كتاب جامع التواريخ... تاريخ العالم منذ آدم حتى سقوط بغداد في يد هولاكو

نشر في 21-09-2007 | 00:00
آخر تحديث 21-09-2007 | 00:00

يعد كتاب جامع التواريخ عنواناً صريحاً يمكن من خلاله الاطلاع على جهود حكام المغول، لإقناع المسلمين بأنهم أصحاب حضارة، وليسوا مجرد غزاة عابرين، والكتاب يحتوي على نسختين مصورتين إحداها باللغة العربية، والأخرى بالفارسية.

بعدما نجح المغول بقيادة جنكيزخان في احتلال الأراضي التي يسكنها المسلمون في وسط آسيا وإيران تمكن هولاكو من الاستيلاء على بغداد في عام 656هـ (1258م)، ووجد المغول أنفسهم يحكمون شعوباً ليست فقط ذات حضارة خاصة، بل وتسبقهم في مدارجها، ووجه ايلخانات المغول في إيران بعضا من جهودهم من أجل نشر معطيات تاريخية عن أسلافهم وعلاقاتهم مع الأمم المجاورة، وتطور الأمر بعد إعلان غازان محمود الإسلام ديناً رسمياً لدولة المغول إلى محاولة ادماج العناصر المغولية في ديانتهم الجديدة والأمة التي التحقوا بها.

واحتلت المخطوطات المصورة صدارة الجهود المغولية في الحالتين، وذلك بالإيعاز إلى مؤلفين لتضيف الكتب التي زوقت دوماً بالتصاوير لتقريب المعلومات والمفاهيم إلى الأذهان، حيث اعتاد المغول ابان اعتناقهم للبوذية الاعتماد على الصور لشرح العقائد وتوصيل المعلومات.

وإذا كانت جهود شرح الإسلام بالصور للمغول قد أثمرت عدداً من المخطوطات الفريدة وفي مقدمتها كتاب معراج نامة، الذي يصور حادثة الاسراء والمعراج، فإن كتاب جامع التواريخ يعتبر عنواناً صريحاً على جهود حكام المغول لإقناع المسلمين بأنهم أصحاب حضارة قديمة وليسوا مجرد غزاة عابدين.

وكتاب جامع التواريخ من تأليف عالم وطبيب فارسي هو الوزير رشيد الدين الذي لعب دوراً كبيراً في إقناع غازان محمود بإعلان الإسلام ديناً لدولته.

وقد بدأ رشيد الدين باكورة جهوده للتعريف بتاريخ المغول بتأليف كتاب تاريخ غازاني باللغة الفارسية، ثم كلفه غازان محمود بتصنيف موسوعة تاريخية عن الأحداث التي كان المغول طرفاً في وقائعها مع أمم أخرى، وامتد الأمر في عهد الخام أولجا بتوالي تأليف مختصر لتاريخ البشرية.

ومن أجل إنجاز هذا العمل الموسوعي انفرد رشيد الدين وجملة من العلماء والنساخ والمصورين بالإقامة في ضاحية قرب تبريز عرفت بالرشيدية نسبة إليه، وانهمك في عمل شاق على مدار ثلاثة أعوام تقريباً انتهت بإخراج نسختين مصورتين من كتاب جامع التواريخ، احداهما باللغة العربية والثانية باللغة الفارسية، وجرى بعد ذلك إنتاج نسخ من الكتاب في مدن فارسية أخرى.

ويتكون كتاب جامع التواريخ من مجلدين أولهما يتضمن تاريخ القبائل المغولية والتركية في آسيا وتاريخ جنكيزخان وخلفائه حتى عهد غازان محمود. أما المجلد الثاني فيشتمل على تاريخ العالم منذ آدم وتاريخ ملوك الفرس الأقدميين، ثم تاريخ المسلمين حتى سقوط بغداد مع لمحات من تاريخ الشعوب الآسيوية المختلفة والديانات السائدة بينها.

وتحتفظ الجمعية الآسيوية الملكية بلندن بنسخة مخطوطة من كتاب جامع التواريخ تم نسخه في سنة 714هـ (1314م)، وهو يتضمن تسعا وخمسين ورقة ومائة صورة ملونة.

ويحتوي هذا القسم من الكتاب على موضوعات من السيرة النبوية، بالإضافة إلى تاريخ الهند وسيرة بوذا وجزء من تاريخ اليهود.

وقد رسمت الصور في هذا المخطوط بحجم كبير، وقد تحتوي الصفحة الواحدة على صورتين لموضوعين مختلفين. ففي احدى الورقات نرى صورة تمثل عزرائيل أو ملك الموت، وهو يقترب من مجموعة من الرجال وقد رسم على هيئة إنسان له جناحان، وأسفلها مباشرة صورة تمثل تكليف علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنهما) بمهمة استطلاع أمر قوافل قريش قبيل غزوة بدر.

ويشاهد في هذه الصورة عدد من الفرسان يمسكون بأيديهم رماحاً طويلة، وقد رسموا في مجموعتين يفصل بينهما رسم لصخور بذات الأسلوب الذي كانت ترسم به الصخور في التصاوير الصينية.

ويكشف الأسلوب الفني، الذي رسمت به الصورتان عن تأثر عميق بتقاليد التصوير الصيني، حيث قسمت الصورة إلى مقدمة هي الأرضية التي تجري عليها الأحداث وخلفية تمثل السماء. وتم تقسيم الأرضية بواسطة عدد من الخطوط إلى عدة مستويات، مما أعطى الصورة عمقاً واضحاً، وقد احتل الأشخاص مقدمة الصورة هم وخيولهم. وتتميز صور هذا المخطوط بصفة عامة بالعناية الفائقة برسوم الخيل وتوضيح أعضائها بدقة ومحاولة التعبير عن الحركة في رسومها. وقد رسم الأشخاص في هذه الصور بملامح وسحن مغولية واضحة بعيونهم الدكينة المنحرفة.

وتتجلى التأثيرات الصينية أيضاً في صورة تمثل اللقاء بين الشيطان وبوذا وهما يتجاذبان أطراف الحديث دون أن يدرك بهذا أن محدثه هو الشيطان. فبالإضافة إلى الملامح المغولية للأشخاص فإن ملابسهما تبدو صينية تماماً، وربما كان المصور قد شاهد صوراً لهذا الموضوع في تصاوير صينية، حيث نرى أيضاً الرسوم النباتية الشبيهة بتلك التي كانت ترسم في أواني الخزف الصيني.

وبذات المخطوط عدد من الصور التي تجسد صورا لمناظر طبيعية لا وجود للكائنات الحية فيها، ومن ذلك صورة تمثل شجرة بوذا المقدسة وسط مجموعة من الأشجار رسمت بأسلوب واقعي، وهي ذات سيقان واضحة التفاصيل وقام المصور بتوزيع رسومه، بحيث تنطلق كل شجرة من خط من الخطوط العديدة التي توضح المستويات المتعددة في أرضية الصورة.

وتشترك معها في عدم رسم أشخاص أو حيوانات صورة أخرى في مخطوط جامع التواريخ تمثل جبال الهند. وتعرض الصورة مجموعة من الجبال الشاهقة الارتفاع تنمو عليها الأشجار الكبيرة إلى جانب شجيرات صغيرة، وتتقدم هذه الجبال ما يمكن تسميته ببحيرة أو مجرى مائي تسبح فيه الأسماك وتحلق فوقه الطيور، ويعتقد مؤرخو الفنون أن هذه الصورة قد نقلت على الأرجح من أصل صيني بحكم العلاقات الوثيقة التي كانت بين المغول والحضارة الصينية.

ومن الصور المعبرة في هذا المخطوط واحدة تمثل نفرا من المغول في الطريق إلى بلاد التبت. ويشاهد فيها منظراً طبيعياً يشتمل على مجموعة من التلال ذات قمم مخروطية الشكل تنمو على سفوحها المدرجة بعض الشجيرات، وثمة مجرى مائي ضيق ينساب من أعلى الجبال إلى سفحها بحركة لولبية تضفي على الصورة بعض الإحساس بالحركة. ويوجد إلى يمين الصورة جانب من منزل يجلس أمامه شخص له سحنة وملابس صينية. وإلى جوار هذا المنزل رسم المصور شجرتين كبيرتين. ويوجد إلى اليسار منزل آخر ظهر جانب منه، ويتقدم شخص في هيئة صينية وكأنه يهم بالدخول إليه. والحقيقة أن هذه الصورة على وجه التحديد تشير بوضوح إلى تأثير صيني دامغ وخاصة في تجسيد طراز المباني، وهو ما يؤكد أن المصور قد عاين بنفسه الأراضي الصينية أو نقل هذه الصورة عن أصل صيني، بل ربما كان هو ذاته مغولياً أو، وهذا هو الأرجح، كان من طائفة البخشي أو الكتاب المغول الذين ينتمون الى قومية الاويغور المسلمة التي تسكن المناطق الشرقية من الصين إلى اليوم.

ومن الموضوعات الفريدة التي صورت في هذا المخطوط تلك الأوصاف التي أعطيت لسفينة نوح التي حمل فيها من كل زوج اثنين قبيل الطوفان، الذي أغرق قومه الكافرين. والحقيقة أن الصورة التي تمثل هذه السفينة وهي تمخر عباب الماء قد شهدت مزجاً بين الروايات التي تحدثت عن تنوع المخلوقات التي حملها نوح عليه السلام في السفينة وتمثيل الواقع كما رآه الفنان، فصورة السفينة تعطينا معلومات مهمة عن طراز سفن الركاب في إيران خلال الحقبة المغولية.

ومهما يكن من أمر فغن ضاحية الرشيدية التي أخرجت هذا المخطوط المصور سرعان ما تعرضت للدمار عقب اتهام الوزير رشيد الدين، والذي كان طبيباً للبلاط بدس السم للخان المغولي اولجايتو، إذ صب المغول غضبهم على الوزير أولاً وقتلوه شر قتلة، ثم خربوا الرشيدية وأحرقوا ما كان بها من كتب وأوراق، ولعل ذلك كان السبب وراء ضياع أغلب أجزاء كتاب جامع التواريخ.

ورغم جهود أحد أبناء رشيد الدين لغعادة إعمار الرشيدية بعدما تولى الوزارة لأحد إيلخانات المغول فإن هذه الضاحية التي ضمت أول مكتبة ومرسم في تاريخ المغول المسلمين لم تعد بحال من الأحوال إلى سابق ازدهارها.

back to top