الحالة ما بين العراق والكويت... لم تنته بعد

نشر في 07-06-2009
آخر تحديث 07-06-2009 | 00:00
 محمد حمد الغانم ينظر مجلس الأمن، بصفته الهيكل الموكل إليه مهمة الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، إلى الصراعات والنزاعات بين الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، وعندما أقدم العراق على غزو الكويت في ٢ أغسطس ١٩٩٠، انطلقت متابعة المجلس لهذه القضية، وأدرجها على جدول أعماله تحت عنوان «الحالة ما بين العراق والكويت»، وأصدر المجلس، خلال فترة زمنية تقارب العقدين، عشرات القرارات تحت هذا البند، الذي مازال قيد البحث وفقا لقرارات الأمم المتحدة.

وهنالك عوامل عديدة، أود الوقوف عندها بسبب بعض التصريحات الصادرة عن المسؤولين الكويتيين سواء في وزارة الخارجية أو مجلس الأمة، وبعد التمعن في تلك التصريحات، تبين لي أن أغلب المصرحين، مع شديد احترامي لأشخاصهم الموقرة، ليسوا مطلعين على تاريخ تطور «الحالة ما بين العراق والكويت» مما خلق حالة الهلع التي نراها اليوم. إن المحاولات لإغلاق هذا الملف، قبل إتمام العراق التزاماته ليس حديث الساعة، وأعتبرها مناورة ينبغي على الجهاز الدبلوماسي الكويتي أن يكون معتادا عليها، وأن يواجهها كما فعل في السابق، فالعلة إذن ليست في إعادة إحياء هذه المناورات، إنما هي تكمن- كما تبدو لي- في عدم إلمام القائمين حاليا على هذا الملف بنواحيه المتعددة:

الفصل السابع وفترة الصلاحية لقرارات مجلس الأمن الدولي

وفقا لأحكام الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، والمعنون بـ«الحل السلمي للنزاعات»، ينبغي على الدول التي يشوب علاقتها خلافات معينة، اللجوء إلى الحوار واستحداث الحلول تحت رعاية المنظمات الإقليمية التي ينتمون إليها، قبيل لجوء الطرفين المتنازعين إلى مجلس الأمن. وشكل الغزو العراقي على الكويت، أول حالة احتلال منذ نشأة الأمم المتحدة، دون الحصول على موافقة مجلس الأمن (على سبيل المثال: الاحتلال الأميركي لكوريا الجنوبية في العقد الخامس من القرن المنصرم، كان تحت لواء الأمم المتحدة)، مما استدعى تجاوز ذاك الشرط والتعاطي مع الموقف وفق أحكام الفصل السابع وبسط هيمنة مجلس الأمن على القضية منذ اليوم الأول ومن خلال القرار رقم ٦٦٠ الذي طالب المجلس من خلاله العراق بالانسحاب الفوري من جميع الأراضي الكويتية.

كما يعلم القارئ، أن القرارات المستمدة من الفصل السابع للميثاق تختلف نوعيا مع كل القرارات الأخرى الصادرة عن مجلس الأمن ذاته أو بقية هياكل الأمم المتحدة، والاختلاف يكمن في أن هذه القرارات ملزمة لجميع الأعضاء، وليس للمتنازعين منهم فقط. ويعتبر واجبا على الدول الأعضاء في الشرعية الدولية المشاركة الفعالة لتنفيذ بنود القرارات بالكامل ودون شروط، وتندرج كل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والمتعلقة بالحالة ما بين العراق والكويت تحت هذا الفصل، مما يعني أن ليس لأي دولة حق المساومة في بنود تلك القرارات تحت أي ظرف من الظروف، ومن واجبها كعضو في الأمم المتحدة، التحقق من تنفيذ كل بنود القرارات من النوع هذا. واستناذا إلى هذا الشرط، فلا يجوز للعراق أو الكويت أو غيرهما من الدول، التفاوض بشأن القضايا المحسومة أو الملفات العالقة التي مازالت قيد البحث إلا في حالة واحدة: وهي موافقة الطرفين بجانب مجلس الأمن بحل بقية القضايا دون إشراف من المجلس ذاته.

أما تلك القضايا التي تم حسمها، فهي نافذة على الجميع، ولا يحق لأي هيكل آخر (كمحكمة العدل الدولية مثلا) الطعن فيها، وهذا يعني أن الكويت لها القول الفصل في هذا الشأن، وقد قام وزير الخارجية بإخطار رئيس مجلس الأمن من خلال كتاب رسمي بعدم موافقة الكويت على إغلاق الملف.

النقطة التالية تتعلق بـ«تاريخ الصلاحية» لقرارات مجلس الأمن. إن قرارات الأمم المتحدة بمجملها لا تُلغى إلا من خلال إصدار الهيكل المعني (وفي هذه الحالة مجلس الأمن) قرارا يعلن فيه حسم الملف، بسبب موافقة الأطراف المتنازعة أو لاستيفاء الأطراف المعنية كافة التزاماتهم، وهذه خطوة لم تتخذ، ولا يمكن لمجلس الأمن اتخاذها إلا إذا استوفيت الشروط المشار إليها في الفقرة السابقة. مع العلم أن مجلس الأمن، وعلى عادته، في آخر قرار أصدره حول «الحالة ما بين العراق والكويت» في تاريخ ١٢ أغسطس 2004، (قرار رقم ١٥٥٧) قرر «أن تبقى المسألة قيد نظر المجلس»، واستخذام هذه العبارة في ختام أي قرار من قراراته، يعني وجود قضايا عالقة تعيق إغلاق هذا الملف في الوقت الراهن.

المشكلة من الناحية الإجرائية

قام مجلس الأمن في عام ٢٠٠٥، بعدما أبقى ملف «الحالة ما بين العراق والكويت» تحت تصرفه، باستحداث ملف جديد تحت عنوان «الوضع في العراق» من خلال القرار رقم ١٦١٩. والقرارات المتعلقة بـ«الوضع في العراق» تركز على الأمور الداخلية، كالحالة الأمنية وتمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) وغيرها، وبهذا يكون مجلس الأمن ارتكب خطأ فادحا من خلال إصدار قرارات متعددة تتعلق بالوضع العراقي الداخلي تحت بند «الحالة ما بين العراق والكويت» لفترة تزيد على السنتين، ولأن قرارات مجلس الأمن تُبنى على ما سبقها، قام المجلس باستخراج القرارات المتعلقة بالوضع العراقي الداخلي تحت الفصل السابع من الميثاق أيضا. وفي الحقيقة فإن هذا التداخل يلام عليه في المقام الأول المسؤولون في وزارة الخارجية الكويتية، الذين كان ينبغي عليهم مطالبة مجلس الأمن منذ اللحظة الأولى لاحتلال العراق، بفصل القضايا الناتجة عن الاحتلال من تلك الملفات المتعلقة بالحالة بين العراق والكويت، وليس من المقبول أن تصحح وزارة الخارجية الكويتية هذا الخطأ بخطأ أكبر وأفدح، من خلال الموافقة على عدم الإشارة إلى الفصل السابع عندما تستحدث قرارات متعلقة بالعراق وحده، لأن مثل هذا الإجراء قد يشمل الحالة ما بين العراق والكويت أيضا. وعلى الدبلوماسية الكويتية التصدي لأي محاولة عراقية لاستخدام هذا الخطأ كذريعة ضد الكويت، لأن التقاعس هذا، يشاطرنا فيه العراقيون أيضا، بسبب إغفالهم هذا الخطأ الإجرائي.

المشكلة من الناحية السياسية

تتصف السياسة الكويتية تجاه العراق منذ سقوط نظام صدام حسين بالتسرع، فبادرت الكويت بإبداء «النوايا الحسنة» تجاه جارتها بينما امتنع العراق باتخاذ أي إجراء مماثل، فعلى سبيل المثال وليس الحصر: قامت الكويت بتعيين السفير علي المؤمن سفيرا لها لدى بغداد، في حين يمتنع العراق من تسمية سفيره حتى اللحظة. وبينما تدوي أجهزة الإعلام العراقية بتصريحات مثيرة للقلق، والصادرة عن عدد ليس بالهين من الأحزاب العراقية المختلفة، لم يبادر أي مسؤول في الخارجية العراقية لمدة عشرة أيام بتقديم تفسير أو اعتذار عن هذه التصريحات. (صدر عن سعادة محمد الحاج توضيح، ليس كبيان خاص بالخارجية العراقية، ولكن ردا على أسئلة لمقابلة أجرتها ونشرتها جريدة «القبس» في عددها الصادر يوم السبت الموافق ٦ يونيو ٢٠٠٩)، كما أن العراق لم يُقدم على أي تحرك ملموس لاسترجاع رفات الشهداء الكويتيين، الأمر الذي سيكون له وقع إيجابي في نفوس أهل الكويت، ولكن التقاعس العراقي الملحوظ في هذا الجانب، يهيج المشاعر المضادة لتحسين العلاقات بين العراق والكويت.

ولا يمكن في هذا الصدد إغفال الدور الأميركي حيال الوضع القائم، فحينما أرغمت وساندت الولايات المتحدة الأميركية في عام ١٩٥٠ فرنسا وألمانيا الغربية على تأسيس المجموعة الأوروبية للفحم والحديد، والتي كانت اللبنة الأولى للاتحاد الأوروبي بهدف توطيد العلاقات بين الخصمين، نرى الولايات المتحدة اليوم تتخذ مواقف متجاذبة ومتناقضة حيال الوضع بين العراق والكويت. فيستقبل المستشار محمد أبوالحسن في واشنطن ويؤكد له أن الموقف الأميركي متطابق مع الموقف الكويتي، في حين تصرح وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في زيارتها الأخيرة إلى العراق بأن موقف بلادها متطابق مع الموقف العراقي.

هذا التفاوت لا بد أن يوضح حتى تضمن جميع الأطراف حقوقها، خصوصا أن الولايات المتحدة هي شريك أساسي للكويت والعراق على حد السواء، وآمل أن تكون أميركا غير مستعدة للتخلي عن حقوق الكويت تحت أي ظرف من الظروف.

إن الدبلوماسيين الأميركيين يذكروننا دائما بأنه لولا وقوفهم معنا إبان محنتنا، لما تحررنا، ونحن الآن نقول: لولا مساندتنا الاستراتيجية لكم طوال محنتكم في العراق لكان الوضع مختلفا أيضا، لكن الحلفاء والأصدقاء لا يتحاسبون، بل يمدون يد العون والدعم دوما. هذا ما يمكن للعراق وأميركا توقعه من الكويت، وقد أثبتنا عزيمتنا بأفعالنا لا بأقوالنا، وجاء الوقت لأن يقرن الأشقاء في العراق والأصدقاء في أميركا أقوالهم بأفعال، وإلا، ستضل «الحالة ما بين العراق والكويت» قائمة حتى يرث الله الأرض وما عليها.

* دارس ماجستير علوم سياسية، جامعة جورج تاون، واشنطن دي سي

back to top