صمونة فلافل ورؤية 2035
من المفترض أن تكون الجهات الحكومية في أي دولة مرآة لهيبة الدولة ومصداقية مؤسساتها، لا مجرد أماكن لتخليص المعاملات، لكن ما يحدث على أرض الواقع في بعض وزاراتنا يدعو للأسف، ويؤكد الحاجة العاجلة إلى استحداث «إدارة للإتيكيت الحكومي»، تعنى بمهنية العاملين، وأخلاقيات بيئة العمل، وأسلوب التعامل مع الجمهور.
في تقرير نشرته جريدة الراي الثلاثاء 8 يوليو 2025، نقلاً عن توجيهات مجلس الوزراء، والتي تركز على رؤية الكويت 2035، وتنص على تحويل الدولة إلى مركز مالي وتجاري إقليمي لتحقيق تنمية شاملة، والتي تتكون من خمسة محاور رئيسية هي: اقتصاد معرفي، حكومة داعمة، رفاه مستدام، مواطن مُمكَّن، ومكانة دولية متميزة. وتستند إلى سبع ركائز أساسية تشمل: إدارة حكومية فاعلة، رأسمال بشري مبدع... إلخ.
بينما كنت اقرأ الخبر، كنت في مراجعة جهة حكومية وتبسمت – بصراحة – الكلام إيجابي لكنه لن يؤتى أكله ما لم تُستأصل جذور المشكلة: انعدام الاحترافية في التعامل مع الجمهور، سواء من الموظف العادي أو من مدير الإدارة أو مكاتب الوكلاء.
أقول هذا عن تجربة شخصية، حين توجهت مؤخراً لمراجعة إحدى الجهات الحكومية (الحيوية)، ووجدت نفسي في مكان أقرب إلى «ديوانية شعبية» منه إلى مقر عمل رسمي. مكتب الموظف بدا كاستراحة في طريق «البر»، موظفون يأكلون على مكاتبهم أمام المراجعين، رائحة الطعام في الممرات تفوح وكأننا في مطبخ لا مؤسسة، تدخين في المكاتب، مسابيح مزعجة، بشاعة فعلية أمام المراجعين.
أما مكتب المدير فحدّث ولا حرج، هذا كله من دون تعمّد أو قصد! هذا مجرد يوم عادي وروتيني في هذه الوزارات!
أين المهنية؟ أين المظهر اللائق؟ أين احترام المراجع؟ بل أين الوزير الذي من المفترض أن ينزل إلى ميدانه ليرى كيف تُدار وزارته بوجود هذا الكم من الإهمال؟ هل هذه الواجهة التي نريد أن نُصدّرها عن دولتنا؟
بصراحة، إذا كانت هذه هي واجهتنا فـ: انسوا «التطوير» Forget it.
نحن -كسلحفة عمياء- نعيش في زمن إداري متأخر جداً، كثير من المديرين أو الطاقم الإداري لا يعرف الفرق بين المؤسسة الرسمية وديوانية بيتهم! فالمكتب ليس غرفة نوم، والوزارة ليست صالة البيت! نحن بحاجة إلى إعادة تأهيل شاملة، لا في الأنظمة فقط، بل في العقول والسلوكيات والإتيكيت البسيط الذي من المفترض أن يكون -بديهياً- وياليت أن تتعلموا من القطاع الخاص قليلاً، لا أحد هناك يتجرأ أن يأكل على مكتبه أمام عميل، أو يرد عليه ببرود ويشرب ويأكل «فلافل وحلوم» أثناء حديثه مع مراجع، أو يُهمل مظهره وينام على مكتبه ويرتدي «فليب فلوب» وكأنه في غرفة فندق، لأن هناك شيئاً اسمه «سمعة»، و«هوية مؤسسية»، و«ثقافة عمل».
أتمنى – وأكررها – أن يتم استحداث إدارة مستقلة ومتخصصة للإتيكيت الحكومي، تُشرف على تدريب الموظفين والمديرين على فن التعامل -قبل وبعد التعيين- وعلى قواعد السلوك المهني، وأن تكون جزءاً من التقييم السنوي الوظيفي.
لأن ما رأيته مؤخراً مؤسف ومخز حقاً.
لو مرّ أجنبي من هنا، لتساءل: هل هذه مؤسسة حكومية مرموقة أم سوق شعبي؟
بالقلم الأحمر: الرؤية لا تتحقق بشعارات وتصاريح... بل بثقافة مهنية محترفة وخطة نظامية حقيقية بواجهة مشرفة. صمونة الفلافل تشبع، لكنها ما تطوّر إذا استمر هذا النهج.