الجامعة الأميركية في بيروت تحيي مئوية مؤسسها دانيال بلس

عزم على التأثير في المعرفة والمجتمع... لم يتغيّر

نشر في 31-08-2016
آخر تحديث 31-08-2016 | 00:02
دانيال بلس
دانيال بلس
«قبل مئة عام، توفي مؤسس الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) الدكتور دانيال بلس، بعد ستة عقود أمضاها في خدمة التعليم في لبنان والمنطقة. وهذه الجامعة الرائدة التي أسسها كانت رؤياه، وسعى إليها حتى أسس ما أصبح يعرف بالجامعة الأميركية في بيروت»، هكذا استهلت الجامعة الأميركية البيان الذي أصدرته في المناسبة، ألقت فيه الأضواء على حياة المؤسس الذي حلم بأن تكون هذه المؤسسة قبلة الشرق وتحقق حلمه.
في بيان أصدرته، استفاضت الجامعة الأميركية في بيروت في شرح أهمية إنجازات مؤسسها دانيال بلس وتحقيقها في الواقع الذي ساد المنطقة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وما رافقه من تغيّر الجغرافيا على الأرض، ومن حركات تحررية وازدهار الإرساليات التي قصدت الشرق حاملة معها أفكار الغرب... مما جاء في البيان:

ولد دانيال بلس في 17 أغسطس 1823، واضطر إلى ترك المدرسة بعدما عجز والده عن دفع نفقات تعليمه، لكنه تابع الدراسة في الثالثة والعشرين من عمره، وموّل تعليمه من المنح الدراسية، والدروس الخصوصية، والعمل في الزراعة. تخرج بلس في جامعة أمهرست وقضى عامين في مجمع اندوفر اللاهوتي حيث سمي قساً عام 1855. بعد ذلك انضم إلى الإرسالية الخارجية بهدف خلق عالم أفضل من خلال الخدمة الإرسالية. وقد سافر إلى سورية مع زوجته الجديدة آبي وود للتعليم في المدرسة الأميركية العالية في عبيه، وفي بلدة سوق الغرب في ما بعد.

عام 1862، عاد بلس إلى نيويورك حيث اجتمع مع مجلس المفوضين الأميركي للإرساليات الأجنبية ليعرض فكرة إنشاء كلية. وباعتباره أحد المحركين الرئيسين، اختير ليكون مسؤولاً عن المشروع. وكي يكرّس وقته للكلية، استقال من الإرسالية وشكّل مجلس أمناء للكلية بمساعدة المكرم وليام دودج.

صيغت شهادة تأسيس الكلية في 18 أبريل 1863، وفي 24 من الشهر نفسه، صدر ترخيص من ولاية نيويورك لإنشاء الكلية السورية الانجيلية، واختير دانيال بلس بالإجماع لتنظيم الكلية الجديدة والخدمة كرئيسها.

بعد ذلك، أمضى بلس عامين في جولة طويلة في الولايات المتحدة وبريطانيا لجمع الأموال اللازمة لإطلاق الكلية، وعاد مع زوجته إلى بيروت في 2 مارس 1866.

مهام الكلية

فتحت الكلية السورية الإنجيلية أبوابها في 3 ديسمبر 1866. وكانت البداية متواضعة مع أداء دانيال بلس مهمات الرئيس والأستاذ. وفي نشرة الكلية وبرنامجها تأكد بوضوح هدفان: أولاً، تمكين الشباب من السكان الأصليين من الحصول، في بلادهم، على التعليم الأدبي والعلمي والمهني الذي تتطلبه مقتضيات المجتمع، والثاني جعل الكلية وطنية ومستقلة ومستدامة في ذاتها. 

فضل بلس في الكلية نظاماً «يخصص جهداً أكبر لتثقيف الطلاب عوضاً عن مجرد تعليمهم»، كما كتب في مذكراته. وفي خطابه الوداعي عام 1902 قال: «الوقائع هي بذور الفكر، ومثل البذور في العالم النباتي هي قليلة القيمة إذا جمعت ولكن بقوة المنطق والإرادة والضمير تتحول إلى ضمير ومثل عليا وقوانين تحكم المسائل والعقول».

ودعا بلس طلابه إلى تهذيب عقولهم على التحليل المستقل للحقائق السائدة، واعتبر أن الأفكار والنظريات الجديدة تنهمر باستمرار على الطلاب في ذلك الزمان.

ولم يشأ بلس أن تعمل الكلية السورية الإنجيلية بمثابة مدرسة دينية لاهوتية تركز على التدريب الديني فحسب، بل أراد أن تتواءم فيها الدراسات الأدبية والعلمية مع المبادئ المسيحية لأنها تساعد في التمييز بين الخير والشر.

واشتملت الأقسام الدراسية، التي أضيفت إلى الأدب المسيحي، اللغة العربية وآدابها، الرياضيات، علم الفلك والهندسة، الكيمياء، علم النبات، العلوم الطبيعية، اللغات الحديثة والطب. وفي ما بعد، تم توسيع البرنامج ليشمل الفلسفة، الاقتصاد، العلوم الاجتماعية، التجارة، وغيرها. وفيما تطورت الكلية في عقدها الأول، قرر بلس وبعض أعضاء الهيئة التعليمية أن تدرّس مواضيع معينة بالإنكليزية وليس باللغة العربية.

جامعة لكل الناس

وفي الوقت الذي أشرف فيه بلس على بناء أول مباني الكلية، كتب إلى زوجته وأطفاله الأربعة في الولايات المتحدة حول أهمية متابعة رؤياه ووصف إنهاكه: «لا وقت لرئيس هذه الكلية ليرتاح. يجب أن يعمل سبعة أيام في الأسبوع»، كما ذكر في كتابه «رسائل من جامعة جديدة». كان بلس يؤمن بقوة بأهمية التعلم. وكتب: «لتأهيل المرء للواجبات الجسيمة في الحياة، يجب أن ينفق الكثير من الوقت في الاستعمال المستمر للعقل للدراسة».

ثابر بلس مع العاطفة والصبر، يحمله إيمانه بأن «الكلية ستغير شكل الشرق بقوتها»، وأن التاريخ كان يصنع لأن الكلية «ستكون الأداة الأقوى في هذه الأرض لتحطيم الخرافات وستقود البلاد أكثر فأكثر». وأثناء إعداده أول برنامج للكلية السورية الإنجيلية، كتب دانيال بلس إلى و. و. تايلر، أستاذه السابق في جامعة أمهرست ليخبره أنه يتوقع أن تصبح الكلية الجديدة «جامعة أمهرست، أو جامعة يايل، في الشرق».

وفي خطابه الأكثر شهرة، خلال وضع حجر الأساس لمبنى كولدج هول في 7 ديسمبر 1871، رغم خلفيته التبشيرية وزمانه، رسم دانيال بلس المبدأ الأساس للكلية: «هذه الكلية لكل طبقات الناس كائناً ما كان لونهم أو جنسهم أو دينهم أو تابعيتهم. لأي إنسان أبيض أو أسود أو أصفر، يهودي أو مسيحي أو مسلم أو وثني. لأي إنسان كان من البشر أن يدخل هذه الكلية ويتمتع بكل منافعها، لثلاث أو أربع أو خمس سنوات، ثم يخرج منها وهو يعتقد بإله واحد أو بآلهة عدة، أو لا يعتقد بشيء البتة». 

ميراث مستمر

ميراث دانيال بلس يستمر. قال فضلو خوري، رئيس الجامعة الأميركية في بيروت، خلال حفلة تنصيبه كرئيس لها في يناير 2016: «منذ أسس دانيال بلس الجامعة الأميركية في بيروت عام 1866، أمر واحد لم يتغير، وهو العزم أن يكون لها تأثير في المعرفة، وفي المجتمع».

كأستاذ، وأمين الصندوق، ورئيس إداري، قاد دانيال بلس الكلية المتنامية لستة وثلاثين عاماً حتى تقاعده عام 1902 عن عمر واحد وثمانين عاماً. وأصبح ابنه هوارد رئيسا بعده. وبقي دانيال بلس يقيم في الحرم الجامعي حتى وفاته في الثانية والتسعين، ودفن في الأرض التي ولدت فيها فكرة الكلية السورية الإنجيلية/ الجامعة الأميركية في بيروت، وفي البلد الذي أمضى معظم حياته في خدمته: لبنان.

back to top