تحذيرات روسية من مستقبل النفط

نشر في 28-05-2016
آخر تحديث 28-05-2016 | 00:00
في تحليلات مثيرة للقلق، يرى الملياردير الروسي بيتر آفن، أن الدول النفطية من روسيا إلى فنزويلا، ومن كازاخستان إلى دول الخليج العربية، استخدمت النفط للتمتع باستهلاك على الطريقة الغربية دون المشاركة في القيم الغربية التي جعلت ذلك ممكناً.
 بلومبرغ • تشهد أسعار النفط تقلبات، وهو ما ينسحب على التفكير في مستقبل الدول المنتجة للبترول، وقد كتب الأسبوع الماضي الملياردير الروسي بيتر آفن اضافة الى اثنين من الاقتصاديين في موسكو مقالة حول ما يثير قلق النخبة في المملكة العربية السعودية، وكذلك التفكير التقليدي الذي ساد حقبة التسعينيات من القرن الماضي عندما كان النفط رخيصاً أيضاً.

ويتعين عدم الاستخفاف بملاحظات الملياردير آفن، فقد حقق حوالي ملياري دولار عندما باعت مجموعة ألفا التي كان أحد المساهمين فيها حصتها من النفط الى شركة روسنفت المملوكة للدولة في سنة 2013، وكان آفن أيضاً وزيراً للتجارة الخارجية في روسيا في سنة 1992 عندما كان الرئيس فلاديمير بوتين يعمل في مكتب رئيس بلدية سانت بطرسبرغ وكان كلاهما يعرف الآخر بشكل جيد، وكان آفن يعلم عن دولة نفطية واحدة على الأقل وتتمتع بأهمية وهي روسيا التي كانت في سباق مع السعودية على لقب الدولة الأكبر المنتجة للنفط في العالم.

توقعات مثيرة للقلق

وتعتبر تحليلات وتوقعات آفن وزميليه المذكورين مثيرة للقلق الشديد، وهم يقولون إن الدول النفطية من روسيا الى فنزويلا ومن كازاخستان الى دول الخليج العربية استخدمت النفط من اجل التمتع باستهلاك على الطريقة الغربية من دون المشاركة في القيم الغربية التي جعلت ذلك ممكناً. وتتعرض هذه الدول الى خطر التحول الى دول تعتمد على سلعة لم تعد تدر عوائد نتيجة ندرتها بل كوسيلة لتغطية تكلفة الانتاج.

وبحسب المقالة "سوف يسقط نفوذ حفنة الدول المنتجة المعروفة باسم بتروليوم ليفياثان ضحية ليد السوق الخفية المسلحة بصورة متزايدة بعمليات استخراج جديدة وتقنيات توفير الطاقة وحلول المواصلات غير النفطية وتوليد الطاقة والبتروكيماويات، كما أنها تستطيع التأثير بقوة وجلاء على أسعار النفط".

ويقول كتاب المقالة إن هذا سوف يتطلب اعادة تحالفات سياسية وجيوسياسية أيضاً، كما ان أميركا اللاتينية سوف تتحول من خطها اليساري الى اليمين وسوف يضعف نفوذ المملكة العربية السعودية في الشرق الأوسط لصالح تركيا واسرائيل وايران وقد تبتعد سورية عن العراق، والعولمة لن تظل كما كانت على الاطلاق.

ومع تراجع التجارة والاستثمار وتدفقات المهاجرين بين الدول المنتجة للنفط وبقية بلدان العالم سوف يقل أيضاً تأثير العولمة بكل تأكيد، ثم إن التمتع التام بوسائل الراحة الغربية وتقنياتها لن يماثل رفض وإنكار قيمها.

رؤية 2030

وهذا التطور الذي يحدث مع اعلان ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خطة اصلاح تهدف الى جعل بلاده دولة لا تعتمد في اقتصادها على النفط بحلول سنة 2030 يجعل مقالة آفن تبدو مثل عارض آخر على التململ العميق في الدول الرئيسية المنتجة للنفط، وليس من جديد في ذلك – لأنه في كل مرة تهبط فيها أسعار النفط تبرز انتقادات تتحدث عن فساد وعدم فعالية ومحاباة في دول البترول.

وفي سنة 1999 كتب تيري لين كارل من جامعة ستانفورد يقول إن فترات أسعار النفط المتدنية توفر الفرصة الأفضل من أجل بناء مؤسسات سياسية وادارية قادرة على ادارة شؤون البترول، وفي حقيقة الأمر فإن مثل تلك الفترات قد تكون الفرصة الوحيدة لاخراج دول النفط من حلقة التطور المفرغة الى الحلقة القوية الفاضلة، لأن هذا يتطلب أن تحل الخدمات المدنية الصحيحة محل المحاباة كما يمكن بناء المزيد من الدعم السياسي لإصلاحات الخدمة المدنية عندما تكون الأسعار متدنية.

والفارق هو أنه خلال دورة الهبوط السابقة كان الافتراض أن الأسعار سوف ترتفع من جديد، وكانت نافذة الفرصة قصيرة، أما اليوم فإن الكلام سواء صدر عن آفن أو الأمير محمد بن سلمان يشير الى صورة قاتمة تماماً: الفكرة العامة هي أن أسعار النفط لن ترتفع ثانية على الاطلاق.

دور التقنية

ومن السهل تقبل ذلك إذا قرأنا الكثير من الأخبار الجديدة حول شركة "تسلا" والاختراقات التقنية التي تحققها شركات التكسير، ولكن ذلك سوف يكون أكثر صعوبة اذا تطرقنا الى تفاصيل تقنية بطاريات السيارات وإنتاج النفط في الولايات المتحدة أو احصائيات الاستثمار في قطاع الطاقة، وليس من دليل حتى الآن على أن الانتعاش الأخير في النفط قد أصبح وراءنا، وحتى الآن كان مسار الطلب على النفط يسير بشكل مؤكد نحو الارتفاع.

وما لم يحدث شيء لافت، مثل ابتكار بطارية سيارة كهربائية رخيصة تستطيع السير الى مسافة 400 ميل، لا على الورق فقط، بحيث يغير عادة المستهلك فإن المسار المذكور سوف يستمر على الأرجح، وخاصة في الدول النامية مثل الهند التي تدفع النمو على الطلب في الوقت الراهن، كما أن نقص الاستثمار في استكشاف وانتاج النفط خلال العامين الماضيين سوف يفضي إلى ندرة النفط ثانية بقدر أكبر في نهاية المطاف، والطفرة القليلة الحالية التي رفعت سعر خام برنت إلى حوالي 50 دولاراً للبرميل بعد أن هبط إلى حوالي 28 دولاراً في شهر يناير الماضي تظهر لنا ما يمكن أن يحدث في المستقبل.

لا يشعر آفن بتشاؤم ازاء النفط بحيث يتوقف عن العمل، وهو يملك مع شركائه "دي" وهي شركة نفط وغاز ألمانية تم الاستحواذ عليها في السنة الماضية – وحصة آفن فيها بحسب مليارديرات بلومبرغ تصل الى 811 مليون دولار من أصل ثروته التي تبلغ 5.2 مليارات دولار، ويشير هذا الى أن الشركة تتداعى ولكن ليس في الوقت الراهن بعد.

وعلى أي حال، فإن المقالة المشار إليها لا تزال مهمة، ويمثل آفن مجموعة صغيرة متبقية من الليبراليين الاقتصاديين والسياسيين المتنفذين بشكل نسبي الذين يرفضون الخط الحالي الروسي في الابتعاد عن الغرب، ولا يذكر آفن الرئيس فلاديمير بوتين بالاسم كما أنه يشير بشكل عابر الى روسيا العصرية على الرغم من أنه يستذكر بصورة مطولة اعتماد الاتحاد السوفياتي على النفط ودوره في تردي أوضاع البلاد.

ولكن ذلك يأتي في الوقت الذي يوشك أن يسمع بوتين فيه عن خطتين اقتصاديتين للتنمية، تعتمد الأولى على استثمار الحكومة والاكتفاء الذاتي والثانية، وهي أكثر ليبرالية وتعتمد على تعزيز مالي واصلاحات هيكلية.

ويبرز تفضيل آفن بوضوح في المقالة، ولكنه لا يدفع بقوة، فهو يتأكد من أن تحذيره المرعب يطرح على شكل مجادلة من أجل تقليص حجم الحكومة، وتحفيز النمو غير النفطي.

لقد تغيرت قواعد الجدال في روسيا بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة، ولكن الجدال نفسه لم يتوقف تماماً، فالعصريون من ذوي النفوذ – أو المؤيدين للغرب – لا يزالون قادرين على اسماع أصواتهم، ويعتمد مسار مستقبل روسيا على ما اذا كان بوتين يرغب في الاستماع ولو بقدر طفيف.

آفن كان وزيراً للتجارة الخارجية الروسية عام 1992 عندما كان الرئيس بوتين يعمل في مكتب رئيس بلدية سانت بطرسبرغ وكان كلاهما يعرف الآخر جيداً

عند كل هبوط لأسعار النفط تبرز انتقادات تتحدث عن فساد وعدم فعالية ومحاباة في دول البترول

مع تراجع التجارة والاستثمار وتدفقات المهاجرين بين الدول المنتجة للنفط وبقية بلدان العالم سوف يقل تأثير العولمة

فترات أسعار النفط المتدنية توفر الفرصة الأفضل لبناء مؤسسات قادرة على إدارة شؤون البترول
back to top