الفرنسي «كاريه»... و«تفسير في ظلال القرآن»

نشر في 26-05-2016
آخر تحديث 26-05-2016 | 00:00
 خليل علي حيدر للإسلاميين مآخذ وانتقادات على كتب وتحليلات "سيد قطب" لا تقل أحيانا عن ملاحظات واعتراضات العلمانيين والليبراليين، وإن كانت بالطبع من منطلقات أخرى، وهذا ما نراه بخاصة فيما يتعلق بتفسير الداعية قطب الواسع التداول "في ظلال القرآن"، الذي تقع طبعته الجديدة عام 2007 في نحو أربعة آلاف صفحة موزعة على ثلاثين جزءاً في ستة مجلدات من منشورات دار الشروق بالقاهرة.

وكتاب الظلال لا يقلّ خطورة على عقول الشباب خاصة، من كتاب سيد قطب الأشهر "معالم في الطريق"، إذ يقدم لهم منهجا حزبياً تعبوياً في فهم القرآن الكريم، وكلا الكتابين مهّدا الأرضية في الواقع لنمو التشدد وتنامي التطرف والتكفير، ولظهور أجيال جديدة من المؤلفين الجهاديين والكتب التكفيرية والوثائق البالغة الخطورة.

وربما كان السبب الأساسي في توجيه الانتقادات لـ"تفسير الظلال" في اعتقادي، أن سيد قطب لم يكن باحثاً علمياً محايداً، ولا مفسراً موضوعياً، بل جرفه غالبا حماسه الديني والعقائدي ورؤيته الأيديولوجية وانتماؤه الحزبي للإخوان المسلمين والتيار الديني، فقدّم في الكثير من أعماله ومؤلفاته رؤية تطهرية مثالية أحادية التوجه، مبالغاً في الاستفادة من الأدلة والتصورات المساندة لوجهة نظره ولتفسيره، ومهملاً في الوقت نفسه النظر في أي نصّ أو دليل يناقض ما يرى.

فخرج بتفسير حماسي أدبي سلس اللغة مشوق العبارة مشيع لمشاعر التفوق والاستعلاء لدى الكثير من العرب وعامة المسلمين، وبعيد عن المشاكل والتفاصيل المعروفة في كتب التفاسير الأخرى، ولا عجب، لهذا، أن توالت طبعاته العربية حتى بلغت 36 طبعة عام 2007، ولاتزال الطبعات العربية والمترجمة إلى لغات كثيرة في ازدياد. يقول الباحث عبدالحليم عويس في ورقة له بإحدى الندوات: "أضم صوتي إلى صوت فهمي هويدي وأقول إن المفسرين قد فسروا القرآن تفسيرا ربما لم يعد كثير منه يصلح لنا. وقد طبع من كتاب "في ظلال القرآن" أكثر من مليون نسخة لأن الناس وجدوا فيه شيئاً لم يجدوه في التفسيرات الأخرى. فقد وجدوا فيه فهماً مستوعباً وواعياً يمزج بين العقل والعاطفة، وباعتباري منشغلاً بالتاريخ أقول إن المسلمين لم يفسروا القرآن تفسيراً حضرياً... فمن حقنا كمسلمين- احتكاماً إلى كتاب الله- أن ننقد عمل هؤلاء المفسرين ولا خوف على الإطلاق من النقد ولا من المطالبة بإعادة قراءة القرآن كلٌّ من زاويته". (أبحاث ندوة "نحو فلسفة إسلامية معاصرة-1989، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1994، ص221).

أثار تفسير في ظلال القرآن اهتمام الكثير من الباحثين في العالمين العربي والإسلامي ودول الغرب، ومن هؤلاء مثلا الباحث الفلسطيني الأردني د. صلاح عبدالفتاح الخالدي، والفرنسي "أوليفييه كاريه" الذي يرى، كما جاء في مقدمة كتابه، أن "من أهم أسباب نجاح وانتشار كتاب "في ظلال القرآن"، وازدياد الإقبال الشعبي على اقتنائه خارج الوطن العربي، هو أن قطباً قد استند إلى فكر اثنين من المفكرين الإسلاميين من القارة الهندية- وقد نال الكتاب رضاهما- أبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي"، ويضيف "أن كتاب "الظلال" لا يعتبر كتاب تفسير وفق القواعد المعمول بها، وسيكون من الظلم أن نتصفحه أو ندرسه ككتاب تفسير "تقليدي" أو أن نقارن بينه وبين الكتب الأخرى التي ظهرت سابقاً في مجال التفسير.

إنه كتاب عقيدة cate chisme لإقامة دولة إسلامية أو للقيام بثورة إسلامية، يمكن مقارنته بكتاب الخميني "الدولة الإسلامية"، في مقاصده وأهدافه والظروف التي صاحبت نشره، ولكننا نرى أن كتابه الظلال- وكتابات قطب السياسية الأخرى- هي نوعية من التفكير ومن الممارسة الدينية والروحية الرفيعة المستوى".

ويقول الباحث الفرنسي: "إن القراءة المعاصرة للقرآن من خلال كتاب الظلال، هي بالطبع، على النقيض من القراءة "العلمية واللغوية" التي يعرضها أستاذ الفكر الإسلامي بجامعة السوربون "محمد أركون" كمفكر إسلامي.

وإذا لم نكن نغالي، فإنه يمكن القول إن كتاب الظلال تظهر له طبعة جديدة في كل عام منذ الستينيات، ولمَ لا، إنه مؤلف كبير، إنه كتاب يوصى بالاطلاع عليه باستمرار، إنه لمسة جمال لكل بيت، إنه كتاب يفضل الجميع قراءته، له مكانته من الاحترام والتقديس، إنه نص يمثل ميداناً للنقاش والتحليل عند مجموعة الشباب الإسلامي "المجاهد"- أو "المناضل" كما جاء في الأصل- في معسكراتهم الصيفية".

والآن ما ملاحظات الباحث الفرنسي على تفسير الظلال؟

يقول "كاريه": "لقد مال قطب، بصورة دائمة، إلى حذف العديد من الفقرات التي تثير الجدل "اللغوي" و"التاريخي" حول بعض الآيات، حيث أعلن أن "في ذلك مضيعة للوقت".

والأكثر دهشة أيضا، أن قطبا قد ركز بالتفصيل على بعض السور، بينما كان حذرا ومختصرا في تناوله لسور أخرى، فخلافا للعادة، وعلى عكس ما فعله محمد عبده ورشيد رضا، فقد توسع قطب إلى حد ما في تفسير سورة الفاتحة، وحقيقة فإن قطبا قد قدم تفسيرا طويلا نسبيا للجزء الأكبر من السور الصغير الأخيرة".

ما الجوانب التي ركز عليها سيد قطب في تفسيره؟

يقول كاريه: "ركز قطب أساسا على فكرة الوحدانية المطلقة "سورة الإخلاص"، خلق الله للكون وأفعال الإنسان الشريرة "سورة الفلق"، الانتصار الكبير والأكيد لأمة المسلمين "سورة النصر"، حماية الله للأماكن المقدسة "سورة الفيل"، صفات المؤمنين الصابرين "سورة العصر"، مواجهة العدو الشخصي للإنسان "سورتا الكوثر والمسد"، القاعدة الصلبة للدين المتميز عن كل الأديان "سورة الكافرون".

كما اهتمّ قطب أيضاً بسور أخرى من الجزء الأخير في القرآن "جزء عمّ" : تذكر ونسيان القرآن "سورة الأعلى"، العدالة الاجتماعية "سورة الماعون"، انفطار الكون وانشقاقه في يوم القيامة "سورتا التكوير والانفطار"، التناسق والتكامل بين رسالة الإسلام وخلق الكون "سورة العلق"، وقد اهتم قطب كثيرا جدا بهذه الفكرة، إضافة إلى أنه قد قدم في تفسيره لهذه السور بعض الفقرات التي تعبر أفضل تعبير عن الدعوة التي حملها قطب".

ويقول: "نضيف إلى ذلك اهتمام قطب ببعض "سمات المجتمع الإسلامي" الذي حاول أن يستكشفه من خلال النصوص القرآنية "المقدمة العامة للظلال- ص16"، وذلك للمساهمة في إقامة المجتمع المعاصر الذي يعيش "في ظلال القرآن"، وذلك مع تركيزه على قضايا الزواج والطلاق "سورة التحريم"، والمساواة بين البشر "سورة عبس".

من جهة أخرى يلاحظ كاريه: "أن هناك سورا أخرى اهتم قطب بتفسيرها، وهي السور التي وردت في الثلاثة عشر جزءا الأوائل حتى "سورة إبراهيم"، هذه السور تتناول أساسا الموضوعات التالية: القتال والعدالة الاجتماعية "سورة الأنفال"، صلابة وصمود الدعوة في مواجهة كفار قريش قبل تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة "سورة الأنعام"، المواقف التي اتخذها المسلمون في "المجتمع الإسلامي الأول" في المدينة "سورة النساء"، مع بحث القضايا التي رأى فيها أساس المجتمع الجديد "اليهود- الأعراب- المنافقون- المسلمون الأوائل- المسلمون اللاحقون"، وكذلك بحث تنظيم الجهاد "سورة التوبة"، ومن القضايا التي ثار حولها النقاش كثيرا في سورة الحجرات، تلك التي تتعلق بالنظام الاجتماعي للمجتمع الإسلامي الجديد، وما ورد في سورة الأحزاب حول تلك الجماعة المسلمة القليلة، وأيضا ما ورد في سورة الفتح التي تناولت الانتصار النهائي للمسلمين.

وباستثناء السور الثلاث "التوبة- الحجرات- الفتح" فإن معظم سور "الوسط" (الجزء الرابع عشر حتى نهاية الجزء التاسع والعشرين) قد أعطاها قطب مساحة أقل في التفسير".

ويلاحظ كاريه "تركيز قطب- أكثر من رشيد رضا- على قتال المسلمين (سورتا الأنفال وهود) وعلى موضوع الزواج "الإسلامي" (النساء). هذان الموضوعان قد ركز عليهما قطب في الحقيقة وأعطاهما اهتماماً كبيراً عند وصفه لمجتمع القرآن".

(في ظلال القرآن، أوليفييه كاريه، ترجمة محمد رضا عجاج، القاهرة، 1993، ص29-44).

أما كتاب د. صلاح عبدالفتاح الخالدي عن "تفسير في ظلال القرآن" فيقع في ثلاثة أجزاء، وسنعرض لملاحظاته وملاحظات الإسلاميين على تفسير الظلال في مقال قادم.

back to top