80 عاماً من الدم والغدر (10) صالح سرية... رئيس جمهورية الإرهاب

نشر في 12-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 12-07-2015 | 00:01
خرجت أفكار سيد قطب من خلف أسوار السجون تسعى ناشرة تأويلات عدة تتركز كلها حول جاهلية المجتمع والدعوة إلى الحاكمية، ما تمت ترجمته من قطاع عريض من الإسلامويين بأفكار تكفير المجتمع، لكن هذه الأفكار احتاجت إلى من ينقلها من خانة التنظير إلى خانة الفعل، فظهر صالح سرية على المشهد مدشناً لتيار يحمل السلاح ويفرض أفكاره بالقوة والإرهاب.

في منتصف ليل يوم الخميس 18 أبريل 1974، وسط صمت قاهرة السبعينيات، تسلل أفراد من مجموعة مسلحة، صوب مبنى الكلية الفنية العسكرية، غير بعيد عن ميدان {العباسية} بوسط القاهرة،  تلحفوا بالظلام، حتى لا تُكتشف خطتهم، فما يسعون إليه، لم يسبقهم إليه أحد، والهدف النهائي لم يكن أقل من تغيير مجرى التاريخ ومستقبل مصر السياسي إلى الأبد، فالأفكار التي كانت حبيسة الكتب تدعو إلى التكفير وحمل السلاح خرجت من القمقم على يد صالح سرية، وتمت ترجمة أفكار سيد قطب وأبو الأعلى المودودي إلى أفعال، فكأن شياطين الأرض خرجت من بطنها دفعة واحدة.

تجمع الشباب الغض الذي لم يكن أكبرهم قد اقترب حتى من الثلاثين عاما، أمام مبنى كلية الفنية العسكرية، في انتظار ساعة الصفر، للهجوم على المبنى والاستيلاء على السلاح الموجود بداخله، لإطلاق عملية إرهابية هدفها الوحيد السيطرة على الحكم في مصر، انتظروا أمام البوابة الخلفية لمبنى الكلية المطلة على شارع {إسماعيل الفنجري}، لإطلاق سلسلة من أعمال العنف كان يفترض أن ينتهي بوصول صالح سرية إلى رئاسة الجمهورية المصرية.

تأمل صالح سرية (من مواليد 1937)، الوجوه من حوله، كان يستعيد ذكريات بعيدة تعود به إلى لحظة الميلاد في مدينة حيفا الفلسطينية، وكيف رأى ضياع الأراضي الفلسطينية أمام هجمة عصابات الصهيونية المتحالفة مع قوى الاحتلال الغربي، شاهد كيف سقطت الجيوش العربية أمام عصابات الصهيونية في نكسة 1948، ما اضطره لمغادرة فلسطين على أمل العودة، التي لم تتحقق.

استكمل سرية تعليمه الأولي في العراق، حيث حظي باهتمام خاص من قيادات جماعة {الإخوان المسلمين}، الذين وفروا له كل الدعم في بلاد الرافدين، وقدموا له فرصة لاستكمال تعليمه الجامعي في جامعات بغداد، بوساطة مباشرة من زعيم الإخوان هناك، ليحظى سرية باهتمام كل من حوله، وأسس مع مجموعة من الفلسطينيين {جبهة التحرير الفلسطينية}، والتي هدفت إلى حشد الشباب على أمل تحرير فلسطين.

لكن سرية بدأ ينخرط في الحياة السياسية العراقية، وراقب ثورة 1958 التي أطاحت النظام الملكي العراقي، وتصدر عبدالكريم قاسم المشهد السياسي، والذي دخل في صراع مع الإخوان سريعا، ليبدأ بعدها سرية في العمل السري، وقام بتنفيذ عدة عمليات مسلحة ضد يهود العراق، بحجة استخدام أموالهم لتمويل عمليات شراء الأسلحة لتنظيمه.

ومع وصول عبدالسلام عارف، الصديق القديم للإخوان، إلى سدة الحكم، توترت العلاقات أكثر مع الجماعة، وألقي القبض على سرية سنة 1965، ليمكث في السجن بضعة أشهر، وكان سرية قد التقى بياسر عرفات الذي عرض عليه الانضمام إلى حركة {فتح}، وانضم بالفعل إلى المجلس الوطني الفلسطيني، وتقلبت به الأوضاع بين سورية والأردن، حيث ارتبط بمؤسس حزب {التحرير الإسلامي}، تقي الدين النبهاني، الذي يدعو إلى إقامة الخلافة الإسلامية.

وصل سرية إلى القاهرة في عام 1971، وحصل على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة {عين شمس}، في العام التالي، ووفقا للمؤرخ رفعت السعيد في كتابه {المتأسلمون... الآتون من عباءة الإخوان}، فخلال هذه الفترة حظي سرية بدعم مادي ومعنوي من جماعة {الإخوان}، وأقام علاقات وثيقة مع العديد من القيادات المفرج عنها حديثاً، وأصبح وثيق الصلة بالمرشد المستشار حسن الهضيبي، وبالسيدة زينب الغزالي، لكنه يئس من أي تحرك فعلي للجماعة فقد وصفهم في التحقيقات {أنهم ناس ميتة، خرجوا من السجن وكل واحد عاوز يتزوج ويسافر للخارج».

ويبدو أنه فقد حماسه للبقاء في القاهرة لهذا السبب، فغادر إلى بغداد، حيث التحق بجماعة {الإخوان المسلمين} هناك، وأسس مجموعة مسلحة في إطار هذه الجماعة لكنها مكونة أساساً من الفلسطينيين المقيمين بالعراق، ثم بدأ في الإعداد لانقلاب عسكري يبدأ باغتيال أحمد حسن البكر وكان ذلك عام 1973، واكتشفت المؤامرة، لكن صالح سرية تمكن من الهرب هو وأسرته إلى القاهرة.

وأشار السعيد إلى أنه بالرغم من تقييم سرية السلبي السابق لجماعة {الإخوان} إلا أنه عاد فورا إلى أحضانها في القاهرة، ربما لأن الجماعة كانت قد استعادت قدرتها على التحرك الفاعل عبر تحالفها الوثيق مع الرئيس أنور السادات، وعبر مشاركة قياداتها في عمليات التثقيف في المعسكرات الإسلامية الصيفية لطلاب الجامعات، بما مكنهم من تجنيد جيل جديد من طلاب الجامعات، واستمر في زيارة السيدة زينب الغزالي في بيتها، وهناك التقى بطلال الأنصاري وهو شاب متحمس ذو ميول دينية، واتفقا على وجوب إقامة دولة إسلامية تسعى من خلال الجهاد إلى تغيير النظام القائم وإقامة نظام إسلامي، ونشط طلال الأنصاري الذي كان يقيم بالإسكندرية في ضم عديد من الأعضاء الذين تعرف عليهم عبر تردده على المساجد، وكذلك زملاؤه في الدراسة، وأصبح طلال أميراً للإسكندرية.

ويبدو أن صالح سرية كان على علاقة وثيقة بالمرشد حسن الهضيبي وزينب الغزالي، وأنه كون تنظيماً شبيهاً بتنظيم أستاذه تقي الدين النبهاني، وهو تنظيم يعتمد على أفراد يجند كل منهم على انفراد ويعيشون حياتهم بصورة طبيعية، ولا يتجمعون كلهم معاً بما جعلهم بعيدين عن أعين الأمن، وجعل ضربتهم مفاجئة للأمن، وكان معظم أعضاء تنظيمه من طلاب جامعات القاهرة والإسكندرية والأزهر والفنية العسكرية، وسريعاً جداً تكون التنظيم، الذي استفاد من مناخ التحالف بين السادات والإخوان.

شباب محمد

       

وضع صالح سرية الخطوط العريضة لتنظيم أطلق عليه {شباب محمد}، عرف إعلاميا فيما بعد بتنظيم الفنية العسكرية، والذي ضم 90 عضوا فقط، واعتمدت فكرة التنظيم على أن يشكل كل عضو مجموعة منفصلة يعمل على تجنيد آخرين وضمهم إلى التنظيم الوليد، لكن سرية كان يتعجل الأمر ويرغب في الوصول إلى السلطة سريعا، فبدأ يقابل جميع الأعضاء ليمنحهم المزيد من الحماس، وفي اعترافات بعض المتهمين من أعضاء التنظيم، قال إنه حضر اجتماعاً في حديقة الأورمان، تلقّى فيه الأعضاء بعض التدريبات البدنية.

ويتعجب التقرير الصادر عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، من انتشار تنظيم صالح سرية قائلا: {تجدر الإشارة إلى أن الجماعة انتشرت انتشاراً سريعاً وتنامت عضويتها في فترة لم تتجاوز عدة أشهر مما يدفع للتساؤل حول أسباب هذا الانتشار خاصة في صفوف الشباب}، ويضيف التقرير: {حاولت أجهزة الإعلام الرسمية تفسير انتصارها في أكتوبر (1973)، على أنه منحة من الله مما انعكس على الشارع المصري، ودعم منطق الجماعات الإسلامية».

ما عبر عنه المتهم محمود خلاف محمد، وهو أحد طلاب الكلية الفنية العسكرية: {طبعاً لما جاءت حرب رمضان ربنا أكبر منا، وبعد التفاصيل المروعة والمقارنات العجيبة التي تظهر بدائع لطف الله في هذه الحرب مع كل جندي وكل حادثة، بعد هذه المعركة كل جندي يروي أنه لم يفعل شيئاً ولكن الله ستر، وكل ضابط يقول لم أفعل شيئاً لكن الله لطف، وكل إنسان يقول الحمد لله لنرجع إلى الله... لكن أصبح هذا الرجوع إلى الله هو أغان في الإذاعة وعبارات تقال، ولم يقل أحد لنرجع إلى قانون الله وقرآنه ونترك الناس وقوانين الأرض».

ويؤكد تقرير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: {يبدو أن معظم أعضاء الجماعة قد تأثروا أيضا بالنشاط الديني الذي قامت به بعض المساجد، خاصة أنهم من طلاب الجامعات ولم تتشكل بعد أفكارهم، وبالتالي فإن أئمة هذه المساجد قد لعبوا دوراً مهما في تشكيل اتجاهاتهم، يقول المتهم محمد أمين مجاهد: {لقد استمعنا في المساجد إلى الدعوة للإيمان والاستقامة والثبات وصفات الرسول (صلى الله عليه وسلم) وإلى كلامهم عن الوضع الحالي ومقارنته بالوضع الإسلامي الصحيح».

ومن أقوال بعض المتهمين نلحظ اهتماماً ملحوظاً بالمواظبة على الصلاة وسماع الخطبة في مساجد معينة كمسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية ومسجد جماعة أنصار السنة بسبورتنج بالإسكندرية، وجامع عمرو بن العاص بالقاهرة، وكان المتهمون يوصون بعضهم بعضاً بالصلاة في هذه المساجد لاعتقادهم في صحة أفكار أئمتها».

ولخص سرية أفكاره في {رسالة الإيمان} التي وزعها على أعضاء تنظيمه قائلاً: {وهذه الرسالة حسب علمي هي أول رسالة من نوعها في تشخيص الكفر الذي وقع فيه المسلمون عن علم أو عن جهل بسبب الظروف الجديدة التي وقعوا فيها}، ويضيف: {هي في نظري أهم ألف مرة من دراسة قضايا العقيدة التي كتبت في الماضي، لأن تلك القضايا لا وجود لها اليوم، ولا تشكل خطراً كبيراً على المسلمين، وإنما الخطر ينبع من هذه الردة الجماعية التي لا عاصم منها إلا الله».

الهجوم

وضع صالح سرية خطة الانقلاب على النظام المصري، في سذاجة منقطعة النظير، تدل على أن اهتمام سرية بالتأصيل لفكره التكفيري، شغله عن التخطيط لمؤامرة الانقلاب بشكل يضمن الحد الأدنى من المعقولية، فاكتفى بوضع خطة تتضمن الاستيلاء على أسلحة الكلية الفنية العسكرية بمساعدة عدد من طلبتها المنضمين إلى التنظيم، ثم استخدامها في السيطرة على المنشآت السيادية والحيوية في مصر، وإعلان قيام النظام الجديد برئاسة سرية نفسه.

ويشرح سرية أهدافه في اعترافاته أمام النيابة المصرية قائلاً: {في سنة 1973 بدأت أجند أعضاء في مصر بقصد قلب نظام الحكم والإطاحة بالمسؤولين فيها... وتكوين حكومة برئاستي}، ويضيف: {عن طريق التكتيك السليم وعنصر المفاجأة يستطيع هؤلاء الأفراد مهاجمة أي مخزن ذخيرة ويستولون على ما فيه من سلاح، وبذا يستطيعون بعد ذلك أن ينتقلوا إلى مجالات أكبر يكون فيها رؤوس البلد، وفي مقدمتهم بطبيعة الحال السيد رئيس الجمهورية وأعضاء الجهاز التنفيذي، ويستولون على هذا المكان، ويعتقلون رئيس الجمهورية وقادة البلد وبهذا نضمن السيطرة على البلد».

ويضيف سرية: {في يوم الثلاثاء 1974/4/16 قرأت في الصحف أن مؤتمرا سيعقده رئيس الجمهورية مع أعضاء مجلس الشعب بمقر اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي قبل ظهر الخميس 1974/4/18، وعلى هذا الأساس فقد قررت القيام بالعملية يوم الأربعاء ليلاً}، وكان الهدف أن يقتحم سرية القاعة التي يوجد بها الرئيس السادات قائلا: {بمجرد دخولنا القاعة تسارع مجموعتان منا بقيادتي شخصيا إلى منصة رئيس الجمهورية ونعتقله على الفور، وفي هذا الوقت فيه مجموعتان أخريان سوف تتجه إحداهما إلى يمين القاعة والأخرى إلى يسارها للسيطرة على القاعة، ثم أتقدم إلى الرئيس بمطلب التنازل عن الرئاسة، وأكرهه بالقوة المسلحة على التخلي عن رئاسة الجمهورية، وأن يذيع بنفسه بيانا على الشعب بالتخلي عن الرئاسة، فإن رفض أمرنا وزير الإعلام أو غيره من المختصين في الإذاعة تحت ضغط القوة المسلحة بإعلان وقوع ثورة مسلحة استولت على الحكم في البلد».

مع حلول ساعة الصفر، هاجم أعضاء التنظيم البوابة الخلفية للكلية، وهاجموا حرس البوابة باستخدام السلاح الأبيض، واستولوا على بندقيتي الحارسين، ثم تمكنوا من دخول الكلية، في وقت كان الطلاب الذين انضموا للتنظيم عملوا على إغلاق الأنوار وتخدير حراس البوابة الرئيسية للكلية، واقتحم الجميع مخزن السلاح الخاص بالكلية، لكن قوات التأمين تصدت لهم بنجاح باهر، وأحبطت الهجوم بعد اشتباكات عنيفة بالأسلحة النارية والبيضاء أسفرت عن مقتل 11 شخصا وإصابة 23 آخرين.

أحلام الرئاسة

كان سرية واثقاً بتحقيق أهدافه، ولم يخالجه الشك في إمكانية فشل مخططه، لذلك أعد بيانه الأول الذي سيلقيه حال نجاح انقلابه، وتوليه مهام {رئيس الجمهورية}، وجاء نص البيان الذي لم يتح القدر الفرصة لسرية لإلقائه على المصريين:

«بسم الله الرحم الرحيم (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير).

أيها الشعب الحبيب أيتها الأمة المجاهدة الصابرة لقد نجحنا والحمد لله صباح اليوم في السيطرة على الحكم واعتقال جميع المسؤولين عن النظام السابق وبدء عهد جديد، ونحن لا نكيل الوعود لكم لكننا نعلن أن النظام الجديد سيقوم على المبادئ التالية:

1 ستقوم مبادئ الدولة على أسس جديدة لا لبس فيها ولا تناقض.

2 سوف لا تكون الثورة مقصورة على الجوانب السياسية والعسكرية فقط، وإنما تشمل جميع نواحي الحياة الاقتصادية والثقافية والتعليمية والوظيفية والاجتماعية وغيرها.

3 سوف تهتم الدولة اهتماما خاصا بالإيمان والأخلاق والفضيلة.

4 سوف تهتم الدولة في كل سياستها بمصلحة الأمة أولاً ثم المواثيق والاتفاقات.

5 ستعمل الدولة على تحرير كل الأجزاء السليبة من وطننا، وعلى مساعدة المحرومين والمظلومين في كل مكان وستقاوم الاستعمار بجميع أشكاله في العالم.

6 ستعمل الدولة جاهدة على قيام الوحدة بكل الطرق دون الاكتفاء بالادعاءات اللفظية، وستقوم بكل جهدها لدفع التنمية من أجل رفع مستوى السكان.

7 سوف نطلق الحرية للمجتمع ليقول كل ما يريد ونقد كل أجهزة الدولة عدا الكذب والافتراء والبهتان.

8 سنعيد تقييم كل المبادئ والأشخاص والوظائف.

9 سوف تحمي الدولة كل مبادئ العدل المشهورة في تراثنا.

والله الموفق

صالح سرية

رئيس جمهورية مصر العربية

هذا هو البيان الذي كان يفترض أن يخرج به سرية على المصريين، إذا ما نجح في تنفيذ انقلابه، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، سقط صالح سرية ورفاقه سريعا، إلى السجون في حين نفذت عقوبة الإعدام في سرية ونائبه 11 أكتوبر 1975، لتطوى بذلك صفحة أول تنظيم جهادي يسعى غلى الانقلاب على النظام المصري فعليا، ولم يكتب لمحاولة أعضاء التنظيم تنفيذ مخططاتهم الانقلابية الإرهابية، إلا الفشل، لكن سرية فتح الطريق واسعا أمام كل من جاء خلفه للعمل على نقل أفكار التكفير وجاهلية المجتمع التي أتى بها سيد قطب إلى الواقع العملي، بحمل السلاح وتوجيهه صوب الدولة المصرية، لإسقاطها وإعلان دولة الإرهاب على جثتها، فسرية هو من تجرأ لتشكيل عصابات جهادية هدفها الارتواء بالدم، لتحقيق أهداف خيالية، فظهرت من بعده الكثير من التنظيمات التي وضعت نصب أعينها حمل السلاح وسفك الدماء.

back to top