أولادنا...

هل يجب أن يصغوا إلينا؟

نشر في 24-08-2016
آخر تحديث 24-08-2016 | 00:04
No Image Caption
تكثر الأوامر التي نصدرها لأولادنا: «نظّف غرفتك!»، «أَنْهِ طبق البروكلي!»، «نظّف أسنانك!». لكن هل سيتأذى أولادنا إذا لم ينهوا حصة الجزر؟ هل سيفشلون في حياتهم إذا لم تكن الأحرف التي يكتبونها متّصل بعضها ببعض؟ لن يحصل ذلك! على مرّ حياتهم، ستكون هذه المسائل سخيفة. لكننا نفترض أننا نفهم الحياة أكثر منهم، لذا يجب أن ينفذوا ما نطلبه.
لكن ما الذي يدفع أولادنا إلى الإصغاء إلينا؟ ماذا سيستفيدون؟ سيكسبون بذلك رضانا ويلتزمون بتقاليد اجتماعية مجحفة. تكمن المشكلة الحقيقية في هذه النقطة بالذات. حين نخبرهم بما هو مسموح أو ممنوع، نفرض عليهم أفكارنا. نحن نتبنى المعايير الاجتماعية ونحمل رواسب من مشاكل أهالينا ثم نُسقِطها على أولادنا ونفرض عليهم أحكامنا المنحازة.

إذا كنا نقدّر قيمة الإنجازات الأكاديمية، سنقول لأطفالنا “أنهوا فروضكم المنزلية!”، وإذا كنا مهووسين بالترتيب، سنقول لهم “رتّبوا ألعابكم!”، وإذا كنا نهتم بالرياضة، سنضغط عليهم كي يلعبوا بالكرة أو يتدربوا على استعمال المضرب أو لَعب كرة المضرب.

نعيش في ثقافة تحتفل بالأعمال المنجزة. حين نقابل شخصاً جديداً في مختلف المناسبات، نسأله دوماً: “ما هي مهنتك”؟ لكننا لا نسأله مطلقاً: “من أنت؟”. نركز على الإنتاجية ونقيّم أولادنا والناس وذواتنا بناءً على مستوى الإنجازات المحققة. ولا تنتهي النصائح التي نقدمها لدرجة أنها قد تصبح مُنَفّرة في نهاية المطاف.

لكن أين المشكلة في ذلك؟ لا تتعلق المشكلة بأولادنا بل بالراشدين. نحن منشغلون بحاجاتنا الخاصة ونريد إنشاء نسخ مصغّرة منا. ننظر إلى أولادنا ونتمنى أن نشاهد نفسنا. لذا نتبنى طرائق تفكير معينة وننسى أن تلك الكائنات الصغيرة يجب أن تكون مستقلة عنا. نريد من كل قلبنا أن نشاهد انعكاساً لنا في أولادنا، فنحاول أن نربّيهم كي يشبهونا. لكننا نضيع في مستنقعنا الخاص.

ما هي أفضل طريقة للتواصل مع أولادنا؟ ما الذي يجب أن نغيّره في طريقة تعاملنا معهم؟ كيف نسلّط الضوء عليهم؟ ما هو السؤال الأساسي الوحيد الذي يجب أن نطرحه؟ يجب أن ننزل إلى مستوى الطفل ونسأله بكل بساطة: “من أنت؟”.

فضول صادق

يجب أن يتمتّع الأهالي في المقام الأول بفضول صادق تجاه أولادهم. يتطلّب تطوير حس الفضول اكتساب القدرة على الانفتاح. حين نمتنع عن إصدار الأحكام، يمكن أن ننفتح على الخيارات كافة. يجب ألا نفترض أو نرفض، بل نبقى منفتحين على احتمالات مدهشة: من هو ابني؟ من هي ابنتي؟ من هو ذلك الكائن الصغير؟ ما الذي يحبه؟ ما الذي يحفّزه؟ حين ترفض ابنتك إتمام فروضها مثلاً، بماذا تشعر فعلياً؟ لماذا لا يريد ابنك الخلود للنوم كل ليلة؟ يجب أن نطرح الأسئلة التي تتعلق بكيانهم وليس أفعالهم.

بدل أن تجبري ابنتك على إنهاء كامل طبق البازلاء مثلاً، يمكنك أن تتقبّلي خيارها وتشعري بالفضول بشأن تجربتها: “ألا تريدين إنهاء طبقك؟ لا بأس بذلك. لديّ فكرة أخرى. لنلعب لعبة اسمها “الاختبار”. أولاً، لنأخذ ورقة كبيرة أو رزنامة وأقلاماً ملونة. سنقسم الصفحة إلى أجزاء عدة ويعبّر كل جزء منها عن يوم منفصل. في اليوم الأول، لن تأكلي أي حبة بازلاء! وفي اليوم الثاني، ستأكلين حبة. وفي اليوم اللاحق، ستأكلين ثلاث حبات. في كل جزء من الورقة، سنرسم وجهاً للتعبير عما تشعرين به حين لا تأكلين البازلاء أو تأكلين حبة أو أكثر...”.

“ألا تريد أن تخلد للنوم؟ هل أخبرتُك يوماً قصة “الأميرة والبازلاء؟” هل تريد أن تؤدي دور الأمير أم الأميرة؟ سنضع غرضاً تحت فراشك وسنرى إذا كنت ستشعر به خلال الليل”.

باختصار، يجب أن نكون صادقين وعفويين مع أولادنا وأن نغوص في اهتماماتهم الحقيقية. بدل أن نملي عليهم ما يجب فعله ونشعر بالإحباط حين يرفضون طلبنا، سنسترجع شعور الاسترخاء ونتقبّل كل ما نتعلّمه منهم. سنصبح متواضعين ومنفتحين على المعلومات التي نُكونّها عن أولادنا.

“ألا تريد أن تنظف غرفتك؟ لا بأس، استعمل هذه الوجوه التي تحمل تعابير مختلفة عن الغضب والملل والحزن والحماسة والنعاس والسعادة والدهشة”... اسألي ابنك: “بماذا تشعر حين أطلب منك أن تضع ألعابك جانباً؟ حدّد الوجه الذي يعبّر عن شعورك. أين يتركّز ذلك الشعور في جسمك؟”. “لنلعب ونرتّب غرفتك بطرائق مختلفة. لنوزّع ألعابك في جميع أنحاء الغرفة ونقذف جزءاً من ملابسك في الهواء ونصنع كرة من قمصانك ونلعب بها... سنتركها مبعثرة طوال الليل. أم أنك تفضّل تركها بهذا الشكل لبضعة أيام؟ يمكنك أن تخبرني بما تفضّله وبما تشعر به وبما يحصل في جسمك. بعد بضعة أيام، يمكن أن نلتقط غرضاً عن الأرض وسنرى ما تشعر به”.

تعطي هذه المقاربة أفضل النتائج مع الأولاد والمراهقين. لكن لن يتمكّن الأطفال من تحديد عواطفهم أو التعبير عنها شفهياً، وسيحتاج المراهقون إلى تحمّل مسؤوليات إضافية تزامناً مع رسم الحدود لتصرفاتهم لكن بطريقة بنّاءة وغير عشوائية. لا أدافع عن الفوضى العارمة والتصرفات الجامحة. يجب ألا يتمكن أولادك من القيام بكل ما يريدونه بلا مبرر!

10 جوانب مهمة.

إليكم مثالاً عما أعنيه: حين كان ابن أختي في السابعة أو الثامنة من عمره، ذهب إلى المدرسة وأخذ معه غداءً وضّبته له والدته. لكن بدل أن يأكله، باعه لطفل آخر! لم أعاتبه بل استعملتُ أسلوب الفكاهة وعبّرتُ عن شعوري بالفضول لمعرفة دوافعه حين سألتُه عن الموضوع. فقال لي: “أردتُ أن أختبر مشاعري حين أبيع غرضاً كما تفعل المتاجر، وأردتُ أن يتذوّق شخص آخر سندويتشات أمي اللذيذة”.

شعرتُ بصدمة كبيرة! بعبارة واحدة، عبّر ذلك الطفل عن عشرة جوانب مهمّة من شخصيّته على الأقل:

• كان سلوكه ينمّ عن حس فضول فائق.

• أظهر تعاطفه مع الغير ورغبته في أن يختبر طفل آخر المتعة التي يشعر بها.

• تبنى سلوكاً مميزاً وفكّر بطريقة غير مألوفة.

• تجاوز حدود السلوكيات “الآمنة”.

• جسّد معنى السخاء حين أراد مشاركة غيره.

• تصرّف بطريقة استباقية في محيطه الاجتماعي.

• تصرّف بكل ثقة.

• نظّم صفقة ناجحة في ملعب المدرسة.

• تصرّف استناداً إلى مراقبة نموذجنا الاقتصادي.

• قرر ألا يلتزم بالنشاطات الاعتيادية خلال استراحة الغداء.

طرح الأسئلة

ما هي المنافع التي يمكن حصدها نتيجة التحلي بالصبر وطرح الأسئلة؟ ستكون المنافع هائلة ولامتناهية وستفوق كل ما نتوقّعه. إذا خصصنا فترة كافية كي نطرح الأسئلة، فسندرك أن أولادنا ساحرين ومميزين أكثر مما تتصوّره مخيّلتنا الضيقة. لكن إذا امتنعنا عن طرح الأسئلة عليهم، فلن نرى إلا أنفسنا. يتعلق التحدي الأساسي بالسماح لأولادنا بالكشف عن حقيقتهم أمامنا!

يجب أن نكون صادقين وعفويين مع أولادنا وأن نغوص في اهتماماتهم الحقيقية
back to top