمم المتطورة، وصُنّفت بين الدول الأكثر عرضة للكوارث، رغم أن الباحثين اكتشفوا أنها بالغة الاستعداد لمواجهة الحوادث الطبيعية. يعود ذلك إلى أن اليابان الأكثر عرضة لمخاطر مماثلة على الكرة الأرضية، كما برهنت موجات التسونامي، والزلازل، والأعاصير، والثورانات البركانية في السنوات الأخيرة.

حول العالم

تحتلّ هولندا، التي تأتي في المرتبة التاسعة والأربعين، المكانة الثانية بين الدول الصناعية الغنية المدرجة على هذه اللائحة. يقع الجزء الأكبر من هذه الدولة المحمية بسدود تحت سطح البحر. نتيجة لذلك، ينمو الخطر الذي تواجهه مع ارتفاع مستوى البحر. على نحو مماثل، تأتي شيلي (المرتبة الثانية والعشرون) وصربيا (الثامنة والستون) في مكانتين متقدمتين رغم ازدهارهما النسبي. أما اليونان، التي تحتلّ المرتبة السادسة والسبعين، فتُعتبر عرضة للزلازل والتسونامي خصوصاً.

صحيح أن عملية التصنيف تبدو دقيقة، إلا أن الحسابات التي اعتمدها تقرير الخطر العالمي لا تستند إلى قياسات محددة، بل إلى تقديرات تقريبية قدّمها آلاف الخبراء. رغم ذلك، تُظهر هذه اللائحة بوضوح أي دول قد تواجه صعوبات كبيرة عندما تتعرض لكارثة طبيعية.

أين تقع المستشفيات؟

يشدّد التقرير على أهمية البنية التحتية. بأي فاعلية يستطيع البلد مواجهة كارثة طبيعية كبيرة؟ هل تتوافر فيه طرق ومطارات كافية لتأمين خدمات الغوث؟ كم عدد المستشفيات؟ وهل يستمر الإمداد بالطاقة الكهربائية عند وقوع حالة طارئة؟

حتى الولايات المتحدة تعاني نقصاً في هذا المجال، كما أظهر إعصار ساندي الذي ضرب مدينة نيويورك عام 2012، فقد صعّب انهيار إمداد الطاقة الكهربائية بالكامل جهود الإنقاذ.

يُظهر التقرير أيضاً أن دول أميركا الجنوبية كافة تواجه نقصاً كبيراً في قدرتها على التفاعل مع الكوارث. أما في أفريقيا، فتملك جنوب أفريقيا، والمغرب، وغانا، وغامبيا وحدها بعض التجهيزات لمواجهة الكوارث المحتملة.

عقب الكوارث المرتبطة بالأحوال الجوية، تكون الطرقات عموماً مغمورة بالماء أو بالتراب، في حين تتحوّل الدروب غير المعبدة إلى برك وحول، ما يجعل عبورها مستحيلاً.

علاوة على ذلك، تفتقر دول كثيرة إلى طرق هرب خلال الحالات الطارئة. على سبيل المثال، يبلغ طول الطرقات المعبدة في أفريقيا لكل مئة ألف ساكن 65 كيلومتراً فقط، مقارنةً بنحو 832 كيلومتراً في أوروبا. وحققت الدول، التي تضمّ قليلاً من الطرقات البديلة، أداء سيئاً في هذه الفئة في مؤشر الخطر العالمي.

على سبيل المثال، خرّب الفيضان الذي ضرب تايلاند عام 2011 مطار بانكوك. لكن هذه الدولة امتلكت وسائل أخرى عدة غير الطائرات لنقل المساعدات وأعمال الغوث في مختلف أرجاء البلد. إلا أن الوضع اختلف في نيبال عقب تعرضها لهزة أرضية عام 2015. للأسف، كان المطار الدولي الوحيد أصغر من أن يتولى عمليات تسليم المساعدة الضرورية لمواجهة الخراب الذي حلّ في البلد. كذلك دُمّر جزء كبير من شبكة الطرقات في نيبال. نتيجة لذلك، ما كان بالإمكان إيصال جهود الغوث إلى المناطق التي كانت بأمس الحاجة إليها.

مخاطر في المدن السريعة النمو
لم يتناول المؤشر إلا المخاطر المرتبطة بالكوارث الطبيعية وقدرة البلد على التأقلم مع حوادث طبيعية، مثل الزلازل والفيضانات. نتيجة لذلك، احتلّت دول مثل المملكة العربية السعودية (ثالث أفضل دولة في المرتبة التاسعة والستين بعد المئة) ومصر (في المرتبة الثامنة والخمسين بعد المئة) مكانة أفضل من سويسرا (في المرتبة الخامسة والخمسين بعد المئة)، والنمسا (في المرتبة الخامسة والثلاثين بعد المئة)، وبريطانيا (في المرتبة الحادية والثلاثين بعد المئة).

على غرار بلاد الراين في ألمانيا، قد تهزّ سويسرا هزة أرضية قوية في أي لحظة. في المقابل، يُعتبر وسط أوروبا أكثر عرضة للعواصف الهوجاء. وتقدّر شركات التأمين، عند توقعها حوادث مماثلة، حجم الأضرار بنحو مئة مليار يورو، فضلاً عن عدد كبير من الوفيات.

يُعتبر سكان المدن التي تنمو بسرعة أكثر عرضة لمخاطر الكوارث الطبيعية. يعود ذلك، مثلاً، إلى أن عمليات بناء المساكن غير الشرعية أو العشوائية تحدّ من فاعلية أنظمة الإنذار المبكر وتصعّب التفاعل مع الكوارث الطبيعية.

علاوة على ذلك، يقترح الخبراء عدداً من التدابير الاحتياطية، خصوصاً عند التعاطي مع أبنية كبيرة مثل المستشفيات، المدارس، الفنادق، والأبنية التجارية. تدعم الغرف الكبيرة في الطوابق السفلية في هذه البنى الطوابق التي ترتفع فوقها. لذلك من الممكن لأصغر اهتزاز أن يسبب سقوطها.

من الضروري أيضاً أن تكون المباني الكبيرة الجديدة، مثل المدارس، مجهزة لتحوَّل إلى ملاجئ طوارئ عندما تضرب عواصف قوية، كما في بنغلادش. ويلزم أن تخدم الطرقات كأقنية تصريف بعد الأعاصير، كما هي الحال مع بعض الطرق في اليابان وماليزيا.

أشار البنك الدولي أيضاً في تحليل أخير أصدره إلى وسيلة أخرى قليلة الكلفة للحدّ من الضرر المحتمل خلال الكوارث الطبيعية: تبديل القوانين لتعزيز حقوق الملكية، إذ اعتبر أن الناس، إذا كانوا واثقين من ملكيتهم، يبذلون جهداً أكبر للحفاظ على ممتلكاتهم.

بالإضافة إلى ذلك، من الضروري تعزيز أنظمة الإنذار. يشير التقرير إلى أن الجهود الرامية إلى حماية مَن يواجهون الخطر تفشل عادةً في الكيلومترات الأخيرة. فحتى عندما تنجح الدول في توجيه إشارات الإنذار بفضل أنظمة الإنذار المبكر الإلكترونية، تخفق غالباً لأن الإنذار لا يُمرَّر محلياً إلى البلدات والقرى.

دول أميركا الجنوبية كافة تواجه نقصاً كبيراً في قدرتها على التفاعل مع الكوارث
back to top