ما عاد أحد يتحدث عن تحرير الموصل

نشر في 17-08-2015
آخر تحديث 17-08-2015 | 00:01
يظهر جلياً أن الحرب في العراق ضد «داعش» بدأت تتباطأ، وأفضل ما يمكننا توقعه في عام 2015 استقرار الوضع في مدينتي الرمادي والفلوجة، وما عاد أحد يتحدث عن تحرير ثاني أكبر مدن العراق من حيث عدد السكان «الموصل».
 فوراين بوليسي بينما يخوض الجيش العراقي معارك طاحنة في القرية تلو الأخرى غرب محافظة الأنبار، محققاً تقدماً لا يتعدى الأمتار القليلة في الأيام الجيدة، يظهر جلياً أن الحرب في العراق ضد «داعش» بدأت تتباطأ، وأفضل ما يمكننا توقعه في عام 2015 استقرار الوضع في مدينتي الرمادي والفلوجة، وما عاد أحد يتحدث عن تحرير ثاني أكبر مدن العراق من حيث عدد السكان الموصل.

بالنظر إلى هذا الواقع، ستظل الولايات المتحدة في العراق بعد رحيل الرئيس باراك أوباما من البيت الأبيض، علماً أن هذه نتيجة لا أحد يريدها، وخصوصاً الرئيس نفسه.

تركز أبرز التفسيرات لهذا الوضع القائم على رفض أوباما تخصيص المستوى المطلوب من الموارد بغية إنزال هزيمة سريعة بتنظيم «داعش»، أو على عجز العراقيين عن الاستفادة من الدعم الدولي لجهود الحرب، فمن المريح إلى حد ما التفكير في أن مشاكل هذه الحرب تعود إلى تردد الرئيس أو الحلفاء غير الأكفاء.

لكن الحقيقة مقلقة حقاً: لم يشكل الجيش الأميركي الحليف الذي يجب أن يكونه بسبب مخيلته ومرونته المحدودتين،

فمنذ البداية واجهت وزارة الدفاع الأميركية الكثير من العراقيل في تنفيذ مهمتها الرامية إلى تحجيم «داعش» وإنزال الهزيمة به في العراق، ولا شك أن «القيادة من الخلف» صعبة جداً، وتشمل إخفاقات الجيش الأميركي الأساسية بقاءه عالقاً في الفترة الزمنية التي كان فيها عام 2007، حين كان ينشر نحو 185 ألف جندي في مختلف مناطق البلد، لكن الواقع اليوم مختلف: لا يضم العراق راهناً سوى 3 آلاف عنصر من القوات الأميركية، وتظل غالبيتهم «خلف الأسلاك الشائكة» في القواعد المحصنة.

يشبه الوجود الأميركي بعد عام 2014 في العراق قوة صغيرة لتنفيذ العمليات الخاصة، متمركزة على الجبهة في الحرب العالمية ضد الإرهاب، ورغم ذلك صاغ الخطوات الأميركية في العراق تفكير القيادة المركزية الأميركية  العسكري التقليدي برئاسة الجنرال لويد أوستن، فقد واصلت وزارة الدفاع الأميركية جهود التدريب والتجهيز المكثفة، حتى عندما كانت تفتقر إلى الموارد لإنهاء مهمتها، فضلاً عن أنها لا تزال أقل مرونة من أن تستخدم قوتها الجوية لتعزز تأثيرها.

سعت القيادة المركزية الأميركية في مبادراتها الأولى إلى محاولة تحرير الموصل عاصمة «داعش» في العراق، فأدت استراتيجية «الموصل أولاً» هذه إلى برنامج تدريب وتجهيز كبير وغير متقن هدفه بناء كتائب هجوم في الجيش العراقي جديدة بالكامل من أجل القتال في الموصل، فاستخدمت وزارة الدفاع مقاربة تقليدية خالية من الإبداع لتصمم صندوق تدريب وتجهيز عراقياً بقيمة 1.6 مليار دولار شكل نسخة مصغرة عن البرامج الأميركية الضخمة التي أعدت نسخاً عراقية عن الكتائب الأميركية بين عامَي 2005 و2008.

لكن الصندوق العراقي للتدريب والتجهيز لم يكن للأسف بالمستوى المطلوب، فبحلول شهر يونيو عام 2015، كان قد تلقى التدريب 9 آلاف فقط من 24 ألف جندي كان يُفترض أن يُدربوا ويُجهزوا خلال هذه الفترة، ويعود ذلك في جزء منه إلى أن الولايات المتحدة لم ترجع إلى عام 2005: فلا تملك الموارد أو الوقت الكافيين لمقاربة «تجربة وخطأ» بطيئة بغية بناء وحدات كاملة.

خطط الصندوق العراقي للتدريب والتجهيز لبناء كتائب أميركية الطراز متطورة جداً تُزوَّد كل منها بمجموعات كاملة من المعدات التي تؤمنها الولايات المتحدة، لكن العراقيين أشاروا إلى أنهم لا يستطيعون استيعاب أو صيانة هذا القدر الكبير من المعدات نظراً إلى قدراتهم اللوجستية البدائية. في هذه الأثناء لم يكن الكثير من المعدات التي وعدت بها الولايات المتحدة متوافراً في فائض مخزونها: على سبيل المثال، يضم المخزون الأميركي 9 آلاف فقط من بنادق أم 4 الـ43200 الضرورية.

القوة الجوية الأميركية

تشكل القوة الجوية المكوِّن الأميركي السري: فلا أحد يستطيع إلحاق ضرر كبير بالعدو بقدر الطائرات الحربية الأميركية، إلا أن القوة الجوية الأكثر فاعلية في العالم واجهت طوال السنة الماضية عقبات كبيرة في العراق بسبب خليط من قواعد الاشتباك الصارمة وقلة المرشدين الموثوق بهم على الأرض بغية توجيه الضربات الجوية.

لا تعتبر الولايات المتحدة سوى أعداد صغيرة من القوات الخاصة العراقية والكردية التي دربتها مجموعات يمكن الوثوق بها لتحديد الأهداف، فلا يمكن في النهاية التعامل باستخفاف مع القدرة على استدعاء ضربات جوية أميركية. ولا شك أن وزارة الدفاع الأميركية ترغب في التأكد من أن العراقيين لا يستغلون القوة الجوية الأميركية لتصفية الحسابات الخاصة.

عندما تنتشر هذه القوات الخاصة العراقية والكردية كي تؤمن المراقبة القريبة على الأرض، تصبح القوة الجوية الأميركية مدمرة، لكن هذه الحالات لا تشكل إلا جزءاً صغيراً من عمليات القتال الدائرة. على سبيل المثال تدخلت قوات الائتلاف الجوية في الثالث من أغسطس في ثمانية أماكن في العراق، في حين أن الحرب مستعرة على جبهة بطول 1931 كيلومتراً.

تواجه القوة الجوية الأميركية التحدي الحقيقي الأكبر، عندما يأخذ تنظيم «داعش» المبادرة (كما يفعل دوماً) ويطلب حلفاء الولايات المتحدة المساعدة، وهنا يقعون ضحية غياب الاستخبارات على الأرض وقواعد الاشتباك الصارمة التي تحد حركتهم، لكن عنق الزجاجة الناجم هذا يعني أن الجنود الذين يخوضون المعارك ضد «داعش» يحاولون امتصاص محيط من الدعم الجوي من خلال قشة صغيرة.

يكمن التحدي في هذه الحرب في تأمين دعم جوي مباشر مرن، و«غير مشروك» في المواضع التي يهاجم فيها «داعش» القوات الحليفة على الأرض («غير مشروك» مصطلح عسكري خاص بالضربات الجوية يعني أن هذه الأخيرة لا تحظى بموجهين على الأرض). وبغية تحقيق هذا الهدف، من الضروري أن تؤمن الولايات المتحدة بطريقة ما المزيد من الأعين على الأرض يمكنها الوثوق بها كي تبلغ القوة الجوية الأميركية متى عليها أن تطلق أسلحتها، حين يكون حلفاؤها بأمس الحاجة إلى المساعدة.

لكن هذه المشكلة لن تختفي بين ليلة وضحاها، وحتى لو أمر أوباما أو الرئيس المقبل بنشر قوات خاصة أميركية في العراق، فلن تنجح في تحقيق التغطية التي كان يؤمنها 185 ألف جندي أميركي سابقاً. في الحروب المقبلة، قد يجعل عدد القوات الأميركية المتقلص ورفض تكبد الخسائر بين الجنود الضربات الجوية غير المشروكة أكثر شيوعاً، ونتيجة لذلك من الضروري التوصل إلى طريقة مبتكرة للحصول على بيانات يمكن الوثوق بها من أجهزة استشعار على الأرض تلتقطها الطائرات الحربية الأميركية التي تحارب «داعش»، وقد يعني هذا بناء «أفرقة أسلحة جوية» عراقية متقنة قادرة على الاندماج مع عدد كبير ومختلف من الوحدات: الجيش العراقي، والبشمركة الكردية، أو حتى عناصر ملائمة من وحدات الحشد الشعبي الشيعية بغالبيتها ومقاتلي القبائل السنة.

فضلا عن الحصول على قدر أكبر من البيانات على الأرض، تحتاج الولايات المتحدة إلى توسيع آفاق قواعد الاشتباك التي تسمح للجيش الأميركي بالقيام بمخاطرات محسوبة بغية إنقاذ حياة العراقيين. في الرمادي مثلاً حدت القيود المفروضة على الضربات الجوية من فاعلية القوة الجوية الأميركية، ونتيجة لذلك أعدم مئات الرجال العراقيين في مناطق سيطر عليها «داعش»، ولكن هل تساهم القيود التي تفرضها واشنطن على قواعد الاشتباك حقاً في تفادي الخسائر بين المدنيين أم تحرص فحسب على تفادي تحمل الولايات المتحدة المسؤولية المباشرة عن الوفيات بين المدنيين؟

يحتاج الجيش الأميركي إلى الابتكار، ويعني هذا استخدام معدات بسيطة متوافرة، مثل كاميرات الرأس GoPro، والروابط الصوتية، وأجهزة نظام تحديد المواقع، وهكذا تستطيع القوات العراقية والكردية الخاصة المختارة بعناية أن تقدم للائتلاف صورة عما يحدث فعلاً على أرض المعركة، وهذا بالتحديد ما يُفترض بمبادرات وزارة الدفاع الأميركية، مثل وكالة خطر الهزيمة المبتكرة المشتركة، تحقيقه: تلبية المتطلبات العملياتية الملحة «من خلال التفاعل التكتيكي والاستيلاء الاستباقي»، كما يشير موقع هذه الوكالة الإلكتروني.

التحول إلى حليف أفضل

من الضروري أن يشجع القادة المدنيون الأميركيون وزارة الدفاع الأميركية على تقديم أداء أفضل، ولكن على قادة الجيش الأميركي في الوقت عينه أن يفكروا بطريقة أكثر ابتكاراً في كيفية تسريع القتال ضد «داعش» في العراق، فيجب أن تُستبدل البرامج الضخمة والوحدات الكبيرة بمساعدة مستهدفة وابتكارات في مجالات ضرورية ملحة، مع تخصيص دور أكبر على الأرجح للحلول التي ابتكرتها قوات العمليات الخاصة الأميركية، ولا شك أن القادة العراقيين سيرحبون بمعظم هذه الأفكار، إن لم نقل كلها.

لطالما شكل الابتكار السريع والقليل الكلفة على أرض المعركة جزءاً لا يتجزأ في طريقة عمل الجيش الأميركي، فعندما واجهت القوات الأميركية سياجات من النباتات بارتفاع 3 أمتار في نورماندي عام 1944، لحموا شفرات بمقدمة الدبابات كي يتمكنوا من اختراق هذه السياجات من دون تعريض الدرع الضعيف عند أسفل الدبابة لأسلحة الألمان.

لا يزال هذا الابتكار جزءاً لا يتجزأ من طريقة عمل الجيش الأميركي، فقد قامت وزارة الدفاع الأميركية بالتعديلات والابتكارات بغية تحقيق النجاح في العراق قبل نحو نصف عقد خلال عملية «زيادة عدد الجنود» وحرب مواجهة الأجهزة المتفجرة المبتكرة، ولم يفت الأوان بعد لاتخاذ خطوات مماثلة.

* مايكل نايتس | Michael Knights

back to top