تصريحات بلير والاستفتاء البريطاني!

نشر في 16-07-2016
آخر تحديث 16-07-2016 | 00:00
 محمد صالح السبتي سؤال يتبادر إلى ذهني دائما: هل يستطيع الشعب - أي شعب – أن يختار القرار السياسي الأفضل له، لاسيما في المسائل المصيرية؟ وسبب هذا السؤال أن مقدرة أفراد الشعب على هذا الاختيار تعني بالضرورة معرفته الكاملة بدهاليز السياسة وضوابطها وخفاياها المحلية والإقليمية والعالمية، وهذا الشيء غير ممكن أبدا لكل أفراد الشعب كما أنه ليس مطلوباً منهم أصلاً، بل قد يكون مضراً لأي مجتمع، إذ إن الانشغال بالسياسة والالتهاء بها يضيعان على أفراد الشعب الانشغال باختصاصاتهم وعلومهم وثقافتهم وأدبهم ومتعتهم وحياتهم الخاصة، وإذا كان هذا غير ممكن فكيف نرتكن في القرارات المصيرية إلى إرادة الشعب وتصويته، وهي غير متمكنة من ضوابط اتخاذ القرار؟

في الاستفتاء الأخير على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان هذا السؤال حاضرا تماما: كيف يستطيع عموم أفراد المجتمع البريطاني أن يعرفوا ما إذا كان بقاؤهم في الاتحاد أفضل أم خروجهم؟ كيف لهم أن يعرفوا فوائد ومضار بقائهم وخروجهم من الاتحاد؟ وذلك دون التقليل من حق الشعوب في تقرير مصيرها، لكن كيف يتأتى مثل هذا والعقل والمنطق يريان أن الشعوب – كل الشعوب – لا يمكنها أن تكون سياسية بكل أفرادها؟ وليس من مصلحتها أن تكون!

تصريحات السيد بلير الأخيرة جاءت في ذات سياق هذا السؤال عندما ذكر إيمانه الذي لم يتغير بضرورة إسقاط نظام صدام حسين، لكنه يعتقد أنه كان في الوقت متسع لعمل دبلوماسي بعيدا عن الحرب، ومع إيماننا بأن دول الغرب أخطأت خطأ استراتيجياً عندما أبدلت نظام صدام حسين بالفراغ الذي لم تملأه بأي شيء وتركت الأمور تجري بفوضى عارمة، فإن سؤالنا هنا مرتبط بذات السؤال الأول: هل كان بإمكان شعوب المنطقة أن تعي ما حصل وما قد يحصل جراء قرار إسقاط النظام في العراق؟

أطرح هذا السؤال في وقت أصبحت أغلب الحكومات تنقاد للرأي العام وتتأثر بقراراتها فيه، بل وتخاف منه أيضا، وفي وقت أصبحت للرأي العام الشعبي قنواته الخاصة المتمثلة بمواقع التواصل، والذي أنشأ لنا "هلامات" كبيرة وفقاعات وبالونات غدت تؤثر في المجتمعات وتوجهها رغم تفاهتها وسفاهتها، إلا أنها في النهاية مؤثرة بسبب صناعتنا للهالة حولها، فإذا كان هذا الرأي العام يؤثر في قرارات الحكومات، وهو على ما ذكرنا من حال، فكيف للقرارات أن تكون صائبة أو تحقق مصالح البلاد والعباد؟! خاصة بعدما بات التأثير في الرأي العام وقيادته وتوجيهه لا بيد العقلاء بل بيد سفهاء المواقع؟

صناعة الرأي العام أصبحت في عالمنا اليوم المهمة الأهم والأصعب التي يجب أن يتحمل مسؤوليتها كل من الحكومات والمثقفون وقادة الرأي لأن نتائج إهمال صناعته وخيمة جداً سياسياً وثقافياً وتربوياً على كل المجتمعات... والشواهد الدالة على ذلك أكثر من أن تحصى.

back to top