تقييم التجربة الديمقراطية في الكويت

نشر في 29-05-2008
آخر تحديث 29-05-2008 | 00:00
 د. عبدالمالك خلف التميمي

يتذمر بعض المواطنين من السلبيات التي رافقت التطبيق الديمقراطي إلى درجة أن بعضهم قد شكك في جدوى الديمقراطية، لكن ألا يعلم هؤلاء وغيرهم أن ما ننعم به اليوم من مكاسب ليس مرده إلى عائدات النفط فحسب، بل إلى النهج الديمقراطي الذي وفر الإرادة والمشاركة الشعبية ورقابتها؟!

الديمقراطية في الكويت تجربة ونموذج ينبغي دراسته على مستوى منطقة الخليج العربي لاستخلاص الدروس بهدف الاستفادة من إيجابياتها، وتجنب سلبياتها، خصوصاً أن دول المنطقة مقدمة على تجارب مماثلة وشرع بعضها في تطبيقها.

أولاً وقبل كل شيء فقد أضفت الديمقراطية في الكويت الشرعية الدستورية وأكدتها على النظام السياسي، وثانياً حققت الديمقراطية وتجربتها البرلمانية مكاسب عديدة، أهمها مناخ الحرية الذي ينعم به الكويتيون، والسيطرة على الثروة النفطية، والفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية، وعدم تداخلها، والرقابة على المال العام، وكشف كل من يتلاعب به، وإقرار حقوق المرأة السياسية، والتأمينات الاجتماعية، ووجود مؤسسات المجتمع المدني وحرية نشاطها مترادفة وموازية لمؤسسات الدولة، وغير ذلك من المكاسب التي تحققت عبر المسيرة الديمقراطية للتجربة الكويتية التي مرّ عليها قرابة نصف قرن من الزمان.

ومن دون شك تجربة كهذه في مجتمع عربي خليجي في ظل هذه الظروف المحيطة به ودرجة النمو والتطور فيه، وطبيعة تركيبته ومكوناته لابد أن تشهد سلبيات عديدة، ولو لم تكن هناك سلبيات لما كانت هذه التجربة وإنجازاتها، لأنه ليس هناك نموذج جاهز وكامل لتطبيقه، وقد شهدت جميع تجارب العالم ومنها الدول المتقدمة سلبيات ولاتزال، والتي هي أعرق بكثير من التجربة الديمقراطية الكويتية.

يتذمر بعض المواطنين من السلبيات التي رافقت التطبيق الديمقراطي إلى درجة أن بعضهم قد شكك في جدوى الديمقراطية، لكن ألا يعلم هؤلاء وغيرهم أن ما ننعم به اليوم من مكاسب ليس مرده إلى عائدات النفط فحسب، بل إلى النهج الديمقراطي الذي وفر الإرادة والمشاركة الشعبية ورقابتها لتحقيق إنجازات أساسية واستراتيجية وتاريخية لجيلنا والأجيال القادمة؟! ومن الطبيعي أيضاً أن يوجد لكل نهج تنموي وتطوري أعداء لا يمكن أن يحققوا طموحاتهم الشخصية والمصلحية في ظل هكذا أجواء ديمقراطية فيها الشفافية والمحاسبة والرقابة، لكن نمو الوعي السياسي والثقافي الذي يراهن عليه الخيّرون، المخلصون سيكون كما كان سداً في وجه كل من يحاول المساس بالديمقراطية ومكاسبها.

لقد صاحب التطبيق الديمقراطي ممارسات لاديمقراطية من أطراف عديدة بدءاً من بعض الاستجوابات التي هي حق دستوري أريد به باطل لأسباب ربما مصلحية وفئوية وثأرية وطرح قضايا جانبية، وعدم الاهتمام بالقضايا الأساسية برلمانياً مثل محاربة الفساد الإداري والمالي، إلى ممارسات غير دستورية وغير قانونية، مثل الانتخابات الفرعية ذات البعدين القبلي والطائفي.

وعلنيا أن نقف الآن بعد هذه الرحلة لتقييم التجربة واستخلاص الدروس، ومواجهة السلبيات، وهي بطبيعة الحال ليست خاصة بطرف دون آخر، وهي مسؤولية القوى السياسية والحكومة والمثقفين في هذا البلد، ويمكن بلورة بعض القضايا في هذا السياق: إعادة النظر في مسألة استجواب النواب للوزراء لتكون هادئة وحضارية وليكون النقد موضوعياً ومفيداً وهو حق دستوري. الثبات في مدة توزير الوزراء فتغييرهم بعد فترة وجيزة من تعيينهم أصبح مشكلة تحتاج إلى وقفة، وكلما كانت معايير اختيارهم واضحة وثابتة ومبنية على الكفاءة فإن ثبات الحكومة واستقرارها وإنجازاتها تكون أفضل، كذلك نحن مقدمون على أمرين لابد من التفكير فيهما جدياً وعميقاً: الأول؛ قانون الأحزاب السياسية، وتعديل قانون الانتخاب لتكون الكويت دائرة واحدة إضافة إلى قضايا التنمية الأخرى في البلاد مثل التعليم والتركيبة السكانية وغيرها.

بعد هذه الرحلة من التطبيق الديمقراطي نحتاج إلى وقفة تأمل ودراسة للقضايا الأساسية التي تهم المجتمع في الحاضر والمستقبل.

back to top