أطلقوا «مشروع الألم» بعد خروج بريطانيا

نشر في 28-07-2016
آخر تحديث 28-07-2016 | 00:01
 الغارديان يلوح في الأفق احتمال أكثر خطورة من خروج بريطانيا: عقد صفقة جيدة مع المملكة المتحدة. تشير التقارير من بروكسل إلى كثرة الحديث عن تسوية تمنح المملكة المتحدة القدرة على ولوج السوق الموحدة، فضلاً عن تنازلات ترتبط بحرية الحركة، لكن هذه الصفقة تشكّل خطأ فادحاً، فإن خرجت بريطانيا من كل هذه المعمعة سليمة معافاة، فسيشكل ذلك ضربة قوية للاتحاد الأوروبي.

يجب أن تتكبد المملكة المتحدة، نتيجة انفصالها هذا، الحد الأقصى من الضرر السياسي والاقتصادي، ويلزم أن تغادر القوى المالية لندن، وأن تعجز الشركات المتعددة الجنسيات الآسيوية، والأميركية، والإفريقية عن إقامة مقراتها التابعة للاتحاد الأوروبي في هذه المملكة، بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تحصل الجامعات، والشركات، والمدن على مساعدة سخية بغية مساعدتها في جذب أفضل العقول من منافساتها البريطانية، مقدمةً لهم مثلاً جواز سفر الاتحاد الأوروبي، علاوة على ذلك، يستطيع الاتحاد الأوروبي تسديد ضربات عدة إلى المملكة المتحدة لكي يحرص على أن تواجه عقداً حالكاً من الركود الاقتصادي والعزلة السياسية، فينبغي ألا يعود اقتصادها إلى حجمه قبل الاستفتاء قبل عام 2030 مثلاً.

باتت الحجة الأولى التي تبرر إلحاق الأذى بالمملكة المتحدة معروفة جيداً: تفادي عملية خروج متهورة أخرى تستند إلى الأكاذيب، وتتوق الأحزاب التي تخشى الوحدة الأوروبية في مختلف أنحاء القارة إلى تكرار ما حققه نظراؤها البريطانيون: استخدام الوقائع المشوهة، وأنصاف الحقائق، والتمييز العرقي، والأوهام لخداع الناس وتحقيق النصر. يدرك مَن يخشون الوحدة الأوروبية جيداً أن مقايضة السيادة الوطنية بالازدهار الاقتصادي واقع قائم، فمع تنامي السيادة الوطنية يتراجع الازدهار الاقتصادي والعكس صحيح، كذلك يعون أنهم إن طرحوا المعضلة الأوروبية على هذا النحو، فلن يفوزوا مطلقاً؛ لذلك يلجؤون إلى الكذب، والخداع، والاستفزاز، فيتجاهلون صفحة مهمة من كتاب حملة الانفصال، مستخفين بتحذيرات الخبراء من العواقب الكارثية التي يصفونها بـ"مشروع الخوف". إذاً، أي وسيلة أفضل لتبديد هذه الخرافات من الإشارة إلى الكارثة الاقتصادية التي قد تحل ببريطانيا؟

كما هي الحال في كل عملية انفصال، يسبب إلحاق الأذى بالشريك السابق شعوراً بالذنب، لكن هذا الشعور سيزول عندما يتجرأ الأوروبيون أخيراً على الإقرار بمدى الإساءة التي عانوها خلال هذه العلاقة السياسية، فقد أعرب الاتحاد الأوروبي في العقد الماضي عن الصبر، في حين لم تفوّت الحكومة البريطانية أي فرصة لتقوّض السياسات الأوروبية، وتستهزئ بها، وتبتزها، وتخربها. على سبيل المثال كانت المملكة المتحدة من أبرز المشجعين على التوسع، إلا أنها سرعان ما بدأت بانتقاد الاتحاد الأوروبي لأنه كبير ويصعب التحكم فيه، فهل يُعقل أن تنسحب من ائتلاف مع حزب أنجيلا ميركل في البرلمان الأوروبي لتنضم إلى فريق متنوع من الأحزاب المهمشة المناهضة للوحدة الأوروبية، كما فعل ديفيد كاميرون ومحافظوه، وتتذمر بعد ذلك من أن البرلمان الأوروبي لا ينجز أي مشاريع؟

علاوة على ذلك، عندما كانت منطقة اليورو على شفير الهاوية، اعتبر جورج أوزبورن أن من الضروري إخبار العالم أنه ما من دولة مستعدة لخروج اليونان بقدر بريطانيا، ولكن عندما طُرحت صفقة لحل أزمة اليورو، أيدتها المملكة المتحدة. لنفكر أيضاً في ما حدث عندما سعت فرنسا إلى الحد من عدم المساواة برفع الضرائب على الأغنياء، فلم تتردد الحكومة البريطانية وقتذاك في مد السجاد الأحمر أمام الأثرياء الفرنسيين، ولا شك أنكم تذكرون فيض الإساءات اليومية التي كانت الصحف البريطانية توجهها إلى أوروبا طوال العقود الماضية، أضف إلى ذلك نايجل فاراج، الذي يعاني على ما يبدو رغبة قسرية تدفعه إلى إهانة زملائه في بروكسل.

إذاً، تشير الوقائع إلى أن النخبة السياسية البريطانية استخدمت الاتحاد الأوروبي ككرة قدم استغلتها لتحقق غاياتها التافهة المتهورة، وهنا نصل إلى الحجة الثانية التي تدعم "مشروع الألم"، إذ لم تفتقر الديمقراطية البريطانية إلى الشريعة على هذا النحو منذ حرب العراق، علماً أن أوجه الشبه بين الحكومة آنذاك والحكومة القائمة اليوم لافتة للنظر: استغلال الخداع والتلاعب للترويج لفكرة ما، واستعراض مؤيديها وإبرازهم، ونشر الأوهام بشأن النتيجة. ولا أمل بأن تنظف الديمقراطية البريطانية نفسها قبل أن يُعزل مهندسو كارثة الخروج البريطاني وتنهار مسيراتهم وسمعتهم، ولا شك أن هذه ستشكل وسيلة ممتازة لتحديد مدى نجاح "مشروع الألم" بعد عقد من اليوم: هل تثير أسماء مثل مايكل غوف، وبوريس جونسون، وأندريا ليدسوم، ونايجل فاراج الاشمئزاز تماماً كما يحدث اليوم مع أسماء مثل توني بلير وجورج بوش الابن؟

يهدف "مشروع الألم" إلى حماية الاتحاد الأوروبي من المخرّبين في مختلف أنحاء القارة، وإلى مساعدة الديمقراطية البريطانية على تجديد نفسها، وإن تحقق هذا الهدف الأخير، فستحظى هذه القصة بخاتمة سعيدة إلى حد ما، وقد لا ننظر إلى هذا المشروع في المستقبل كمشروع ألم بل كمشروع حب قاسٍ.

Joris Luyendijk يوريس لوينديك

back to top