ماذا يعني الرفض بعد استفتاء اليونان؟

نشر في 09-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 09-07-2015 | 00:01
 ستراتفور . من المؤكد أن استفتاء اليونان سيمتحن مدى قوة الأسواق المالية الأوروبية، فطوال السنوات الثلاث الماضية، تمكنت الدول في جنوب أوروبا من الاقتراض بكلفة متدنية بسبب وعود البنك المركزي الأوروبي بالتدخل، ولكن بدءاً من الخامس من يوليو سيُمتحن هذا الوعد، والمفارقة أن الأزمة اليونانية قد تؤدي إلى يورو أكثر ضعفا وأقل قيمة.

صوتت اليونان سلباً، فبعد أسبوع من التخمينات، والإشاعات، والتهديدات، والتظاهرات المؤيدة أو الرافضة، تُظهر النتائج الأولية أن 61% من اليونانيين صوتوا ضد الشروط التي طلبها مقرضو هذا البلد مقابل المزيد من التمويل، ولا شك أن هذا انتصار لحزب سيريزا الحاكم، الذي روّج للرفض، لكن هذا النصر سيكلّف اليونان غالياً على الأرجح، صحيح أن رئيس الوزراء أليكسيس تسيبراس أعلن أنه سيعود إلى طاولة المفاوضات بغية التوصل إلى اتفاق مع الدائنين، إلا أن معظم حكومات منطقة اليورو أفادت أنها لن تقدّم شروطاً أفضل لليونان، والأهم من ذلك أن نتائج الاستفتاء ستولد المزيد من شك حول مستقبل القطاع المصرفي في هذا البلد.

أولاً، ستطلب أثينا في الحال من البنك المركزي الأوروبي المزيد من السيولة للمصارف اليونانية، إذ تعتمد المصارف اليونانية على السيولة الطارئة التي يمدها بها البنك المركزي الأوروبي منذ مطلع السنة، لكن هذه السيولة تعتمد بدورها على تقييم النظام المصرفي اليوناني، بما أن هذه المؤسسة، التي تتخذ من فرانكفورت مقراً لها، لا تملك الحق في إقراض المال إلا للمصارف غير المتعثرة، وفي 28 يونيو أعلن تسيبراس فرض الضوابط على رؤوس الأموال، واعداً بأن هذه التدابير لن تدوم طويلاً، لكن التقلبات السياسية والمالية الراهنة تجعل احتمال أن ترفع أثينا الضوابط عن رؤوس الأمول في المستقبل القريب مستبعداً.

 بدأت المصارف اليونانية بكل بساطة تعاني نقصاً في الأموال، ولا يمكنها أن تستمر من دون الدعم الخارجي من البنك المركزي الأوروبي، ولكن إن رفض هذا الأخير منح المصارف اليونانية المال الذي تحتاج إليه، فسيكون أمام اليونان خياران: يشمل الأول وضع اليد على جزء من الودائع لدعم المصارف، أو ما يُعرف بالدعم الداخلي، وقد شهدنا سابقة لهذه العملية مع الأزمة في قبرص عام 2013. أما الخيار الثاني، فيُعتبر أكثر تأثيراً: العودة إلى الدراخما لإعادة رسملة المصارف بطبع المال.

ثانياً، ستبدأ الحكومة اليونانية على الأرجح بإجراء الاتصالات مع برلين، وباريس، وبروكسل بغية استئناف المفاوضات، إلا أن هذه لن تكون مهمة سهلة، فأثينا تطالب بتخفيف أعباء الدين، علماً أن هذا تنازل يصعب على الدائنين القبول به، فقد دعا صندوق النقد الدولي مراراً إلى تخفيض آخر للدين اليوناني، غير أن معظم دول منطقة اليورو قاومت هذه الفكرة، فلا تلقى المسامحة بالدين شعبية في دول أوروبا الشمالية، مثل ألمانيا وفنلندا، في حين تأبى بعض حكومات جنوب أوروبا، وخصوصاً إسبانيا والبرتغال، تقديم التنازلات لحكومة اليونان اليسارية قبيل أشهر من انتخاباتها الوطنية، فستعقد البرتغال انتخابات في شهر أكتوبر، وإسبانيا في نوفمبر أو ديسمبر، وتخشى الحكومتان المحافظتان في لشبونة ومدريد أن يؤدي تقديم التنازلات للحكومة اليسارية اليونانية إلى تقوية المعارضة اليسارية في هاتين الدولتين.

ثالثاً، سيُضطر تسيبراس إلى التعاطي مع وضع سياسي واجتماعي بالغ التعقيد في الداخل، فلا شك أن انتصار المعسكر الرافض سيقوي الأعضاء الأكثر تشدداً في سيريزا ويضعف المعتدلين، مما يحد بالتالي من قدرة تسيبراس على التفاوض مع الدائنين، ومع أن المؤيدين للرفض فازوا في الاستفتاء، فإن عددا كبيرا من اليونانيين يخشى أن تقرّب نتيجته البلد من الخروج من منطقة اليورو، مما قد يكلّف الكثير من اليونانيين مدخراتهم، فحتى اليوم ما زال اليونانيون هادئين، لكن انهيار القطاع المصرفي في البلد والخروج من اتحاد العملة سيؤديان بالتأكيد إلى تظاهرات في الشوارع ستُرغم الحكومة على الاستقالة.

نتيجة لذلك، لن يقدّم الدائنون أي تنازلات فورية لأثينا، وبدلاً من ذلك قد تنتظر برلين والحكومات الأخرى لرؤية ما إذا كانت الأزمة المصرفية المتفاقمة في اليونان ستُضعف دعم تسيبراس الداخلي، وفي هذه الأثناء ستقوم استراتيجية اليونان على توليد الانقسامات بين الدائنين، مثل إيطاليا وفرنسا، لأنهم يخشون انتشار عدم اليقين إلى أسواقهم المالية، مما يدفعهم إلى الضغط من أجل عقد اتفاق.

أخيراً، من المؤكد أن استفتاء اليونان سيمتحن مدى قوة الأسواق المالية الأوروبية، فطوال السنوات الثلاث الماضية، تمكنت الدول في جنوب أوروبا من الاقتراض بكلفة متدنية بسبب وعود البنك المركزي الأوروبي بالتدخل، ولكن بدءاً من الخامس من يوليو سيُمتحن هذا الوعد، والمفارقة أن الأزمة اليونانية قد تؤدي إلى يورو أكثر ضعفا وأقل قيمة، مما يجعل صادرات منطقة اليورو أكثر قدرة على المنافسة.

بعد مرور خمس سنوات على الأزمة، عارض المقترعون اليونانيون استمرار تدابير التقشف، ومع هذا الاستفتاء تتخطى اليونان مرحلة التفاوض لتتحول إلى اختبار أعصاب حقيقي، في حين تواجه أثينا مباشرة دائنيها، وسيحاول تسيبراس وفريقه التواصل مع الدائنين في أقرب وقت ممكن، ولكن من المستبعد أن يقدّم هؤلاء الدائنون تنازلات سريعة وشاملة لأثينا، خوفاً من أن يتحول استفتاء اليونان إلى سابقة لدول أعضاء في منطقة اليورو (حققت أثينا ما بدا مستحيلاً: وقد أثنى حزب اليسار الإسباني بوديموس والجبهة الوطنية اليمينية الفرنسية على هذه النتيجة)، وفي هذه الأثناء ستبقى سيطرة سيريزا على السلطة وعضوية اليونان في منطقة اليورو في حالة من الضعف البالغ.

back to top