التجمع الأدبي

نشر في 28-05-2016
آخر تحديث 28-05-2016 | 22:00
 ناصر الظفيري لكي لا تبدو هذه المقالة هجوما على الزملاء القائمين على الحراك الثقافي، والذين يبذلون جهدا في المساهمة في إنعاش الحياة الثقافية وإبراز دور التجمعات في خلق أجواء ثقافية، سنؤكد قبل البدء في نقدهم أهمية دورهم وتقديرنا الكبير لهذا الدور وحاجتنا الشديدة إليه. ولكن ولأن هذه التجمعات جزء من الجسد الثقافي فيحق لنا نقدهم ومطالبتهم بما نراه يسهم في تطوير هذه النمطية التي لم يطرأ عليها الكثير من التطور.

المتابع للحركة الثقافية يلاحظ انطواء هذه الحركة واقتصارها على السرد الفني والأدبي بما يشبه الاحتكار للرواية والقصة. أغلب التجمعات الأدبية التي تنتشر هنا وهناك ترى في القراءات الانطباعية وشبه النقدية ما يملأ الفراغ المعرفي في الحياة الثقافية. والنشاط الذي تقوم به هذه التجمعات جهد جميل لكنه بحاجة للكثير من التطوير وبذل جهد أكبر للخروج من وطأة النص التي فرضتها سرعة التجهيز للفعالية الأدبية. أغلب حضور هذه التجمعات الثقافية، على العكس من الندوات الثقافية الموسمية التي تقيمها المؤسسات الرسمية، هم من النخبة التي تساهم في الحراك الثقافي والأدبي والنسبة الأغلب من هذه النخبة هي الفئة المبدعة والمنتجة للنصوص الأدبية. ذلك يجعل مهمة النخبة ألا تقتصر على هذه القراءات الانطباعية السريعة للنصوص، وأن تطمح لما هو أبعد من ذلك.

ما تقدمه هذه التجمعات خارج هذه الجلسات محدودة الحضور يبدو كرفع العتب، أمسية شعرية لشاعر جماهيري لإثبات نجاحها، أو استضافة روائي دون الاستفادة من وجوده بتقديم عمل نقدي عن تجربته. فأغلب هذه الفعاليات تتشابه وتمارس النمطية ذاتها. ولا يختلف ما تقدمه اليوم عن دور الصالون الأدبي القديم. وربما اختلف الوضع قليلا باستعمال المؤثر التسجيلي والنشر في وسائل التواصل الاجتماعي.

ونرى أن تطوير أداء هذه التجمعات، التي تعتمد على أداء ذاتي وعمل تطوعي، هو بتوسيع الوعي القرائي للنخبة التي يتشكل منها هذا التجمع أو ذاك، فتستطيع هذه النخبة أن تساهم في خلق ثقافة مغايرة للسائد. وفي تقديمها للنص السردي كالرواية والقصة أو الاحتفاء بالشخصية الأدبية تبتعد، كما يفعل بقية القراء، عن الأدب الشامل والمساهم في تكوين الوعي لدى الكاتب. فليس ثمة قراءات نقدية فلسفية أو اجتماعية أو نفسية، ولا طرح فكري عميق لمدارس نقدية ساهمت في إثراء النظرية النقدية.

وكان الأمل الكبير في تجربة الإخوة القائمين على مختبر السرد كتجربة مغايرة، ولكنها أيضا جاءت على شكل ندوة مصغرة لقراءة موضوع مكرر كان قد طرح قبل سنة أو أكثر في ندوات سابقة. سيكون من الأفضل لو فكر كل تجمع في إقامة أسبوع لطرح أفكار ناقد ما وليكن إدوارد سعيد أو باختين أو رولاند بارت أو إيكو وتكليف مجموعة من أعضاء التجمع بطرح أفكار الناقد في عدد من الجلسات وتشجيع البقية على قراءته والمساهمة في نقاش أعماله.

فليس الهدف من هذه التجمعات البحث عن جمهور وإنما الهدف الحقيقي لها هو بناؤها المعرفي من الداخل أولا، والهدف الأبعد هو البحث عن ناقد ناشئ بعيدا عن التطبيق المباشر على النص السردي.

back to top