الهدف الحقيقي

نشر في 29-09-2014
آخر تحديث 29-09-2014 | 00:01
 سلايت أخيراً بدأ الرئيس أوباما حملته الجوية ضد أهداف الإرهابيين وفي عمق الأراضي السورية، في خطوة غير مسبوقة، ولكن السؤال المطروح هو: هل ستلحق هذه الضربات الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام فعلاً.

يشير التاريخ إلى أنّ الضربات الجوية غالباً ما لا تكون فاعلة إلا إذا اقترنت بعملٍ عسكري بري، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة ويعجز عنه الثوار السوريون المعتدلون حالياً، ولكن التاريخ، طبعاً، ليس أفضل معيار للتنبؤ بما ستؤول إليه الأمور.

غالباً ما يشير المحللون إلى تجارب استخدام الغارات الجوية مع كل من ألمانيا النازية وصدام حسين في العراق وتنظيم "طالبان" في أفغانستان وآخرين غيرهم، كدليل على عدم فعاليتها المطلقة، ولكن الأعداء في تلك الحالة كانوا حكوماتٍ تملك الموارد الضخمة وبنية تحتية متباعدة وقيادة صارمة مع نمو اقتصادي جيد في بعض الحالات، لذا لا ينطبق هذا الأمر على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، المفتقر إلى الآليات الضرورية للحكم والمؤسسات الحكومية، رغم طموحه إلى بسط الخلافة على أراضٍ واسعة.

استهدفت الضربات الجوية حتى الآن مواقع التنظيم ومراكزه ومخيمات التدريب لديه وثكناته ومقرات وجوده ونقاطه اللوجستية وآلياته المدرعة.

ولكن كم هي قوية أو هشة الروابط اللوجستية للتنظيم؟ هل هي مركزية مثلاً كما هي الحال في كل دولة بدائية ناشئة؟ أم لعلها لا مركزية، تماماً كما هي حال جيوش العصابات، وفي تلك الحالة لا تؤثر فيه الضربات الجوية بتاتاً. لا نعرف حقيقية الأمور، ولا أقصد بذلك أنا وأنت، بل حتى وكالات الاستخبارات غير ملمة بهذا الأمر، وقد لا نعرف الجواب إلا بعد حين.

أظهرت خريطة للغارات الجوية نشرتها "نيويورك تايمز" أنّ الغارات استهدفت بشكل أساسي مواقع قرب خطوط الأنابيب، بحيث تتم زعزعة مصدر قوة التنظيم، وأثناء حرب فيتنام أغارت الطائرات الأميركية بشكل متواصل على محطة "هو شي منه" للإمدادات التي كانت تستخدمها فيتنام الشمالية لتموين جنودها في الجنوب. كانت تلك الاستراتيجية أساسية.

من جهة أخرى، خلال حرب عام 2007 على العراق هاجمت القوات الأميركية "المجموعات" المحيطة ببغداد والمناطق التي كان المتمرّدون يستخدمونها كمناطق تدريب ومناطق لصنع القنابل، وأدت تلك الحملة دوراً مهماً في تخفيف العنف في العاصمة.

لا شك أن نتائج الغارات الجوية الأميركية ستكون نوعاً ما رهن قدرة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام على التوسع وإنشاء طرق إمدادات جديدة بدل تلك المدمّرة. كانت طريق إمدادات "هو شي منه" في الغابة واستفادت فيتنام الشمالية من قدرات قتالية بأسلوب العصابات استخدمت ضد الفرنسيين والأميركيين. لا وجه للمقارنة هنا مع الاستراتيجيات المعتمدة هناك، فالحدود العراقية السورية لا تحمي المقاتلين كما أن التنظيم جديد على الساحة ولا يملك الخبرات الكافية، ولم يختبر بعد قوة النيران الثقيلة.

مفتاح الحلّ لهذه الحرب كما في الحروب كلها هو طبعاً الحلّ السياسي، ولكن الأهم هنا هو مشاركة أربعة بلدان عربية، وهي المملكة العربية السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين، في الضربات الجويّة بالإضافة الى دولة عربية خامسة وهي قطر، ولا نعرف بعد مقدار مساهمة هذه البلدان بالتفصيل، ولكن ذلك غير مهم.

خلال حرب الخليج بين عامي 1990 و1991، أرسلت هذه البلدان وبلدان عربية أخرى بما فيها سورية ومصر دبابات ومروحيّات لطرد جيش صدام حسين من الكويت. لم يقم معظمها إلا باليسير، ولكن المهم هنا كان انضمامها إلى تحالف القوى الضاربة، بحيث لا يستطيع صدام حسين الادعاء بأنّها حرب غربية إمبريالية بحتة. إرسال هذا النوع من الرسائل يكتسب أهمية كبيرة في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي يسوّق لنفسه كجيشٍ إسلامي ذي مهمة دينية هدفها إعادة إحياء الخلافة الإسلامية. لذا فإن مشاركة المسلمين، وخصوصاً السنّة، في هذه الحرب ضد التنظيم بالغ الأهمية.

ولعل أهم أمرٍ هنا هو تشكيل حكومة موحّدة في العراق. تحدّث رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي عن مشاركة أطياف العراق كافة في الحكم وإعطاء مناصب للسنّة في النظام، لكنه لم ينفّذ الكثير في هذا المجال، وقد استولى التنظيم على مناطق شاسعة من العراق لأن عدداً لا يستهان به من سُنّة العراق بات اليوم يفضل حكم التنظيم الإسلامي على حكم الشيعة، ولا شكّ أن زخم التنظيم هذا والدعم الشيعي سيخف في حال أشرك العبادي السُّنة في الحكم وزاد من عدد الضباط السنة في الجيش الوطني. على الأقل هذا ما نأمل حصوله، وحتى يخطو العبادي تلك الخطوة البناءة لا نستطيع الأمل بالكثير.

أما بالنسبة إلى مصير سورية، فلا تستطيع العمليات الجويّة، سواء كانت أميركية أو عربية، فعل الكثير من دون مساندة القوات البريّة. قبل دخوله في عطلة وافق الكونغرس الأميركي على طلب أوباما بتقديم 500 مليون دولار لتدريب الجيش السوري الحرّ الذي يحارب التنظيم الإسلامي والأسد على حد سواء، ولكن أوباما أشار في خطابه، في 10 سبتمبر الجاري، حول استراتيجية محاربة "داعش" إلى أنّ المسألة بحاجةٍ الى أشهر، أو ربما أكثر من سنة، إلى أن يصبح الجيش السوري الحرّ جاهزاً للقتال؛ لذا فإنه، في الوقت الحاضر، ما من بديل عن الضربات الجوية في العراق، خصوصاً حيث يحارب الجيش الوطني والميليشيا الشيعية التنظيم على البرّ لمنع جهادييه من التوسع.

ليس واضحاً إنْ كان الجيش السوري الحر سيتمكّن من صدّ التنظيم أو الإطاحة بنظام الأسد، ولكن المؤكد هنا أن معظم مقاتلي الجيش السوري الحر يهتمون بالإطاحة بالأسد أكثر من صدّ التنظيم، وبدأت الفجوات بين الثوار وداعميهم الأميركيين تظهر علناً منذ اللحظات الأولى التي عقبت الغارات الأميركية، حيث احتجّ بعض مقاتلي الجيش السوري الحرّ، معلنين أنّهم لا يستطيعون هزيمة التنظيم إلا بعد الإطاحة بالأسد، وقد يكون الأمر هذا من أولوية الثوار السوريين، لكنه ليس قطعاً من أولويات أوباما، أو ليس من أولويات أيّ أميركي آخر أساساً.

تذمّر بعض المعلقين على القنوات التلفزيونية بأنّ غارات أوباما الجوية قد تحتوي مقاتلي التنظيم الإسلامي، لكنها لن تقضي على التنظيم بالتأكيد، وبدأ البعض يشير بامتعاضٍ إلى عدم استسلام التنظيم رغم مرور أسابيع على الغارات الجوية الأميركية في العراق.

ومهما كان من أمر، بدأ الرئيس أوباما حرباً جديدة في الشرق الأوسط وهي محفوفة بالمخاطر. في الوقت ذاته، هو متورّط في هذه الحرب بحنكةٍ أكبر من الرؤساء الذين سبقوه، وبحلفاء فعليين في المنطقة. أهدافه واضحة وإصراره حازم على تقليص الحرب بأقل عدد من السنوات والأضرار... فهل سينجح؟ يستحيل أن نعرف ما ستؤول إليه الأمور فالزمن ومجريات الأمور وحدها القادرة على حسم الأمور، بحيث تميل الكفة إلى طرف دون آخر.

قد لا تنجح أي خطة، وقد يثبت التنظيم أنّه مقاومٌ للضربات الجويّة، وقد لا يتوحّد النظام العراقي، وفي تلك الحالة قد يستمر دعم بعض السُّنة للجهاديين في التنظيم أو قد لا يظهر هذا البعض على الأقل رغبة جامحة في محاربته، كذلك قد تثير الضربات الجوية مزيداً من الفوضى في سورية المنكوبة أصلاً، وقد يهاجم التنظيم أو أيّ مجموعة جهادية أخرى الغرب بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، ولن تكون تلك المرة الأولى التي تتوسع فيها حربٌ بدأت في بقعةٍ محدودة.

* فريد كابلان | Fred Kaplan

back to top