فاروق مردم بيك : الترجمة الأدبيّة من العربية إلى الفرنسية أكثر أهمية اليوم من أي وقت مضى

نشر في 18-08-2016
آخر تحديث 18-08-2016 | 00:04
فاروق مردم بيك
فاروق مردم بيك
ما زال عدد الكتّاب العرب المترجمين الى اللغة الفرنسية قليلاً رغم نجاح أعمال أدبية عربية كثيرة وعدد من الروايات في الآونة الأخيرة، أبرزها «عمارة يعقوبيان» (2002) للكاتب المصري علاء الأسواني و{تاكسي» (2009) للروائي خالد الخميسي. لكن فاروق مردم بيك يأمل نشر أعمال مبتكرة تتخطى القيود الاقتصادية، والثقافية، والسياسية، والرمزية الراهنة. ويشير مدير مجموعة «سندباد» في دار Actes Sud إلى ضرورة المخاطرة لفرض عدد أكبر من الكتّاب العرب بغية غزو قراء اللغة الفرنسية.
إليكم ما ذكره في دردشة مع مجلة Point Afrique.
مع انطلاق الموسم الأدبي الجديد، ننتظر عدداً من الروايات الفرنسية من كتّاب عرب، مثل Beaux rivages (شواطئ جميلة) لنينا بوراوي، Chanson douce (أغنية دافئة) لليلى سليماني، Dieu n›habite pas La Havane (الله لا يسكن في هافانا) ليسمينة خضراء، وCe vain combat que tu livres au monde (هذا النضال البائس ضدّ العالم) لفؤاد العروي. لكنّ الأعمال المترجمة من العربية إلى الفرنسية أكثر ندرة. ففضلاً عن Pas de couteaux dans (لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة) les cuisines de cette ville للروائي السوري خالد خليفة، التي تنشرها في مجموعتك، لا نعثر في هذه الفئة إلا علىLe Messie du Darfour  (رسول دارفور) للسوادني عبد العزيز بركة ساكن. هل هذه الندرة أمر معتاد أم أنها تقتصر على هذا الموسم الجديد؟

لا يولي محررون كثر الأدب العربي اهتماماً. باستثناء مجموعة «سندباد» التي أنشأتها دار Actes Sud عام 1995 لمتابعة ما حققه بيار برنارد مع طبعات حملت الاسم ذاته، تُعتبر دار Le Seuil الوحيدة التي أسست عام 2012 مجموعة Cadre Vert للأعمال الخيالية المعاصرة المترجمة من العربية. يتولى إدارة المجموعة إيمانويل فارليه، الذي يتقن اللغة العربية بمهارة، وتنشر Cadre Vert ثلاثة إلى أربعة كتب سنوياً. ومنذ ترجمة أندريه غيد كتاب {الأيام} لطه حسين عام 1947، تترجم دار Gallimard أيضاً رواية واحدة على الأقل كل سنة. ينطبق الأمر عينه على دار Jean-Claude Lattès التي نشرت ثلاثية الأديب المصري نجيب محفوظ الحائز جائزة نوبل للأدب عام 1988. وهكذا، نتمكّن بصعوبة كبيرة من بلوغ نحو 12 كتاباً مترجماً من العربية كل سنة.

عقب جائزة نوبل هذه ونجاح الشاعر الفلسطيني محمود درويش، توقعنا بعض التشجيع من المحررين والقراء الفرنسيين. إلا أن توقعاتنا لم تصِب...

لا تتبع الأنماط الأدبية منطقاً محدداً. كان من المفترض أن يعزز نجاح عدد من الروايات المترجمة من العربية خلال السنوات العشر الماضية اهتمام القراء والناشرين. قدمت مجموعة Actes Sud {عمارة يعقوبيان} (2002) للكاتب علاء الأسواني، التي باعت أكثر من 300 ألف نسخة، و{تاكسي} (2009) لخالد الخميسي. كان نجاحهما كبيراً، إلا أنه ظلّ محدوداً. ينطبق الأمر عينه على عدد من الكتّاب الآخرين الذين تخطّت إحدى رواياتهم عتبة العشرة آلاف نسخة، مثل Les années de Zeth  («سنوات ذات»، 1993) لصنع الله ابراهيم، وLa Porte du soleil ({باب الشمس}، 2003) لإلياس خوري. لكن حماسة الناس ترتبط بعنوان رواية أكثر منه باسم كاتب.

يحظى العالم العربي اليوم باهتمام كبير على الصعيد الدولي. ما تأثير ذلك في السوق الأدبية؟

نصحني أخيراً صديق مطلع على شؤون التسويق بتفادي كلمة «إسلام» على غلاف كتاب مخصص لهذا الموضوع. وأعتقد أنه محق. صحيح أن الأعمال الأدبية العربية اصطدمت دوماً بعقبات حالت دون إثباتها مكانتها في فرنسا، إلا أنني أعتقد أن هذه المسألة باتت اليوم أكثر تعقيداً نظراً إلى فيض الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام عن العرب. يواجه الناس اليوم صعوبة كبيرة في تمييز الجيد من السيئ. لذلك يميلون إلى الابتعاد بالكامل عن هذه الأعمال الأدبية، خصوصاً ما يتناول منها هذه الدول. منذ سنتين أو ثلاث سنوات، نلاحظ استقراراً في مبيع الأعمال المترجمة من العربية. لكن هذا غير كافٍ في رأيي. أعتقد أن الترجمة الأدبية من العربية إلى الفرنسية أكثر أهمية اليوم من أي وقت مضى، لأن الرواية الجيدة تسمح للقارئ بالغوص في أعماق المجتمع العربي والتعرف إلى تعقيداته اليومية، بخلاف المقالات السياسية والإخبارية.

مشاكل

يذكر خبير اللغة العربية وأعمالها الأدبية في جامعة بروفونس ريشار جاكمون في أحد مقالاته أن «تدفق الترجمات من العربية وإليها يقوم على منطق علائقي بين الشمال والجنوب». ما رأيك في ذلك؟

لا يقتصر النقص في الترجمة على الأعمال الأدبية العربية. كلا على الإطلاق! تعاني اللغات كافة التي توصف بـ»النادرة» المشكلة عينها. على سبيل المثال، تبقى الأعمال الأدبية الهندية، سواء كُتبت بالإنكليزية أو بلغات الهند أو باكستان، أقل ترجمةً إلى الفرنسية، مقارنة بالأدب العربي، علماً أن القارة الهندية أكبر من العالم العربي بنحو ثلاثة أضعاف. نلاحظ منذ سنة ونصف السنة تقريباً تراجعاً في مبيعات الأعمال الأدبية المترجمة. في المقابل، تُعتبر كلفة الترجمة باهظة، فتصل إلى ثمانية آلاف أو تسعة آلاف يورو لرواية من من 400 صفحة. ولا تتخطى مساعدات المركز الوطني للكتاب الخمسين في المئة. نتيجة لذلك، لا يستطيع المحرر تحمّل هذه الكلفة إلا إذا ضمن مبيع ما لا يقل عن 5 آلاف نسخة. ولا شك في أن هذا الأمر يحدّ من ميل المحررين إلى المخاطرة.

ما وضع فرنسا مقارنة بسائر الدول الأوروبية في مجال ترجمة الأعمال الأدبية العربية المعاصرة؟

في تقرير أولي عن الترجمة في منطقة البحر الأبيض المتوسط أُعدّ عام 2010 بالتعاون مع شراكة أوروبية مع مؤسسة آنا ليند (الترجمة في منطقة البحر الأبيض المتوسط)، أشار إيمانويل فارليه إلى أن 0.6% من ترجمات الأعمال الأجنبية إلى الفرنسية هي ترجمات من العربية. ولكن رغم ضآلة هذا الرقم، تحتلّ فرنسا المرتبة الأولى بين الدول الأوروبية في هذا المجال، متفوقةً على تركيا وإسبانيا وحتى إيران، وهذا أمر مذهل بالتأكيد.

في الأعمال الأدبية المترجمة من العربية، نلاحظ منذ زمن تفوقاً للمشرق على المغرب. هل هذه كانت الحال دوماً؟

يعتبر كثير من المحررين الفرنسيين، ومعظمهم غير مطلع كفاية على هذه المجالات الأدبية، أن الأعمال الأدبية المغربية تتلخّص بما يُنتج باللغة الفرنسية. صحيح أن الأعمال المكتوبة بالفرنسية كانت منذ زمن واسعة الانتشار في الجزائر والمغرب، إلا أن الوضع تبدّل اليوم. أما في تونس، فلطالما شكّلت العربية لغة الكتابة الأولى. لذلك، من الضروري أن تتطوّر وجهات النظر...

جيل جديد من المترجمين

حول الميل التاريخي في الترجمة من العربية إلى الفرنسية، وما يحمله من تصادم بين مدرستَي الترجمة «المستشرقة» و{المفرنسة»، وما آل إليه هذا الصراع اليوم، يوضح فاروق مردم بيك أن «المدرسة «المفرنسة» حققت التفوق، مؤكداً أن هذا الأمر جيد». ويتابع: «صحيح أن بعض النصوص الكلاسيكية يتطلّب ترجمة قريبة من المصدر، لكنني أعتقد أن هذا الأمر لا ينطبق على الأعمال الأدبية المعاصرة، التي لا يستطيع القارئ الغربي الاستمتاع بها وتقديرها من دون تكييفها خلال الترجمة».

بالإضافة إلى ذلك، يشير إلى أن «المحررين العرب قلما يتدخلون في النصوص، التي تصلنا مليئة بأخطاء وهفوات غالباً»، مؤكداً أن «الجيل الجديد من المترجمين يتقن عمله، فقد عاش معظمهم ودرس اللغة العربية في بلد عربي. لذلك يألفون جيداً اللغة المحكية لا الفصحى فحسب، بخلاف المستشرقين القدماء. لكن المشكلة تكمن في أن هؤلاء المترجمين الشباب يواجهون صعوبة في العثور على عمل».

نلاحظ منذ سنة ونصف تراجعاً في مبيعات الأعمال الأدبية المترجمة

القارىء يواجه صعوبة في تحديد العمل الأدبي الجيد
back to top